احتجاجات إيران ومعضلة خامنئي

احتجاجات إيران ومعضلة خامنئي


21/11/2019

جويس كرم

ستة أيام على التوالي والتظاهرات تعم إيران في أكثر من مئة مدينة من تبريز شمالا إلى شيراز جنوبا مرورا بالعاصمة طهران التي تحولت جامعاتها وأسواقها إلى ساحة إضرابات وتجمعات ترفض بالمطلق سياسات المرشد الأعلى على خامنئي.

حراك إيران هو الأوسع نطاقا جغرافيا منذ عام 2009 وهو أكثر حدة وغضبا من التظاهرات التي خرجت في نهاية عام 2017. ورغم الرد المتوقع من النظام الإيراني باستخدام العنف والحجب الكامل لشبكة الإنترنت، فالتظاهرات لم تتوقف وشكلها وإطارها يقلق النظام الذي لا يملك أداة سوى القمع والتشدد في محاولة إخمادها.

رصدت منظمة العفو الدولية في تقريرها الاثنين وقوع 106 قتيل في إيران، 16 منهم في مدينة كرمانشاه وستة في شيراز. تحدثت نيويورك تايمز عن وقوع أكثر من ألف جريح واعتقال أكثر من ألفي متظاهر.

تؤكد هذه الأرقام أن النظام سيمضي باستراتيجيته المعهودة منذ عام 1979 ضد الاحتجاجات، أي بفرض سطوة القمع والخوف وقطع الاتصالات الإلكترونية إلى حين إسكات المتظاهرين.

مشكلة خامنئي اليوم أن غضب المتظاهرين هو بنفس قوة غضب وضراوة النظام. وأمام تزايد القمع، تشهد إيران موجة حراك أكثر حدة بشعاراته ورفضه لأعمدة النظام. فالتظاهرات التي بدأت بسبب رفع سعر الوقود بنسب تصل إلى 300 في المئة ولم يتراجع عنه خامنئي رغم قوله "أنا لست خبيرا" بهذه الأمور، تطال أمورا أكبر وتضرب عمق النظام. فالثورة الإسلامية التي انتفضت للفقراء في إيران في 1979 ضد فساد الشاه والغرب تواجه اليوم ثورة فقراء ضد من انتفض منذ أربعة عقود.

فالغطاء الذي يحمي النظام تحت عنوان أنه يمثل ويلبي حاجات الطبقة العاملة وليس النخبة الدينية والعسكرية يتمزق اليوم أمام الثروات الطائلة والنفوذ الأمني والسياسي الذي جمعه هؤلاء.

الشعارات المرفوعة في إيران تتخطى سعر الوقود والطحين والبيض وتمس تسلط النظام وأدائه الداخلي وسياساته الإقليمية من صنعاء إلى البصرة وبغداد ودمشق وبيروت وغزة. فالمواطن الإيراني بات يسأل اليوم لماذا تذهب ضريبته لدفع مستحقات ميليشيات تقاتل في حلب وبغداد وصعدة، وهو غير قادر على ضمان لقمة العيش. لماذا إيران، وهي إحدى أغنى الدول النفطية، مجبرة اليوم على رفع سعر الوقود بهذا الشكل؟

أسئلة المتظاهر الإيراني لا يبررها إلقاء النظام اللوم على العقوبات الأميركية. فالتمدد الميليشياوي الإيراني تم ويستمر تحت سقف العقوبات، وثروات من هم في النخبة لم تتأثر بهذه الإجراءات وأموالها، كما يقول الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، ليست في مصارف غربية.

معضلة النظام هي في عجزه، حتى الساعة، عن قمع كامل التظاهرات حول إيران وعجزه في نفس الوقت عن تلبية مطالبها. فخفض الأسعار قد يؤدي لإفلاس النظام، وتراجعه في ساحات العراق وسوريا وتغيير نهجه الداخلي سيعني نهايته كنظام ثائر "ضد الشيطان الأكبر". مشكلته اليوم تشبه أزمة الإمبراطوريات والدول التي توسعت في الشرق الأوسط بينها الإمبراطورية العثمانية، وبعدها البريطانية والفرنسية، وتفككت من الداخل أو اضطرت للانسحاب.

طبعا، إن النظام الإيراني مبني على آلة قمعية وأمنية جبارة قادرة على إسكات المتظاهرين، إنما ليس لمدى طويل، خصوصا مع تعذر تنفيذ حلول جذرية للواقع الاقتصادي والمتغيرات الاجتماعية في إيران.

فالعام 2020 متوقع أن يكون عام ركود اقتصادي بحسب الخبراء، وبالتالي فإن الأزمات الاقتصادية من إيران إلى لبنان متوقع أن تستمر وتتزايد. أما انتظار الانتخابات الأميركية واحتمال خسارة الرئيس دونالد ترامب فلم يعد كافيا لطمأنة القيادة في طهران وذلك لسببين: أولا، بدأ الاتفاق النووي يفقد صلاحيته مع أو من دون ترامب وإيران زادت معدلات التخصيب وقد تمضي باتجاه السلاح النووي. والسبب الثاني هو أن تأييد المتظاهرين في إيران يشمل أقصى اليسار الأميركي فالسناتور ـ والمرشح الرئاسي ـ بيرني ساندرز كان أول من غرد الثلاثاء دعما لمن هم في الشارع في إيران.

احتجاجات إيران، حتى لو خنقها النظام موقتا، هي بداية فصل جديد في موجة الحراك الشعبي الذي تشهده المنطقة. وخامنئي، رغم براعته الأمنية وقوته الإقليمية، لا يملك اليوم أوراقا اقتصادية واجتماعية قادرة على الاستجابة لمتظاهري أصفهان وسيرجان وباقي المدن، أو بالحد الأدنى إعادة الأمور لما كانت عليه قبل خريف 2019 في العراق ولبنان وطهران.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية