إيرانيو الولاء أمريكيو الطباع

إيرانيو الولاء أمريكيو الطباع


08/03/2018

فاروق يوسف

أنصار إيران في الميليشيات وفي مجلس النواب يطالبون برحيل القوات الأميركية فيما تلتزم إيران جانب الصمت.

“القوات الأميركية باقية في العراق بل إن حلف الناتو سيعزز وجوده هناك أيضا”. يتوقع البعض أنه خبر سيء في الوقت الذي لا يكترث العراقيون العاديون به.

صار حضور القوات الأميركية مفردة من مفردات المزاد السياسي المفتوح على “مفاجآت” الانتخابات المقبلة. هناك مَن أفصح عن نيته رفع السلاح لمقاومة قوات الاحتلال الأميركي. وهو انتباه متأخر من قبل ميليشيات شيعية تدين بوجودها في العراق للاحتلال الذي تنوي مقاومته.

أما مجلس النواب الذي يعيش أيامه الأخيرة، فقد رفض ما كان موافقا عليه في أيامه الأولى.

لقد اكتشف النواب أن وجود القوات الأجنبية يمسّ بالسيادة الوطنية، فقرروا أن يطالبوا الحكومة بإنهائه.

أما الحكومة فإنها ليست في حاجة إلى أن تقف حائرة بين طرفين لا خصومة بينهما. فهي إضافة إلى أنها تعرف كل شيء، ما خفي من المسألة وما ظهر، فإنها تدرك أن خصومها يلعبون في الوقت الضائع، بل خارج الملعب.

أنصار إيران في الميليشيات وفي مجلس النواب يطالبون برحيل القوات الأميركية فيما تلتزم إيران جانب الصمت.

ليس سرا أن إيران تعيش أزمة مزمنة مع الولايات المتحدة. في المقابل فليس سرا أيضا أن كل ما يجري في العراق ومنذ سنوات طويلة إنما هو محصلة اتفاق أميركي إيراني.

إيران موجودة في العراق بموافقة أميركية، فهل تحتاج الولايات المتحدة إلى موافقة إيرانية من أجل الإبقاء على قواتها في العراق؟

ذلك سؤال لا يتعلق بالسيادة الوطنية في سياق المعادلة السياسية الواقعية في العراق. فالعراق وفق ذلك السياق بلد محتل. أما المشاهد الصورية في ما يتعلق بالانتخابات والأحزاب وتقاسم السلطة وتداولها ديمقراطيا، فكلها موجّهة إلى رأي عام ليس له أي تأثير على المعادلات السياسية.

لقد تقاسم الطرفان (إيران والولايات المتحدة) المواقع والاختصاصات والامتيازات وليس هناك ما يعكّر مزاجهما.

إن صرح مسؤول إيراني بأن بغداد ستكون عاصمة الإمبراطورية الفارسية فإن الإدارة الأميركية لا ترد، وحين يؤكد قائد عسكري أميركي بأن الولايات المتحدة تنوي زيادة عدد جنودها في العراق فإن إيران لا تستنكر ذلك.

هناك تنسيق بين الطرفين على أعلى المستويات، هو ما لا يتناقض مع نقاط الخلاف بينهما. “هل هما عدوان حقا؟” سؤال لا قيمة له في عالم المصالح الذي طحن العراقيين من غير أن يفهموا فقرة واحدة من فقراته.

فهل علينا أن نصدق أن الأطراف التي تدعو إلى رحيل القوات الأميركية لم تطلّع على ذلك الاتفاق ولم تره مجسدا على الأرض؟

هناك الكثير من الكذب الذي يُقال في العراق. كذب يكشف عن امتهان أصحابه لكرامة العراقيين من خلال إيهامهم بوجود مبدأ السيادة الوطنية.

واقعيا فإن السيادة الوطنية في العراق منتهكة لا بسبب وجود القوات الأميركية الذي نص عليه اتفاق استراتيجي بين الحكومة العراقية والحكومة الأميركية فحسب، بل وأيضا بسبب وجود ميليشيات مسلّحة موالية لإيران تم إلحاقها بالدولة عنوة تحت عنوان “الحشد الشعبي”.

وإذا ما كانت تلك الميليشيات تناصب الحضور العسكري الأميركي العداء علنا، فإنها في السر تخدمه. ذلك لأنها تضع نفسها في خدمة المشروع الإيراني الذي هو بمثابة الجزء المكمّل لمشروع الاحتلال الأميركي. في كل الحالات فإن الشعب العراقي يخرج من اللعبة مضحوكا عليه.

أعداء أميركا في الداخل العراقي هم أصدقاؤها في الوقت نفسه. ذلك لأنهم لا يجدون ضررا في الهيمنة الإيرانية التي ما كان لها أن تقع لولا موافقة أميركية. بعد كل هذا هل هناك أمل للعراق في أن يخرج من متاهته؟

العراق بلد ضائع لأن شعبه تعرّض لأكبر عملية تيه وتزوير في التاريخ. لقد صار على العراقيين أن يكذّبوا كل ما يُقال لهم. وهو ما لا يقوى عليه إنسان، لأن الحياة حينها لن تكون ممكنة.

ليس من الإنصاف مطالبة شعب بأكمله بالانتحار، لذلك صار ضروريا أن يعي الشعب العراقي أنه قد وقع ضحية لعبة يديرها أفاقون لا شأن لهم سوى تمرير الوقت من أجل سرقة المزيد من ثرواته.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية