لماذا وسائل أردوغان عكس أهدافه؟

لماذا وسائل أردوغان عكس أهدافه؟


30/12/2017

لغتنا العربية تعرّف الإنسان الذي تكون وسائله عكس غاياته وأهدافه بالأحمق، وهو إنسان فاسد الرأي، عادة يتكلم بما يخطر على قلبه، ويتوهم أنه أعقل الناس، ومن علاماته سرعة الجواب، والاندفاع في التصريحات بلا تعقل أو رويّة أو تفكير، والأحمق رجل يعرف كيف يحدد أهدافه، وتكون أهدافا مقبولة وصحيحة، ولكنه يستخدم في تحقيقها وسائل فاسدة، وخاطئة.

أردوغان يريد أن يعيد التاريخ للوراء، وأن يحيي أمجاد أجداده الذين خلطوا عملا صالحا بآخر سيئا، وكانت نهايتهم مع الأكثر سوءًا وفسادًا من الأعمال؛ حين أوغلوا في دماء العرب مسيحيين ومسلمين، وحينما عقدوا مذابح للمثقفين في الشام ومصر، وحينما قتلوا عشرات الآلاف من الأرمن في مذابح يندى لها جبين الإنسانية، وكانت البلدان العربية هي الملجأ والموطن للأرمن حيث أبدعوا وتميزوا، وكان منهم أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة نوبار باشا، وحينما أيقظوا القومية العنصرية في العالم الإسلامي بعد أن نشأت في عاصمة كانت تدعي أنها مقر سلطان المسلمين حركة القومية الطورانية التي تعلي العنصر التركي على غيره من العرب والكرد لأسباب عرقية.

أردوغان مصاب بأمراض الجماعة التي تربى في كنفها وتغذى على فكرها، وهى جماعة الإخوان الفاشلة، التي وصفها أحد كبار قادتها الذين كشفوا سرها في أواخر أعمارهم، حين قال إنها جماعة ثلاثية الغين: الغباء والغرور والغدر، ومن قمة غباء هذا الزعيم أنه يريد أن يعيد السلطنة العثمانية في بداية الألفية الثالثة من خلال أساليب غاية في الغباء والغرور والغدر، فمن غبائه أن يسعى لإعادة سلطنة آل عثمان من خلال إحياء أمجاد تاريخها كما يظن، وهذا التاريخ هو الذي دفع العرب للثورة عليها، ومن غروره أنه كلما اختلف مع مسؤول عربي خاطبه بلغة "فتوة الحارة" أو الولد الصايع الذي يقف على ناصية الشارع في الأحياء العتيقة فيخاطب كل من يختلف معه من المسؤولين العرب قائلا: اعرف إنت بتكلم مين؟ أو إنت ابن مين؟ وأجدادك وأجدادي، لغة وضعية عنصرية جاهلة، دون أن ينظر في المرآة فهو ابن إنسان بسيط، وليس حفيد سلاطين أو ملوك، ولكنه الغباء حين يمتزج بالغرور، ويغلفه دائما الغدر، هكذا كان تعامله مع سورية، والأكراد، وسيده ومعلمه فتح الله كولن.

يحاول أن يجد في تاريخ أجداده ما يستمد منه شرعية دوره الذي يتوهم، وشرعية سلطنته التي يريد إعادة تأسيسها؛ معتمدا على قطعان الإخوان في كل مكان ليحشدوا وراءه آلاف لا يسألونه إلى أين المسير؟ لو كان الدرس هو ومنافقوه شيئًا من التاريخ لأدرك أن نهاية حكمهم لأرض العرب جاء على يد الشعوب، فقد طردهم المصريون من أرضهم منذ بداية القرن التاسع عشر، بل إن الجيش المصري أوشك أن يستولى على تركيا كلها ويصل إلى إسطنبول لولا تدخل بريطانيا وفرنسا وإجبار محمد علي باشا على توقيع معاهدة لندن 1840 لحماية العثمانيين.

يقول من يريدون أن يرثوا السلطنة العثمانية من تنظيم الإخوان الفاشل، ومن سار على نهجهم، إن الدولة العثمانية حمت العرب من أوروبا، وهذه أكذوبة كبرى، فقد جاءت هذه الدول إلى بلادنا مستعمرةً، واستولت بالغدر والخيانة على دولة المماليك، وكان أول ما تم الاستيلاء عليه خزينة مصر، وذهب مصر، وبعد أن شنقوا حكام مصر، وعلقوهم على أبواب القاهرة؛ قاموا بتخريب مصر، وبسرقة كل نفيس فيها حتى أصحاب الصنائع، والعمال المهرة، والفنانين، كل ثروات العالم العربي حدث فيها مثلما حدث مع مصر، تم تخريب بلاد العرب من أجل تعمير مدن تركيا، حتى أصحاب الصناع تم تهجيرهم، وهذا ما حدث مع سورية بعد الثورة الفاشلة على بشار الأسد، حيث تم الاستيلاء على كل شيء في سوريا من البشر إلى البترول ثم التسول الأوروبي باسم اللاجئين السوريين الذين تحولوا إلى وسائل للأتراك يستخدمونهم حتي في إعداد الأبحاث والكتب والرسائل الجامعية.

دولة آل عثمان لم تهتم بالمسلمين في الأندلس حين تم طردهم وحرقهم في محاكم التفتيش التي استخدمها الإسبان لتطهير الأندلس من المسلمين، فقد استنجد بسلاطين آل عثمان ملوك الأندلس، واستنجد بهم الشعب بعد سقوط غرناطة، ولم يلتفت لهم سلاطين آل عثمان لأنهم في ذلك الوقت كانوا مشغولين بالاستيلاء على بلاد العرب؛ مشغولين بتوسيع ملكهم وسلطنتهم لتعظيم مجدهم، ولم يشغلهم في ذلك الوقت إسلام ولا مسلمين. تاريخ آل عثمان هو تاريخ النهب والسلب والسرقة والضرائب المرهقة التي فرضوها بنظام الالتزام الذي أطلق أيادي الفاسدين على الفلاحين، ليقدروا عليهم ضرائب بدون سقف، وبدون توقيت، سرقوا المخطوطات، والكنوز السمينة والتحف، سرقوا البشر، وبعد ذلك يأتي أردوغان ليذكرنا بأجداده ظنًا منه أنهم أصحاب فضل على العرب وليته يدلنا على عدد الجامعات والمدارس التي أنشأها آل عثمان في بلاد العرب، أو المدن الجديدة التي شيدوها، على العكس كانوا يطبقون نظام السخرة؛ أي العمل بدون أجر، على ملايين العرب الذين خدموا في الجيش العثماني، وفي بناء ما تم به تعمير تركيا المعاصرة، ودخل العالم العربي في عهدهم في أسوأ عصور الانحطاط والتخلف التي لم يعرفها في تاريخه.

ويأتي أردوغان ليخدعنا بدور فخري باشا الذي حمى المدينة من الإنجليز، وينساق خلفه القطيع من أنصاف الجهلاء، مرددا ما يقول، والسؤال هل دخل الإنجليز يومًا الحجاز؟ وهل كان هناك جيش إنجليزي في الحجاز؟ والحقيقة هو يستخدم تحالف الشريف حسين الذي كان يحكم الحجاز مع الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، وقيامه بالثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين نظير استقلاله بالعالم العربي، ليوهم العوام أن جيش الشريف حسين هو جيش الإنجليز، وهذا كذب محض، فلو قلنا أن جيش الشريف حسين، أو جيش الثورة العربية الكبرى الفاشلة هو جيش الإنجليز؛ لكان من الواجب أن نقول أن جيش فخري باشا أو جيش العثمانيين هو جيش الألمان أو النمساويين أو البلغار، لأن الجيش العثماني كان حليفا لهم، وكان يقاتل معهم في تلك الحرب. فخري باشا قتل وهجر وسرق وانتهك حرمات المدينة من أجل تركيا، أو من أجل السلطان وليس من اجل الإسلام، وليس للدفاع عن المدينة، هو مجرم تاريخي في حق العرب ووطني بطل في نظر الأتراك، ويستحيل أن نراه بعيون الأتراك الذي كان العرب يقاتلونهم للتحرر منهم، أيا كان تقديرنا لهذه الحرب. ولكن أساطين الخيانة والغدر من مرضى التاريخ في جنوب الوادي نسوا تاريخهم وتبنوا تاريخ أردوغان، نسوا ما فعل العثمانيون بوادي وانساقوا في قناعة عمياء يحركها الحقد الحزبي على الدولة المصرية التي أسقطت مشروع تنظيم الإخوان الفاشل، فمكنوا أردوغان من جزيرة في خاصرة مصر، وبطن السعودية ليساعدوه في توهم حلم إعادة العثمانية في ثوب جديد، وهنا تكون مصر والحجاز في قلب هذا المشروع، ويكون من خانوا بلادهم تنازلوا عن نصفها طواعية، وهاهم يسلمون سواحلية بطاعة عمياء عير عنها أردوغان نفسه؛ حين قال طلبنا جزيرة سواكن فقال البشير…نعم. الأحمق أراد إحياء التاريخ العثماني من أجل إقناع العرب بالخضوع لتركيا العثمانية، ولم يكن يدري أن إحياء التاريخ العثماني سوف يدفع العرب لكراهية تركيا العلمانية.

عن موقع "التحرير"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية