ماذا يعني حضور الفلسفة في الفضاء المعرفي السعودي؟

ماذا يعني حضور الفلسفة في الفضاء المعرفي السعودي؟


12/11/2019

لم تكن الفلسفة مُغيّبة تماماً عن التعليم في السعودية لكونها تُدرّس في غير قسم الفلسفة؛ كأقسام اللغة العربية ضمن النقد الحديث؛ وأقسام علم الاجتماع وعلم النفس؛ وفي قسم العقيدة، إلا أنّها تحضر هنا في شكلها النقدي المرفوض.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني تدريس الفلسفة بالسعودية؟
وهذا لا يُغني تماماً عن اعتمادها كمقررات يتم تدريسها في أقسام فلسفية معيّنة؛ أو كمواد دراسية في التعليم العام؛ وهذا ما رأيناه مؤخراً بشكل مبهج حينما تم إقرار الفلسفة -كتفكير فلسفي وليس كمنهج فلسفي يناقش آراء الفلاسفة- في المرحلة الثانوية من التعليم العام. ويبقى غيابها التام كأقسام في الفلسفة عن التعليم الأكاديمي إلا أنّ المرحلة الفكرية المحفزة التي تمر بها المملكة يجعلنا نتطلع إلى إقرار الفلسفة كتخصصات أكاديمية في تعليمنا الجامعي.

الهدف الأساس الذي نتطلع إليه للفلسفة في السعودية هو حضورها كأقسام أكاديمية في الجامعات لإثراء الفلسفة العربية

وفي هذه الفترة المخاض التي نعيش تجربتها المبهرة من التغيير الفكري في المملكة تحضر الفلسفة في المجال العام بشكل ملفت للنظر ومبهج؛ إذ نجد العديد من المناشط الفلسفية التابعة لوزارة الثقافة ضمن أعمال الأندية الأدبية؛ فنجد (حلقة الرياض الفلسفية-حرف) في نادي الرياض الأدبي؛ و (إيوان الفلسفة) في نادي جدة الأدبي كمنصات فلسفية تهتم بالفلسفة بشكل مباشر؛ وتتميز (حرف) بأسبقيتها في المجال العام إذ بدأت مع الأساتذة المؤسسين لها منذ العام 2008؛ وبعمقها في الطرح الفلسفي الذي يقدمه عدد من المهتمين فلسفياً بنقاش يثري التفكير الفلسفي في السعودية.

اقرأ أيضاً: تدريس الفلسفة في السعودية
و(إيوان الفلسفة) الذي نشأ مؤخراً في العام 2018، يكمل مسيرة الاهتمام الفلسفي في المملكة؛ إذ يقدم العديد من الأنشطة والمحاضرات في المجال الفلسفي بشكل معمق وتخصصي.
وتحضر العديد من الأنشطة والمنصات الأخرى كرافد أساس للبحث الفلسفي في المجال العام في المملكة كما نجده مع (ثقّف) وبرامج (إثراء) وغيرها العديد من المنصات التي تتناول الفلسفة بشكل غير مباشر كالطرح الفكري عموماً أو علاقة الأدب بالفلسفة؛ عبر محاضرات وورش فلسفية وقراءات لكتب فلسفية ومناقشتها.

اقرأ أيضاً: هل كان العرب عالة على الفلسفة اليونانية؟
كما أننا نجد العديد من المجلات الفلسفية المهتمة بترجمة المحتوى الفلسفي؛ كمجلة (حكمة) ومنصة (معنى) اللتين تهتمان بترجمة الأعمال الفلسفية كترجمة (حكمة) لمعجم ستانفورد في ملفات مجزأة؛ وأخْذ منصة (معنى) لحقوق ترجمة مجلة (الفلسفة الآن). ويقوم على هذين العملين المهمين في الفلسفة على مستوى العالم العربي مجموعة من السعوديين الذين يعملون بشغف وجهد في هذا المجال. وما نجده في بعض دور النشر السعودية من اهتمام بالأعمال الفلسفية ينبئنا عن عمق في اختيار المحتوى الفلسفي، كما نجده في دار (جداول) مثلاً التي اهتمت بالعديد من الكتب الفلسفية ترجمةً ونشراً. ولعل ما قامت به وزارة الثقافة من استحداث إدارة للترجمة والنشر يولي اهتماماً للفلسفة كمحور أساس في اختيار ما يمكن ترجمته ونشره من الأعمال الفلسفية.

اقرأ أيضاً: السؤال الأخلاقي في فلسفة طه عبد الرحمن: من النظر إلى العمل
ويمكن لنا أن نلحظ تفكيراً فلسفياً يحضرُ بشكل لافت في الطرح الفكري في السعودية من خلال منصات مواقع التواصل الاجتماعي التي تدل على قراءات فلسفية مبهرة للعديد من المهتمين والمهتمات بالفلسفة كشغف شخصي وليس كاشتغال أكاديمي بحثي؛ ويظهر هذا في مبيعات الكتب التي تميزت باقتناء كتب الفلسفة، كما أخبرني بذلك بعض مالكي دور النشر؛ وأيضاً ما نراه من نشر لصور الكتب المقتناة التي تتنوع عناوينها بين العديد من التخصصات الفلسفية كفلسفة اللغة وفلسفة الأخلاق وفلسفة الدين وغيرها. ولعل هذا المجال يعتبر الأكثر أهمية؛ لأنه ينبئ عن هم فلسفي لدى القراء والقارئات؛ ولأنه يومئ إلى طبيعة التفكير الفلسفي لدى المهتم بالفكر والقراءة في السعودية. ودلنا هذا الاهتمام المجتمعي على قبول الفلسفة بشكل فردي وليس بشكل مؤسساتي؛ بمعنى أن الفلسفة هنا ليست مفروضة عبر الحكومة بقدر ما هي اهتمام شخصي من قِبَل القراء.

تحضر العديد من الأنشطة والمنصات كرافد للبحث الفلسفي في المجال العام في المملكة كما نجده مع (ثقّف) وبرامج (إثراء)

ما نلحظه في مرحلتنا الحالية ينبئ عن مستقبل مبهر للحضور الفلسفي في السعودية؛ ويتجلى ذلك في تمكين وزارة الثقافة للطرح الفلسفي بأوسع أفقه بل ودعمه؛ وكذلك فسحها المجال لأنواع الأطروحات في المجال العام في ناحيته الفلسفية ضمن أنشطة لا حكومية كأنشطة المقاهي المصرّحة أو الجمعيات المصرحة لإقامة أنشطة فكرية وفلسفية ليست تابعة للحكومة بشكل مباشر، ويهتم بعضها بإقامة العديد من الورش التدريبية للتفكير الفلسفي يستهدف شتى طبقات المجتمع.

اقرأ أيضاً: اللغة كترياق: هل يمكن تأسيس فلسفة دين استناداً إلى اللغة؟
وفي خِضمّ هذا التغير الفريد في واقعنا السعودي تجاه كل ما هو تطوري وعلمي؛ كما رأينا من إنشاء (هيئة الفضاء السعودية) و (الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي)؛ فإنّ الهدف الأساس الذي نتطلع إليه للفلسفة في السعودية هو حضورها كأقسام أكاديمية في الجامعات السعودية؛ لأن هذا يعطي الفلسفة البُعْد الأهم، وهو بعدها البحثي الإنتاجي الإثرائي للفلسفة العربية؛ وبهذا تُحقق حضوراً عربياً مهماً في التفكير الفلسفي لما يهم قضايا العصر الراهن العربي، أنْ تكون الجامعة في السعودية عضواً مشاركاً في التجديد الفلسفي العربي؛ أنْ تُنتج أقسام الفلسفة العديد من الفلاسفة السعوديين المنتجين والمؤثرين في الفلسفة العربية؛ ليكون لهم الباع المهم في الطرح الفلسفي المواكب لواقعنا العربي المعيش؛ هذا ما نطمح إليه في مرحلتنا القريبة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية