المصالحة السعودية الإيرانية.. هل هو سيناريو واقعي؟

المصالحة السعودية الإيرانية.. هل هو سيناريو واقعي؟


04/12/2019

بعد إعلان رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، خلال زيارته قبل أكثر من شهر إلى طهران، عن مسعى ليس لخفض التوتر بين السعودية وإيران فحسب، بل للوصول إلى مصالحة بين الجانبين تنهي التوتر الذي تشهده المنطقة والإقليم، جاء إعلان وزير خارجية سلطنة عُمان عن مبادرة مماثلة، تؤكد أنّ هناك ما يجري خلف "الكواليس" مهّد الأرضية للإعلان عن المبادرتين؛ الباكستانية والعُمانية، خاصة وأنّه تم الإعلان عنهما من طهران، وليس من عواصم إقليمية أو عربية في المنطقة، وهو ما يرجح معه أنّ القيادة الإيرانية في حالة إدراك لحجم المخاطر المحدقة بها، داخلياً وخارجياً، رغم مزاعمها المتكررة بأنّها هي التي تتلقى الرسائل من أمريكا والسعودية للمصالحة، في خطاب موجّه للداخل الإيراني، ثبت أنّه خطاب عقيم.


وبمعزل اليوم عن الجهة التي تبادر في طرح المصالحة، فإنّ من غير الواقعي الحديث عن هذه المصالحة دون الإشارة إلى تزامنها مع مصالحة أخرى بين قطر وكل من السعودية والإمارات، تتجاوز الأسباب الرياضية التي تم الحديث عنها على خلفية مشاركة الدولة في قمة كأس الخليج الكروية بالسعودية، كما لا يمكن تجاوز حقيقة أنّ السعودية تؤكد أنّها لا تتطلع لخوض حروب مع إيران، وأنّها لا تنظر لإيران إلا بوصفها دولة إقليمية، ولكن لا يمكن القبول بتدخلاتها الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بما في ذلك صياغتها للصراع في المنطقة على أسس مذهبية، أسهمت بإنتاج  التطرف والإرهاب.

تدرك القيادة الإيرانية أنّها بوضع لا تحسد عليه في ظل الضغوط التي تتعرض لها جراء العقوبات الأمريكية

فكرة الشروع بحوار سعودي- إيراني، ورغم ما يظهر على السطح أنّها مقاربة معقدة مرتبطة بعمق جذور الصراع في المنطقة، وتحديداً اتجاهات السياسة الايرانية، إلا أنّها ستبقى مرتبطة بعدة سياقات، لعل في مقدمتها الموقف الأمريكي من أية تفاهمات سعودية – إيرانية؛ حيث يرتبط هذا الموقف بمحددات لها علاقة مباشرة بإمكانية الشروع بتلك المصالحة أو إعاقتها، أولها؛ الخلاف الإيراني الأمريكي، والذي لم  يصل منذ عام 1979 إلى مرحلة الصدام بين الجانبين، وعلى العكس من ذلك ما زالت مقاربة احتواء إيران قاسماً مشتركاً بين الإدارات الأمريكية "الديمقراطية والجمهورية" بما فيها الإدارة الحالية التي توصف بأنّها الأكثر يمينية، وتكاد تصل إلى تفاهمات عميقة مع القيادة الإيرانية، وثانيها؛ مستقبل اتجاهات السياسات الإيرانية الخاصة بالموقف من إسرائيل، بوصفها محدداً رئيسياً في السياسة الأمريكية تجاه إيران، خاصة بعد وصول الحرس الثوري الإيراني إلى الحدود الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: عُمان والكويت والإمارات تتحدث عن "فرصة" دبلوماسية مع إيران.. ما سياقها؟
تطورات العلاقة بين أمريكا وإيران، خاصة مع الإدارة الحالية، وعنوانها عدم الحسم والذهاب باتجاه بناء تفاهمات إستراتيجية معها، وإضعافها عبر العقوبات الاقتصادية، وسقوط خيار إسقاط النظام الإيراني، جميعها عوامل، ربما تشكل دافعاً للسعودية للشروع ببناء تفاهمات مع إيران، يرجح أن تكون بتنسيق مع أمريكا، أو عبر قنوات سرية، وربما يكون ذلك مبرراً، في ظل ما تقوم به السعودية من تنويع علاقاتها بما فيها العسكرية والتسليحية، وإنجاز عقود تسليح بمليارات الدولارات مع روسيا والصين.

اقرأ أيضاً: النظام الإيراني يواجه أخطر أزمة في تاريخه
ورغم تباين مستوى الحملات الإعلامية المتبادلة بين إيران والسعودية، ارتفاعاً وانخفاضاً، ووفقاً لخدمة تطورات الصراع بين الجانبين، إلا أنّ الملاحظ انخفاض مستوى الهجوم المتبادل بين الجانبين، والإشارات المتواترة حول إمكانية الوصول إلى حل سياسي في اليمن، بالتزامن مع تهدئة واتفاقات بين دولة الإمارات، حليفة السعودية الأقرب، تم إنجازها مع القيادة الإيرانية، بما فيها اتفاقات تعاون وحسن جوار، يرجّح أنّها لم تكن بعيدة عن اطلاع السعودية على تفاصيلها.

رغم تباين مستوى الحملات الإعلامية المتبادلة بين إيران والسعودية، ارتفاعاً وانخفاضاً، إلا أنّ الملاحظ انخفاض مستوى الهجوم المتبادل بين الجانبين

من جانبها، تدرك القيادة الإيرانية، أنّها بوضع لا تحسد عليه في ظل الضغوط التي تتعرض لها جراء العقوبات الأمريكية، بعد انسحابها من الاتفاق النووي، والتي أنتجت انتفاضة شعبية في إيران، لا يُستبعد أن تتجدد مع الإعلان عن موازنة الدولة في آذار (مارس) المقبل، بالإضافة للثورات التي يشهدها العراق ولبنان، ضد الوجود والتدخل الإيراني، وانخفاض مستوى التأثير الإيراني في الملف السوري، بتعاون أمريكي – روسي، عنوانه الضربات المتكررة للوجود العسكري الإيراني في سوريا والذي تنفذه إسرائيل، وإجراءات "حلحلة" الملف السوري، بما فيها اللجنة الدستورية، وبمخرجات مؤكد أنّها لن تكون في صالح المشروع الإيراني برمّته، ومن هنا يرجّح أنّ تلك الأسباب كانت مرجعية المبادرة الإيرانية لإنجاز اتفاق لللأمن الإقليمي مع دول الخليج العربي.

اقرأ أيضاً: حزب الله يستجدي الخارج لحماية سلطة الفساد
ما يجري اليوم يشير إلى أنّ هناك حراكاً يستبدل مقاربة الحرب بمقاربة السلام في المنطقة، ربما تحتاج إيران لهذا السلام أكثر من غيرها، في ظل الثورات القائمة ضدها داخل إيران وخارجها، ولكن لا يمكن التعويل على هذا الحراك، وبناء رهانات إيجابية، يتم معها الذهاب باتجاه أنّ هناك انفراجات كبيرة محتملة بالملف الإيراني، ما لم تقْدم إيران على خطوات تبدد المخاوف والشكوك الدولية لدى جيرانها ولدى القوى الدولية بخصوص ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي وتدخلاتها في الإقليم.
وفي تقديرنا أنّ إيران ما زالت تملك فائضاً من القوة يمكنها من الصمود، رغم مظاهر ودلائل الضعف والتراجع، وخاصة القوة العسكرية والمالية لدى المرشد الأعلى، خامنئي، وأدواته وفي مقدمتها "الحرس الثوري".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية