هكذا تضامن السوريون مع الثورة اللبنانية: قادمون لاستنشاق الحرية

لبنان

هكذا تضامن السوريون مع الثورة اللبنانية: قادمون لاستنشاق الحرية


10/11/2019

في خطاب رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشيل عون، وذلك مساء يوم الخميس 31 تشرين (أكتوبر) الماضي، لم يفوّت الفرصة لإبراز قضية اللاجئين السوريين في لبنان، كواحدة من المشكلات التي يواجهها لبنان اليوم؛ إذ قال في افتتاحية خطابه: "التزمت العمل على تأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم".

الصحفية السورية زينة قنواتي: دفنت صورة سوريا في قلبي عميقاً، أنا القادمة من سجن الحريات أردت أن أكون هنا حرّة

يأتي هذا الخطاب، وهو الثاني لميشيل عون، بعد انتفاضة الشعب اللبناني، في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ضدّ الأزمة الاقتصادية التي تمرّ فيها البلاد، وضدّ الفساد الذي يغرق فيه مسؤولون وسياسيون في السلطة؛ إذ حقّقت الانتفاضة أول أهدافها بإسقاط الحكومة؛ حيث قدّم رئيس وزراء الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، استقالته، في 29 تشرين الأول (أكتوبر).
ورغم أنّ المتظاهرين في لبنان حاولوا التأكيد، لأكثر من مرة، من خلال هتافاتهم والشعارات التي طرحوها، أنّ مشكلتهم ليست مع اللاجئين، إنّما مع الدولة وآليات عملها، وعنصرية بعض مسؤوليها، مثل وزير خارجيتها جبران باسيل، الذي لم يفوت الفرصة بدوره أيضاً، إلا وعلّق كلّ الأزمات التي يمرّ بها لبنان على شمّاعة "اللاجئين السوريين"، إلا أنّ ميشيل عون كرّر مرة أخرى، في الخطاب نفسه، الحديث عن اللاجئين السوريين في لبنان؛ حيث قال أيضاً: "ويبقى موضوع النازحين السوريين، فمنذ تسلّمي سدّة الرئاسة، حملت معي هذه الأزمة إلى المنابر الدولية والعربية (...)، ودعوت إلى إيجاد الحلّ لها، بمعزل عن الحلول السياسية، لكنّ الإجابات كانت تقريباً واحدة: كلام منمّق عن الدور الإنساني الذي يقوم به لبنان، وكلام سياسي عن ربط العودة بالتوصل إلى حلّ سياسي، مع ضغوط متواصلة لإبقاء النازحين حيث هم، لاستعمالهم فيما بعد ورقة ضغط عند فرض التسويات السياسية، وهذا ما رفضه لبنان بشكل قاطع، وهو اليوم يدفع ثمن هذا الرفض".
 الشارع اللبناني وقف ضدّ محاولات السلطة زجّ مشكلة اللاجئين واعتبارها جزءاً من الأزمة

ضدّ محاولات السلطة وخطابها
وكان الشارع اللبناني قد وقف، منذ البداية، ضدّ محاولات السلطة وخطابها الرسمي والإعلامي زجّ مشكلة اللاجئين، واعتبارها جزءاً من الأزمة، لا بل إنّ المتظاهرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ إذ عبّروا عن تضامنهم بأكثر من شكل، فنجد مثلاً فتاة في قلب مظاهرة تحمل كرتونة كُتب عليها "عار علينا سنين العنصرية تجاه اللاجئين السوريين".

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يواصلون اعتصامهم..
أما الفيديو الذي انتشر لفتاة لبنانية تقود الهتافات وسط المتظاهرين المعتصمين بإحدى ساحات بيروت تضامناً مع اللاجئين، فجاء ليسخر من خطاب السلطة، بطريقة مميزة، ويحمل "خفّة دم" اللبنانيين؛ إذ تقول الفتاة: "عم يقولوا أنو نسبة السرقات زادت من ورا اللاجئين... مظبوط هالشي؟" ليردّ المتظاهرون من خلفها "لا"، لتعود وتسألهم: "مين السبب؟"، فيأتيها الجواب من جميع المتظاهرين، وبصوت عالي: "كلن يعني كلن"، تسأل الفتاة المتظاهرين مرة أخرى: "عم يقولوا إنو ثورتنا تحريض من اللاجئين. مظبوط هالشي؟" يردّ المتظاهرون خلفها "لااااا"، تعود الفتاة وتسأل مجدداً: "مين سبب ثورتنا؟" ويجيبون خلفها: "كلن يعني كلن"، لتبدأ الفتاة الهتاف: "أهلا وسهلا باللاجئين .. جيتوا لعنّا هربانيين.. تانحميكن مش قاردين... وأهلا وسهلا باللاجئين"، ويردّد المتظاهرون خلفها: "أهلا وسهلا باللاجئين".

اقرأ أيضاً: ثورة العراقيين واللبنانيين على الأحزاب
هناك تعليق مشهور للمؤرخ والمترجم السوري، فاروق مردم بيك، كان قد كتبه على صفحته في الفيسبوك أكثر من مرة، ردّاً على الممارسات والانتهاكات بحقّ اللاجئيين السوريين في لبنان، يقول فيها: "ما فهمناه في محنتنا، نحن السورييّن، أنّ أصدقاءنا اللبنانييّن أنبل الأصدقاء، وأنّ أعداءنا اللبنانييّن أنذل الأعداء"، هذا التعليق يختصر إلى حدّ ما علاقة السوريين في لبنان، من تدخّل حزب الله في الحرب في سوريا، وارتكاب ميليشيات حزبه جرائم حرب فيها، مروراً بالعنصرية التي مارسها بعض اللبنانيين ضدّ اللاجئين السوريين، وصولاً إلى ترحيل سوريين معارضين للنظام السوري، من لبنان إلى سوريا، وتسليمهم للاستخبارات السورية.
 كثير من السوريين تفاعلوا مع الانتفاضة الشعبية في لبنان

سوريون تفاعلوا مع الانتفاضة الشعبية في لبنان
إلا أنّ كثيرين من السوريين تفاعلوا مع الانتفاضة الشعبية في لبنان، وكانت سعادتهم كبيرة، وهم يرون اللبنانيين يردّون الاعتبار للسوريين من جهة، وبالأشكال المختلفة التي عبّر فيها الشارع اللبناني عن مطالبه وحقوقه، ونبذه للطائفية والعنصرية. 

ثورة لبنان كشفت قبح أعمال زعماء الطوائف، التي لم تكن خافية على أي حال، ثورة اليوم تَعد بلبنان مختلف

الكاتبة والصحفية السورية، زينة قنواتي، روت لـ "حفريات"، تفاصيل زيارتها إلى لبنان، التي تزامنت مع الانتفاضة اللبنانية: "زرت بيروت زيارة خاطفة للقاء عائلتي بضعة أيام، ولم أتوقع يوم وصولي في الصباح الباكر أن يتغير كلّ شيء في المساء؛ ليلاً اتصل بي صديقي اللبناني ليخبرني عمّا يجري في الشارع، لم أستطع أن أفوّت الفرصة، ودقّ قلبي، وانتظرت ما سيحصل لاحقاً. وفي اليوم الثاني ازداد عدد المتظاهرين، ولم يبدُ الأمر احتجاجاً عرضياً، ودقّ ناقوس الثورة في قلبي وشعرت بنشوة الشعب المُعدية التي انتابتني كما انتابت ساكني لبنان من السوريين، وللمرة الأولى بدا الخطاب اللبناني غير عنصري؛ حتى إنّه بدا أنّهم للمرة الأولى قد نسوا أمرنا، نحن السوريين، غير المرغوب بهم وبوجودهم، والذين علّق علينا السياسيون اللبنانيون كلّ فشلهم، حتى بدا أننا الأصل لكلّ مشكلة تحدث في أصغر تفاصيل لبنان، للمرة الأولى لم نكن محوراً أو فتيلاً لحدث لبناني بهذا الحجم، وبدا نداء الشعب حرّاً من كلّ قيد، مُسقِطاً كلّ أشكال العنصرية".

اقرأ أيضاً: الطائفية... الوجه الحقيقي لأزمة لبنان
وتتابع زينة كلامها: "في اليوم الثالث، وهو يوم سفري من لبنان، أسررت لصديقي الذي تعهّد بإيصالي إلى المطار عبر الشوارع المقطوعة والدواليب المحترقة: (بدي أنزل عرياض الصلح)، وفي وقت قصير أصبحنا هناك بين الجموع الهاتفة".
تقول زينة: "كثير من السعادة ومن النشوة الشعبية غطت الساحات، أعداد هائلة، ومخيفة بالنسبة لي، أنا القادمة من حظر التجول، ومنع التجمع، ومن ثقافة الموت في وجه المدنيين، والقتل في وجه المطالب، أنا التي قاومت على عدة مستويات من حياتي كي أعبّر عمّا أريد وكي أكون ما أريد، أدهشتني طلاقة المتظاهرين، وانفلاتهم الحرّ في وجه القوالب، بنات بيروت ونساؤها في المقدمة، أصواتهن ليست مقموعة أو خائفة، مزيج من الدهشة والغبطة دفعني لإبعاد صورة بلدي الأليمة عن مخيلتي، لم أرد أن أقارن، لم أرد أن أقول شيئاً عن التشابه والاختلاف، عن الحرية والقمع، عن العمل وعن العجز، دفنت صورة سوريا واسمها في قلبي عميقاً، أنا القادمة من سجن الحريات، أردت أن أكون هنا اليوم حرّة في مكان لا يشبهني، لكنّه يلمسني بصرخته، بحريته ونشوته الصارخة".
كثير من السعادة ومن النشوة الشعبية غطت الساحات

هكذا أتعرف على لبنان الآن
أما الكاتب والمخرج السينمائي السوري، دلير يوسف، فقال لـ "حفريات": "أتابع ما يحدث في لبنان بشغف طفل تعلم المشي للتو، فيكتشف العالم راجلاً، ولا يقبل أن يمسك بيده أحد أو يوجهه أحد الكبار، هكذا أتعرف على لبنان الآن، لبنان الذي يعيش ثورة ضدّ العهد "القوي" وضدّ الفساد وضدّ حكم الطوائف وضدّ الميليشيات المسلّحة وضد سارقي المال العام، لبنان هذا لا يشبه لبنان الذي عشت فيه بين عامَي ٢٠١٢ و٢٠١٣، لبنان هذا جديدٌ عليّ، لبنان حرّ متجاوز للطوائف".

اقرأ أيضاً: حازم صاغية: خداع حزب الله فجّر الغضب الشيعي في لبنان
ويتابع دلير كلامه: "كنت أعيش في منطقة الأشرفيّة "المسيحيّة"، وأعمل في منطقة طريق الجديدة "السنيّة"، ومخيمات الفلسطينيين. تقريباً لم يكن بالإمكان أخذ سيارة أجرة من هنا إلى هناك، كنت دائماً أستقلّ سيارة الأجرة إلى منطقة المتحف، أي إلى الحدود التي تفصل بيروت الغربيّة "المسلمة" عن بيروت الشرقيّة "المسيحيّة"، ومن هناك أكمل طريقي بسيارة أخرى، وكنت دائماً أقول، وأسمع؛ إنّ الحرب الأهليّة في لبنان لم تنته بعد، يقول لبنانيو الساحات اليوم؛ إنّ حربهم الأهليّة انتهت بفعل ثورة هذه الأيام، وأنا أصدقهم".

اقرأ أيضاً: هل تحدث الثورة اللبنانية تغييراً في المجتمعات العربية؟
وأضاف دلير: "لم أرَ أثناء عيشي في لبنان كلّ هذا التضامن والتكاتف بين مختلف شرائح اللبنانيين، هل رأيتم السلسلة البشريّة التي وصلت شمال البلاد بجنوبه عابرة كلّ المناطق اللبنانيّة؟ إنّ ما يحدث في لبنان، مثل ما يحدث في العراق، معجزة، معجزة تتجاوز الطوائف والحروب الأهليّة التي مزقت البلاد".
وختم كلامه بالقول: "ثورة لبنان اليوم، قد تكون الصفعة الأقوى التي يتلقاها حكّام لبنان الفاسدون، الذين استغلوا طوائفهم لفترة طويلة فسرقوا البلاد وجوّعوا العباد واستباحوا ما شاؤوا، ثورة لبنان كشفت قبح أعمال زعماء الطوائف، التي لم تكن خافية على أي حال، ثورة اليوم تعد بلبنان مختلف، لبنان نحبه أكثر، لبنان حرّ ديمقراطي مدني علماني".

الصفحة الرئيسية