أوهام الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا وقطر

قطر

أوهام الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا وقطر


08/02/2018

يبدو أنَّ عامل الوقت كفيل دوماً بكشف خفايا العديد من القضايا السياسية والإستراتيجية في العالم العربي، خصوصاً فيما يتعلق بملف الأزمة الخليجية الحاضر بقوةٍ منذ منتصف العام 2017، الذي شهد من دولة قطر بالذات، حملةً إعلامية وسياسيةً كبيرة، ضد دول التحالف العربي، بسبب مقاطعتها لها، فلم تترك تفصيلاً ولو صغيراً في علاقات هذه الدول مع العالم، إلا وجعلت منه "جريمةً نكراء".

خطاب يصطدم بالواقع

الخطاب القطري اعتمد كعادته على العاطفة وتكتيك الاستغفال؛ بإرضاء المجتمعات والمتلقّين، بأكبر قدرٍ من النقد الموجه لمن تسمّيهم؛ "حلفاء أمريكا وإسرائيل"، أو "أعداء فلسطين"، أو "أعداء الإسلام"، وهذا الأسلوب، لم ينقذ قطر من تمثّلها تقريباً في كل ما تتهم به الآخرين متجنّبة أن تنظر في المرآة.

تحاول قطر تسويق نفسها في العالم من خلال انطباع يظهرها دوماً أكبر وأضخم من الواقع

تنجح دولة قطر إلى حد ما، ببث صورةٍ مرئية معدَّلة، لتسوّق نفسها في العالم من خلال انطباع يظهرها دوماً أكبر وأضخم من الواقع، تزينها أحلام إمبراطورية، لم يعد يقبلها التاريخ؛ فالزمن اليوم، زمن المؤسسات والدول الحديثة والإنجاز على أرض الواقع.

وفي هذا السياق أدرجت الدوحة ما حصل بتاريخ 30 كانون الثاني (يناير) 2018، تحت مسمى "الحوار الإستراتيجي القطري الأمريكي"، في إطار ما أطلقت عليه: "تعزيز العلاقات الدولية، ودعم الاقتصاد المحلي، واستعراض القوة"، لكن هذا كله، وإن قيل، لا يخفي حقيقة الوساطات التي ساقتها الدوحة من أجل الجلوس مع أمريكا على طاولة واحدة، تحت مسمى "الشريك".

 

 

التقرب من اللوبي الصهيوني

بدأت القصة مع مطلع العام 2018، من خلال تجمعات "اليمين اليهودي الصهيوني الأمريكي"، المقرّب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك من خلال استضافة الدوحة في كانون الثاني (يناير) 2018 لـ "مورت كلاين"، أحد زعماء هذه التجمعات البارزين.

زيارة كلاين، التي جاءت في سياق القفز على "ملفات مكافحة الإرهاب"، والعلاقات القطرية مع جماعة الإخوان المسلمين، والتهم الموجهة إليها برعاية "الإرهاب" من قبل أربع دول عربية، إضافة إلى الضغوطات الكبيرة بسبب ملفاتها العديدة، التي تم الكشف عنها منذ بداية الأزمة الخليجية، جعل من مصافحة كلاين، مسألةً ضرورية، لتبييض الصفحة مع واشنطن، وتحسين العلاقات، مشفوعةً بصفقاتٍ مالية واستثمارية، وتعاون اقتصادي وأمني موسّع، بدأت ثماره تتضح بقول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون  "الدوحة صديق وحليف قديم للولايات المتحدة".

استخدمت قطر كلاين لترويج صورتها مع واشنطن وتحسين العلاقات مشفوعةً بصفقاتٍ مالية واستثمارية

هذا الحليف، والصديق القديم، كما جاء في موقع "سي إن إن" يوم 30 كانون الثاني (يناير) 2018، بذل كل جهد ممكن للتقرب من "لوبيات اليهود والصهاينة اليمينيين في أمريكا، في محاولة للتوازن بعد ما تعرضت له قطر من ضغوطات بشأن ملفاتها الخارجية الشائكة"، وهذا ما تكشف عنه صحيفة "The Forward" الأمريكية المعنية بشؤون اليهود والصهيونية في أمريكا؛ حيث قالت بدورها "أشار كلاين أن قطر دعته وأخبرته أنها اختارته تحديداً؛ لأنه أقوى ممثلٍ للوبي اليهودي سمعوا به، ويريدون منه أين يتحدث عن أهم ما يزعجه بشأنهم، وما الذي يجب عليهم أن يقوموا بتغييره".

تقرير الصحيفة الأمريكية "ذا فوروارد" المنشور بتاريخ 31 كانون الثاني (يناير) 2018

وتوضح الصحيفة في تقريرها المنشور بتاريخ 31 كانون الثاني (يناير) 2018 أنّ كلاين وصل إلى الدوحة "يحمل ملفاً من خمسين صفحة، يحوي ما سمي بـ "اتهامات توجه لقطر لدعمها حماس والإسلاميين ومعاداة السامية، وما يتوجب عليها فعله تجاه كل هذا، من أجل تحسين علاقاتها مع اليهود".

ووفق التقرير المنشور، يقول كلاين "لقد طلبوا مني أن أذهب لرجال الكونغرس الأمريكي، وأدعوهم لزيارة قطر". ويتساءل التقرير هنا "كيف لقطر أن ترى أنّ اللوبيات اليهودية تتحكم بالسياسة الخارجية الأمريكية؟".

 

 

شراكة أم استرضاء؟

ولعلّ هذا يشير بوضوح إلى أنّ قطر، ليست "الشريك" المعادل لأمريكا في المنطقة، بقدر ما هي تحاول استرضاء واشنطن، واللوبي اليهودي الأمريكي، بحسب الصحيفة، من أجل تحقيق مكاسب في الأزمة الخليجية والمنطقة، والتملّص من الضغوط، وتقديم نفسها كدولةٍ تواجه الإرهاب، الذي أوصى كلاين بمحاربته!

وفي هذا السياق، رأى الخبير الإستراتيجي والإعلامي المصري رامي شفيق أنه "ما بين تصريح ترامب العام 2017 أنّ قطر وجهت لها طويلاً اتهامات من بعض الدول العربية حول دعم الإرهاب، والحوار الإستراتيجي الأمريكي القطري بواشنطن أواخر يناير 2018، تبدو الأموال القطرية التي ضخت وستضخ في الخزائن الأمريكية، مبرراً كافياً لتعديل الرؤية الأمريكية تجاه سياسات قطر في الشرق الأوسط، وبالأخص، تجاه الأزمة الخليجية".

صحيفة أمريكية: أشار كلاين إلى أنّ قطر دعته وأخبرته أنّها اختارته تحديداً لأنه أقوى ممثلٍ للوبي اليهودي سمعوا به

ويتابع شفيق في تصريحه لـ"حفريات"، "نستطيع أن نقرأ بعناية تصريح وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون، أن الدوحة حققت تقدماً في ملف مكافحة الإرهاب، فيما نطالع في الوقت ذاته كلمات الوزير القطري محمد بن عبد الرحمن: الدوحة تستثمر أكثر من 100 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي".

وبسؤاله عن أسلوب قطر، المتبع في محاولتها استمالة السياسة الأمريكية لناحيتها من جديد، أكد شفيق أنّ المكاسب الإستراتيجية تتحقق لمصلحة أمريكا، أما قطر فإنّها "تحاول تحقيق تجاوزٍ عن الأزمة الخليجية، مما أعطى الولايات المتحدة الفرصة للكسب الإستراتيجي مستفيدةً من التناقضات في المنطقة، والمتمثلة بدعم الدوحة للعمليات التركية في عفرين، ودعم الدوحة للحركات المتشددة في الشرق الأوسط، مما وفر لأمريكا فرصة توظيف التناقضات في المشهد الإقليمي، والضغوطات التي تواجهها قطر حتى تحقق مصالحها".

يرى بعض المحللين أن قطر تمثل "تابعاً" لا "شريكاً" للولايات المتحدة، وفق معطيات زيارة كلاين، والاستثمار القطري مع أمريكا، والدعوات القطرية لتوسيع قاعدة العيديد الأمريكية في قطر مؤخراً، إضافةً إلى توجه الخطاب الإعلامي والسياسي القطري للاستقواء بالعلاقة مع واشنطن، وتقديم التنازلات المطلوبة، التي تتضمن "التنازل عن دعم الإسلام السياسي الذي أشار إليه كلاين" وتستخدمه قطر في التدخل وزعزعة استقرار الدول العربية تارةً، فيما تجعل منه أساساً لتحالفات أخرى مع تركيا وإيران، كورقة ضغط.

أيضاً، تبدو قطر وكأنها لا تقيم علاقاتٍ طبيعية مع دولة عظمى، إن صح التعبير، من أجل أن تقوم بمشاريع متبادلة على كل الصعد من أجل إثراء التنمية والاقتصاد، بقدر ما تعقد صفقاتٍ مالية وسياسية وإعلامية، تفوق حاجتها الطبيعية بكثير، وتوظفها في مواجهة محيطها العربي والخليجي. ولا يمكن لعلاقةٍ كهذه، أن تكون طبيعية، أو في سياق تنموي.

 

 

الصفحة الرئيسية