كيف قدمت السينما العربية صورة الإرهابي؟

الإرهاب

كيف قدمت السينما العربية صورة الإرهابي؟


06/02/2018

مع انفجار العمليات الإرهابية، وتصاعد موجات العنف في العالم العربي، وبروز جيل جديد من الإرهابيين قفز على الإستراتيجيات القديمة، وتوسع في أيديولوجيات التكفير، قدمت السينما العربية وفي القلب منها المصرية، عدداً من الأعمال، تعاملت مع الإرهابي بشكل ممجوج، وقدمته بصورة سطحية كباحث عن المال والشهرة، أو شهواني مريض نفسياً مكرِّسةً صورة نمطية مفارقة للواقع.

البداية: إرهاب بلا سبب!

السينما المصرية، بدءاً من يوسف شاهين الذي قدم شخصية القائد الإخواني في فيلمه (اسكندرية ليه) إلى فيلم (الخلية) بطولة أحمد عز، أحدث الأفلام التي ناقشت الإرهاب، تكاد تحوم حول الفكرة ذاتها دون محاولة تجاوزها، مما أدى إلى انعدام الموضوعية؛ بل وأحياناً خلق تأثير عكسي يزيد التعاطف مع الإرهابيين ويبرر إجرامهم، كما في شخصية طه الشاذلي التي جسدها محمد إمام في فيلم "عمارة يعقوبيان" (2006)، وقبلها قدّم يوسف شاهين في فيلم "الآخر" (1999)، شخصية فتح الباب التي أداها أحمد وفيق، شاب من أسرة متوسطة، يعاني البطالة، يدفعه سخطه على الدولة لعدم توفيرها الوظائف للانضمام إلى مجموعة إرهابية توفر له المال.

في العام 1992 تناول فيلم الإرهاب والكباب الظاهرة بشكل لا علاقة له بما يجري على أرض الواقع

بدأت سلسلة هذه الأفلام التي تناقش هذه الظاهرة بفيلم (الإرهاب)، من إنتاج العام 1989، وقدمت فيه بطلة الفيلم نادية الجندي دور الصحفية "عصمت" التي تتعاطف مع "عمر" وأدى دوره فاروق الفيشاوي، المتهم بعمليات إرهاب ضد أحد الوزراء وسفراء عدد من الدول، ولكنها تشعر ببراءته وتساعده، حتى إنها تتوجه لمؤتمر دولي، حاملة هدية بها قنبلة أراد بها عمر تفجير طائرة على متنها وزراء لكنها تكتشف ذلك عن طريق الصدفة، ولم يكن هناك أهداف واضحة لتنفيذه لهذه العمليات الإرهابية، ولم يتطرق الفيلم مطلقاً لأسباب سلوك عمر هذا المنحى.

فيلم (انفجار) ظهر العام 1990، من إخراج سعيد مرزوق، يتناول شخصية "صديق" المنتمي لإحدى الجماعات الإرهابية، ويقوم بعمل تفجيرات واختطاف لعدد من الرهائن، ولم يطرح العمل أسباب ذلك، ولماذا انتهج هذا الفكر، وبعده ظهر فيلم (الخطر) 1990، إخراج عبد اللطيف زكي، بطولة كمال الشناوي ومعالي زايد، ويحكي عن مها البحراوي التي يدفعها اليأس من ظروفها الاجتماعية للانضمام إلى مجموعة إجرامية، فتقوم بقتل صحفي وخطف أطفال، والفيلم أيضاً لم يوضح أهداف العمل الإرهابي التي أقدمت عليه المجموعة.

في العام 1992 تناول فيلم "الإرهاب والكباب"، الظاهرة بشكل لا علاقة له بما يجري على أرض الواقع، وهو كيف أنّ مواطناً (عادل إمام) يعجز عن حل عقبات إدارية تواجهه، فيخطف سلاحاً من أحد الجنود، ويحاصر موظفين، إلى أن يأتي الأمن ويتفاوض معه، ولا يجدون له مطلباً سوى أكل الكباب!!.

عرضت معظم هذه الأفلام صورة الإرهابي كمنحل متخفٍّ مهزوز يمر بظروف اجتماعية صعبة

أما فيلم "الناجون من النار" الذي عرض العام 1996، بطولة عمرو عبدالجليل، طارق لطفي، فهو يحكي عن عبد السلام، الذي ينضم لإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة أثناء درسته للطب، وأثناء عملياتهم الإرهابية يواجه أخاه الضابط الذي تطلب الجماعة منه اختطافه لتبادله بعد ذلك مع رموز من الجماعة.

توالت الأفلام بعدها، ففي العام 1999 عرض فيلم "الآخر"، من إخراج وتأليف يوسف شاهين، ومن بطولة هاني سلامة، و"أمن دولة" في العام نفسه، إخراج نادر جلال، وبطولة نادية الجندي ومحمود حميدة، وفيلم "دم الغزال" (2006)، تأليف وحيد حامد، وبطولة نور الشريف، وفي فيلم حين ميسرة (2007)، إخراج خالد يوسف، عرض لكيفية نشأة هذه الجماعات، وأن العشوائيات هي من دفعت هذه العناصر لاتباعها.

شخصية طه الشاذلي التي جسدها محمد إمام في فيلم "عمارة يعقوبيان" (2006)

سخرية بأثر عكسي

عرضت معظم هذه الأفلام صورة الإرهابي كمنحل متخفٍّ مهزوز يمر بظروف اجتماعية صعبة، مثل الدور الذي جسده محمود عبد المغني في "دم الغزال"، الذي انضم إلى جماعة إسلامية بعد أن عمل "طبالاً"؛ حيث كان يخفي صداقته مع فتاة الليل خوفاً على صورته أمام  الجماعة، وفي فيلم "طيور الظلام" قدم عادل إمام صورة ساخرة غير واقعية عن المتطرفين، كما في المشهد وهو يدعو الله وهم يؤمنون وراءه، منهمكين في تناول الحلوى، وهذا ما أدى إلى نتيجة عكسية جعلت البعض من البسطاء يتعاطف معهم، ويصدق ما يقوله شيوخهم من أن هذه الأعمال سخرية من الدين نفسه.

وتظهر هذه السطحية في فيلم "أنا مش معاهم" للفنان أحمد عيد، حين جسد دور شاب يدرس في كلية الطب يعيش هو وأصدقاؤه حياة مستهترة بين تعاطي المخدرات وإهمال الدراسة، ثم يقع في حب فتاة محجبة متدينة فتحوم حوله تهم الإرهاب.

تظهر هذه السطحية في تصوير الإرهاب بفيلم "أنا مش معاهم" للفنان أحمد عيد

صورة مغايرة وعودة للتراجع

في العام 1994 ظهر فيلم "الإرهابي"، الذي عالج هذه الظاهرة بصورة مختلفة وقد يكون أفضل الأعمال في هذا المجال، وكان من بطولة عادل إمام، أكثر الفنانين المصريين اهتماماً بهذه النوعية من الأفلام، وأدى في هذا العمل دور علي عبد الظاهر، وهو إرهابي منضم لجماعة تكفيرية، تغتال مفكرين، وتهاجم سيارات السائحين، ويعرض الفيلم للتحولات التي تصيب علي بعد احتكاكه الفعلي بالناس الذين يكفرهم ومنهم المسيحيون، مما جعل هذا الفيلم علامة فارقة عن غيره.

وما بين عامي 1994 و2017، تطورت هذه الظاهرة، دون أن يواكبها تطور مماثل من السينما العربية، فظهر فيلم مولانا (2017)، الذي يتحدث عن دعاة الفضائيات والإرهاب، وهو عبارة عن نقل مصوَّر لمقالات كاتبه إبراهيم عيسى في روايته التي تحمل الاسم ذاته، وبعده ظهر فيلم "جواب اعتقال" لنجم الشباك الشعبي محمد رمضان، الذي أدى شخصية خالد الدجوي قائد الجناح العسكري لإحدى الجماعات الإرهابية، وبالرغم من ظهوره قوي الشخصية، إلا أن معتقداته كانت مختلفة عما رأيناه من قبل عن شخصية الإرهابي، وأظهر الفيلم بصورة من يعرف الفعل الإرهابي لكنه يبحث عن المال والسلطة نتيجة عقدة طفولة من كونه "ابن الخدّام" عند "الإخوة".

كثير من الأفلام التي تطرقت للإرهاب خلطت بين التدين بمعناه الصحيح والتشدد المرفوض

بدعم مستور من وزارة الداخلية المصرية، تم مؤخراً إنتاج فيلم "الخلية"، الذي تناول قضية الإرهاب، وجسد فيه أحمد عز شخصية ضابط شرطة بالعمليات الخاصة، يطارد القائد الإرهابي مروان (النجم السوري سامر المصري)، الذي يستطيع أن يستحوذ على عقول أتباعه ودعوتهم للفكر الإرهابي المتطرف، وكان صريحاً مع نفسه ومع المقربين منه، بأنّ هدفه الأول والأخير هو المال أيضاً، في تسطيح آخر لهذه الظاهرة المعقدة.

في نفس التوقيت ظهر الفيلم المغربي (ابني كان جهادياً) بطولة الفنان المغربي المقيم بهولندا، عبد الفتاح أحمد صالح، وإخراج الفنان الهولندي (ساندر بورخر)، وقد تناول قضية انخراط الشباب الهولندي من أصول مسلمة في التنظيمات المتطرفة، والجماعات الإرهابية، وتدور أحداثه في العام 2013، ويتناول صراعاً يدور داخل عائلة من أصول مغربية؛ حيث يحاول الأب منع ابنه (مراد) من الانجرار إلى التطرف، والذهاب إلى سورية، للانضمام إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن الابن يصر على قراره، وهنا يطرح الفيلم المأزق الذي يعانيه الأب وتردده في إبلاغ السلطات كي يمنع ابنه من سلوك هذا الطريق ويجنبه الموت.

عادل إمام أكثر الفنانين المصريين اهتماماً بهذه النوعية من الأفلام

السينما في فخ السياسة

كان يبدو في جل الأفلام المطروحة، كيف أنه تم الخلط بين التدين بمعناه الصحيح، وبين التشدد المرفوض، وجماعات العنف التي حملت اسم الإسلام ظلماً وعدواناً، وبين الإسلام ذاته.

في كتاب "الإرهاب والسينما"، الصادر العام 2010 عن دار مدارك، يرى مؤلفه بشار إبراهيم أنّ موضوع الإرهاب شكّل مادة دسمة في المعالجة السينمائية متعددة الأهداف، فكرة وموضوعاً ووظيفة وغاية، تحت رافعة مقارعة التطرف، حتى باتت هذه الصناعة بمجملها مجنّدة لخدمة موضوع لم تستوف شروط فهم أبعاده وهوامشه وخلفياته بكل تفاصيلها، فأخذت تدريجياً تبتعد عن وظيفتها الأساسية في الإبداع الإنساني والتجديد والتنوير الثقافي، لتقترب أكثر الى محاكاة النموذج السياسي، حتى كادت تكون أداة من أدوات الدعاية السياسية أو مدخلاً لتكريس مشروعية منقوصة.

يعد فيلم الإرهابي لعادل إمام علامة فارقة بعرضه للتحولات التي تصيب المتشدد بعد احتكاكه بمن يكفرهم

في دراسة تحليلية موسعة بعنوان "الصورة الشريرة للعرب في السينما الأميركية" للباحث الأميركي من أصول لبنانية جاك شاهين، صدرت عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة في جزأين العام 2014، أكد أنّ كل الأفلام التي تناولت ظاهرة الإرهاب أخرجت المسلمين العرب متوحشين لا قلوب لهم، وهمجيين متعصبين دينياً، ومهووسين بالأموال، وبرابرة معتصبين.

وقدمت السينما معالجة غير عادلة لظاهرة الإرهابي، مقتحمة عقول المشاهدين العرب بصور نمطية بعينها للشخصية الإسلامية ما بين الواعظ  العاجز الضعيف، أو شيخ السلطة الاستبداية، أو الإرهابي الذي استحوذ على صورة الإسلاميين في كثير من الأعمال.

بدعم من وزارة الداخلية المصرية تم مؤخراً إنتاج فيلم "الخلية" الذي تناول قضية الإرهاب

خلط بين المتدين والإرهابي

يقول الممثل والمخرج السينمائي المصري، أسامة عطا لـ "حفريات" إنّ هناك مخرجين "لم يفرقوا بين المتدين والإرهابي، ومنهم عاطف الطيب، الذي قدم الصورة وعكسها في فيلمي "الزمّار"، و"أبناء وقتلة"، وهذا أبان عن عقل ملتبس، يريد أن يدين، وفي ذات الوقت يدافع".

ويضيف أنّ الفن "ليست مهمته أن يدين أو يحاكم؛ بل يفسر، وأن يعي الإرهابي نفسه والعالم، وأن يصنع الفن إدراكاً بما هو صحيح، ولا يدين بشكل مباشر، فالمتفرج هو من يصل للإدانة".

تعاملت السينما العربية غالباً مع الإرهابي بشكل ممجوج وقدمته بصورة سطحية كرست صورة نمطية مفارقة للواقع

ويشير عطا إلى أنّ السينما تعاملت مع الجماعات الإرهابية "بشكل جزئي، فمرّة جعلت الإرهابي يبحث عن المال وأخرى مشوهاً نفسياً"، متابعاً أنها "كانت تقدم حكمها من البداية؛ حيث وضعت نفسها على منصة القضاء، ولم تضع أسئلة منطقية تجيب عنها، وتشرح لنا أنّ الإرهابي هو شخص ينتمي لهذا المجتمع، يمارس أفعالاً خارج القانون لاستناد فكري خاطئ".

رغم ترويج السينما –ومن ورائها السياسة– لمصطلح "الحرب على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أصبحت علاقة السينما بالإرهاب موضع شك ومساءلة ملحة، خصوصاً وأنّ الصناعة السينمائية تبدو مطالبة دائماً بالإجابة عن سؤال كيفية "خدمتها الواقع"، ومع موجة الأفلام والمسلسلات الأخيرة، وضعت نفسها أمام مأزق حقيقي، وهو الكم في مواجهة النوعية، والجماهيرية في مواجهة الإبداع.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية