الإسلاميون أيضاً يصابون بالمرض النفسي

الإسلاميون أيضاً يصابون بالمرض النفسي

الإسلاميون أيضاً يصابون بالمرض النفسي


25/09/2023

من جملة الأساطير التي شاعت في حياتنا، بأثر الدعاية المكثفة والدؤوبة للإسلاميين، أنّهم محصَّنون من الأمراض النفسية التي تصيب غيرهم، وأنّهم حين امتلكوا الإطار الأكمل للتصور الأشمل للحياة والكون؛ فقد برؤوا من تلك الأمراض، أو ما يرتبط بها من سلوك أو خلق. 

 

تلك الفكرة؛ أي تعافي الإسلاميين من الأمراض النفسية  والاجتماعية، لا تكذبها تلك النماذج التي عانت من خلل فكري وأخلاقي واقترفت أخطاء كغيرها؛ بل تكذبها، أحاديث الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول في الحديث الشريف: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا غفر الله بها من خطاياه".

تعافي الإسلاميين من الأمراض الاجتماعية، لا تكذبها النماذج التي عانت من خلل فكري واقترفت أخطاء كغيرها بل تكذبها، أحاديث النبي عليه السلام

الحديث يبدو واضحاً في دلالته على أنّ كل الهموم والغموم والأمراض النفسية، هي شكل من تلك الهموم والابتلاءات التي تصيب المسلم، مهما بلغت درجة صلاحه أو تقواه، صحيح أن الإيمان القوي الذي يستند إلى إدراك صحيح لحقائق الدين وجوهره، يحمي صاحبه من الوقوع السهل في أمراض نفسية، لكن من قال إنّهم يمتلكون بالفعل تصوراً صحيحاً عن حقائق وجوهر الدين!

في جماعات الإسلام السياسي، تبدو فكرة الطائفة المختارة، التي يزكي أعضاؤها أنفسهم عن كل الخلق، فكرة مركزية شائعة، تتدثر بغلالة رقيقة من التواضع والمسكنة، ومضغ عبارات التجرد، والتسامي عن الرياء والسمعة، وغيرها من المعاني التي يبتذلونها بانتظام على مدار الساعة.

وفي أجواء الطائفة التي زكى أعضاؤها أنفسهم من دون البشر، يمارس هؤلاء الأعضاء طقوس أمراضهم النفسية، ومنها الإسقاط الذي هو عرض لظاهرة نفسية معروفة، تعني أن ينسب شخص إلى آخرين، ما يعتريه من أفكار ومشاعر، أو ما يقترفه بنفسه من سلوك، يسمح الإسقاط لمن يرغب في القتل المادي، أو المعنوي، أو التعذيب، أو التسلط على الآخرين، أو أي سلوك آخر شاذ، بإلصاق ذلك بفرد أو جماعة ممن يريد استهدافهم، وبذلك يتحول هؤلاء الأشخاص، في ذهنه، إلى شياطين، ما يجعل فكرة الاستهداف لهم مقبولة.

في جماعات الإسلام السياسي تبدو فكرة الطائفة المختارة فكرة شائعة تتدثر بغلالة من التواضع والمسكنة

يمارس القائد في تلك الجماعات الكذب بدعوى حماية الدعوة والدين، رغم أنّ الدين يحرم الكذب، حتى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لمّا سئل: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم. أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، فلمّا سئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: كلا" فنفى -صلى الله عليه وسلم- عن المؤمن ذلك الخلق المذموم. 

لكن ضمائر بعض هؤلاء الإسلاميين تمارس ذلك السلوك دون غضاضة، وبشكل متكرر، بما يعكس خللاً نفسياً واضحاً، حين يقبل ضمير الشخص أن يدعو للشيء ويمارس نقيضه، في فصام واضح بين القول والعمل، يخفي فصاماً آخر، بين حقيقة ما يمارسه هذا الشخص في حياته الشخصية، وطبيعة سلوكه مع القريبين منه، سواء دائرته الأقرب، أو أتباعه الذين يمارس عليهم طقوس استبداده باسم الدين!

كثير من القيادات المشهورة للإسلاميين رشحت عنهم قصص يندى لها الجبين، لم تقف عند مخالفات أخلاقية؛ بل تخطت إلى شذوذ في بعض الطبائع،  وعلى سبيل المثال حدثني سجين سابق ضمن أعضاء جماعة إسلامية، بأنه اكتشف أنّ قيادياً في الجماعة كان متورطاً بفعل فاضح، وحين تم تهديده بفضح أمره، هدد؛ أي القيادي، بأنه سينتحر، وهو الذي يعلم عاقبة فعل الانتحار، كما يعلم، بالطبع، عاقبة السلوك الذي يمارسه.

قد يحاجج البعض عن هؤلاء الإسلاميين، بأنهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر من هنات أو أمراض، نعم، لكن هؤلاء نصبوا أنفسهم قضاة ومحتسبين، يتسلطون على واقع الناس وطرائق حياتهم، دون أن يسمحوا لأحد بالتطلع لاختياراتهم، التي أحاطوها كتنظيماتهم بالسرية اللازمة، وهذا خلل نفسي آخر.

كثيرٌ من الإسلاميين تغشاهم أمراض الطوائف المغلقة؛ كالسرية، والتشكيك الدائم في الآخرين، والإيمان المرضي بنظرية المؤامرة

لو عددنا مظاهر انحراف بعض الإسلاميين عما يقتضيه الخلق والقانون والطبع السليم، ستطول بنا الصفحات، لكن ما تؤكده تلك الوقائع؛ أنّ كثيرا من الإسلاميين تغشاهم أمراض الطوائف المغلقة؛ كالسرية، والتشكيك الدائم في الآخرين، والإيمان المرضي بنظرية المؤامرة، ما يخلف روح البارانويا التي تصيب العديد من تلك القيادات، التي تختصر تاريخ البشرية في الصراع بين الحق، الذي يقفون هم في ساحته، والباطل الذي تتسع ساحته لكل من لا يشاركهم التصور أو الأيديولوجيا، مما يخلف حدية في التصور والمواقف، تجعلهم لا يعرفون سوى الحديث عن الحرب وأدواتها، هذا الصراع الذي لا تخبو شعلته، يخلف نفوساً قلقة لا تهدأ أبداً، ومن ثم لا تترك لها فرصة للتفكير الهادئ المتعقل، ولا تسعفها القرائح المجهدة، سوى بإنتاج المعضلات والمشكلات التي لا تبرع سوى في خلقها، وإبقاء شعلتها متقدة.

الخلل في التصور، مع الغرق في أسوار الطائفة، وضعف الاتصال بالآخرين، وعدم القدرة على الإيمان بأن ساحة النسبي أوسع بكثير من ساحة المطلق، واللجوء إلى الالتصاق باليقينيات، وتوسيع نطاقها، يوسع الفجوة مع الآخرين، ويقرب بين أبناء الطائفة الواحدة، ما يفتح الباب لكل العلل النفسية، التي يدعي كثير من الإسلاميين أنهم في منعة منها، لكن الواقع والأرقام، وربما الإحصائيات، التي يملكونها عن أنفسهم، تقول بجلاء: إنّهم كغيرهم من البشر، يصابون بالمرض النفسي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية