"الربيع العربي".. وتمدد الإرهاب السلفي

"الربيع العربي".. وتمدد الإرهاب السلفي


18/12/2017

أصبح العنف الديني في مصر، أكثر من كونه مجرد ظاهرة، حيث أنه تخطى تلك المرحلة بمراحل وأصبح بنية ثقافية وعقلية متماسكة تفرز التطرف والإرهاب بصورة دائمة، ولم يعد أيضا مجرد رد فعل لظاهرة أو أزمة فقط، بل صار يدخل في شبكة متماسكة ومعقدة جدا من العلاقات في مختلف القطاعات والمؤسسات. كما أنه لم يعد أيضا مجرد ظاهرة تطفو على سطح المجتمع بل أصبح جزءا من ثقافته ومكونا أساسيا من مقومات وجوده. ومن الطبيعي أن ينتقل، وفق هذه الحالة من كونه بنية ثقافية إلى كونه بنية عقلية، حيث أنّ بنية التطرف الثقافي الديني أفرزت ذهنية عقلية متطرفة أيضا.
وحول دور هذا العنف الديني في اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط يدور هذا المقال متضمنا الكتابات التي تناولت الظاهرة الإرهابية بعد ثورات الربيع العربي حيث استقطبت أزمات الشرق الأوسط، خاصة الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي، اهتمام خبراء السياسة الدولية الذين كتبوا العديد من المقالات والتحليلات السياسية التي عبروا فيها عن آرائهم ووجهات نظرهم حيال تلك التطورات، فقد أعد أنتوني كوردسمان أستاذ كرسي أرليه بورك في الشؤون الإستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريرا بهذا الخصوص، ونشرت مقتطفات منه «خدمة معلومات العلاقات الأمريكية –السعودية»، يتناول فيه العوامل المؤثرة على الأمن، والاستقرار، والإرهاب في دول كل من السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وعمان ومصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا. وهو يرى أن عديد من التحليلات الخاصة بعدم الاستقرار السياسي والمشكلات الأمنية والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط تركز على المشكلات الحالية الأكثر خطورة أو الأسباب الرئيسية للزيادة الحالية في وتيرة العنف التي تشهدها العديد من دول المنطقة مثل التطرف الديني.
وفي مقارنته بين العوامل المؤثرة على الأمن والاستقرار وتنامي ظاهرة الإرهاب بين تلك الدول الـ11، يقدم كوردسمان رؤية شاملة للمؤثرات التي تؤثر على كل دولة على حدة، فضلا عن تسليط الضوء على الاختلافات من بلد لآخر، مع تأكيده في ذات الوقت على خطورة التعميم، أو تحديد مسببات واحدة للعنف وزعزعة الاستقرار لكل تلك المجموعة من الدول.
ويرى أن هناك العديد من العوامل التي يمكن من خلالها تفسير سلسلة الأزمات التي تشهدها المنطقة منذ العام 2011، مع ملاحظة أن الإرهاب لا يشكل ظاهرة جديدة، وأن له أسبابه المتعددة، وهو ما يستوجب التأكيد على أهمية المشكلات الرئيسية الأخرى، وهي تلك المشكلات التي تتعلق بالحكم والاقتصاد والتركيبة السكانية. كما يلاحظ أنه لا توجد مجموعة من المقاييس يمكنها أن تتحدث عن نفسها، كما أن الجهود المبذولة في قياس الاتجاهات الرئيسية التي لا تتضمن معلومات وقياسات تفشل في وضع تلك القضايا والمشكلات في سياقها النسبي الذي يساعد على تفسير وتحليل الظاهرة، وبالتالي وضع الحلول المناسبة لها.
كما أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) كتاباً حمل عنوان (التطرف الديني بعد ثورات الربيع العربي)، والذي ساهم فيه عدد من الكُتَّاب، وحرَّره نائب رئيس المركز ومدير برنامج الشرق الأوسط "جون ألترمان" Jon B. Alterman.
وفي بداية هذا الكتاب، يحاول "ألترمان" رسم طبيعة المشهد السياسي في دول الإقليم التي شهدت ثورات، وإلى أي مدى ساهمت تداعيات وإفرازات الحالة الثورية في إفساح المجال بشكل كبير لظهور التيارات الدينية المتطرفة التي امتدت على طول الإقليم، مما أنتج تغيرات جيوسياسية يجب فهمها وأخذها بعين الاعتبار من جانب الحكومات من أجل إمكانية التعامل معها بشكل فعال.
وعلى سبيل المثال، مثَّل غياب قوات الأمن في العديد من الدول، إلى جانب تنامي العنف ضد الدولة نفسها في كل من سوريا وليبيا والعراق، عاملاً مساعداً في خلق فرص جديدة لظهور المتطرفين والجهاديين؛ فبصرف النظر عن أصولهم وخلفياتهم، فإنهم وجدوا بيئات وظروف وأسباب كافية للتجمع والقتال على الأرض.
ويشير "ألترمان" إلى أن عام 2014 قد شهد غياب سيطرة المتطرفين سياسياً على دول الإقليم من ناحية، كما أن معظم الحكومات استعادت سيطرتها القديمة على مفاصل الدول من ناحية أخرى؛ وهو ما سيدفع إلى استمرار تمدد الإرهاب، وتعدد آلياته الدينامية والابتكارية، بما يجعل الحكومات في حاجة إلى تطوير أساليبها في التعامل معه.
وفي الفصل المعنون "الجهادية السلفية وأزمة السلطة"، يؤكد "هايم مالكا" Haim malka، وهو كبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، على أن الجماعات السلفية الجهادية تواجه أزمة سلطة ناتجة عن تمرد تنظيم "داعش" على قيادات "القاعدة"؛ فكما مثَّل قرار أسامة بن لادن بالهجوم على الولايات المتحدة تغيراً درامياً في أهداف الجماعات السلفية الجهادية منذ أكثر من عقد مضى، فكذلك كان تجاهل "داعش" لقيادات "القاعدة"، ورفضهم لاستراتيجية الأخيرة، بالإضافة إلى إعلانهم الخلافة، بمثابة إعادة تشكيل للمشهد الجهادي السلفي حالياً.
ويرى "مالكا" أنه ليس من المرجح أن يُحَل الانقسام الحاد الذي شهدته التنظيمات الجهادية السلفية بطريقة نهائية، ولكن بدلاً عن ذلك، فإن الضغوط التي تواجه التابعين لتنظيم "القاعدة" وغيرهم من الجماعات الجهادية وضرورة اختيار أحد الجانبين (إما "القاعدة" أو "داعش") تساهم في زيادة حدة الاستقطاب، والذي سيكون هو السمة المميزة لتلك الجماعات حتى الجيل القادم.
وقد خصص الكتاب فصلا كاملا لدراسة الحالة المصرية وعنوانه "مصر.. إشكالية البحث عن الاستقرار"، وفيه يُحلل كل من "ألترمان" وويليام مكانتس William McCants مدير مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي في مؤسسة بروكنجز، تطور التطرف والإرهاب في مصر قبل وبعد إسقاط الرئيس الأسبق حسني مبارك، مؤكدَين أن مصر عانت من الإرهاب على مدار تاريخها، وقد ظنَّ البعض أنه بسقوط نظام مبارك، ستصل هذه الأزمة إلى نهايتها؛ إلا إنها بالفعل قد بدأت، وبصفة خاصة بعد إسقاط نظام الإخوان المسلمين.
وتواجه مصر في الوقت الحالي وجهين مختلفين من التطرف، أو كما يصفها البعض وجهين لنفس العملة؛ يتمثل الوجه الأول في جماعة الإخوان المسلمين التي لها جذور عميقة في أوصال المجتمع المصري، أما الوجه الثاني فيتمثل في التهديد الناجم عن الجماعات المسلحة العنيفة المنتشرة في العديد من النواحي، مثل جماعة "أنصار بيت المقدس" في سيناء، والتي لم تعد تحركاتها ضد الحكومة فحسب، بل أصبح لها أهداف داخل وادي النيل أيضاً.
وفي الوقت الحالي الذي يُسمَح فيه للنشطاء السياسيين المنتمين للجماعات السلفية السلمية مثل حزب النور بالتواجد في المشهد السياسي العام في مصر طالما أنهم لا يهددون الدولة، فإنه في المقابل تظهر تهديدات من جانب بعض الجماعات الجهادية العنيفة التي يتعامل معها النظام بشكل مباشر. ولذا فإنه يقع على عاتق الجماعات السلفية في مصر مسؤولية فرز وتنقيح الجذور الدينية والسياسية للعنف، ومحاولة فهم أي من تلك الجذور يمكن التعامل معها عن طريق وسائل الإقناع السلمية بدلاً من وسائل الإكراه الغاشمة، وهو الأمر الذي يؤكد الكاتبان أنه سيحتاج إلى مزيد من الوقت.
وعن سبل مواجهة الإرهاب يشير الكتاب إلى أن الإرهاب يثقل كاهل أي دولة، ويضر بكافة مناحي الحياة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصةً في ظل تزايد خطر التطرف وتناميه في دول الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي، مما جعله قضية عالمية تهدد الجميع دون استثناء.
في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لمواجهة تحديات وأخطار الإرهاب، ومنها:
1 ـ ضرورة تبني جهود جماعية بالتنسيق بين الدول لوقف ظاهرة تدفق المقاتلين الأجانب لتنظيم "داعش"، وهي ما يجب اعتباره أولوية أولى تسبق جميع الخطوات الأخرى، خاصةً في ظل المعرفة العميقة للقادة الأمريكيين العسكريين عن الإرهاب في المنطقة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001.
2 ـ العمل على استغلال نقاط الضعف الموجودة داخل تنظيم "داعش"، وهو ما سينتج بالضرورة نقاط ضعف يمكن العمل عليها.
3 ـ ضرورة أن تعمل حكومات الدول على استخدام أدواتها المختلفة بإتقان، بل يجب عليها تحديد الأدوات التي لم تعد لها قيمة، وكذلك الأدوات الجديدة التي يمكن استخدامها لتحقيق أهدافها بكفاءة.
خُلاصة القول، يبدو أن ثورات الربيع العربي بقدر ما تمكنت من إسقاط أنظمة سلطوية، بقدر ما أنها أتاحت الفرصة لظهور الجماعات المتطرفة، والتي يوَّحِد رؤيتها قبول فكرة الصراع المميت الذي يمتد للمستقبل، عن طريق خوض معارك بقوات غير نظامية مع جيوش نظامية، بما ينهك قوة الأخيرة ويضعف سيطرتها على إقليمها. لذا فإن التحديات أصبحت أكثر تعقيداً وعمقاً، وما كان يظنه البعض، بعد الثورات، من انتهاء لهذا التطرف، فإنه قد ثبت أنه كان فقط مجرد بداية.

حسام الحداد - عن "بوابة الحركات الإسلامية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية