هكذا تستخدم تركيا الخطاب الديني لتبرير سياساتها داخلياً وخارجياً

هكذا تستخدم تركيا الخطاب الديني لتبرير سياساتها داخلياً وخارجياً


29/03/2018

مترجم

“عندما تسمي الحرب حربًا مقدسة، يصبح المواطن مقيدًا، ولا يستطيع انتقاد شيء حولها. وعندما تسميها حربًا دينية، تعطي نفسك تبريرًا لعدم التعاطف مع ضحايا الجانب الآخر، بل تجد لنفسك ذريعة لوصف الآخر بالعدو الإرهابي غير البريء. هكذا هو نهج النظام التركي اليوم، الذي يصور جيشه بجيش الإسلام الأخير”، هذا ما ذكره المؤلف والصحفي الأمريكي سكوت بيترسون في مقالته في مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية.

عمل الرئيس أردوغان على صبغ القومية التركية بشعارات دينية لكسب الشعبية ولحشد الدعم الجماهيري لعملية عفرين. فعندما أعلن الجيش التركي سيطرته على المدينة يوم الأحد المنصرم، بعد حرب دامت شهرين، صور الإعلام التركي الجنود الأتراك بـ”جيش الإسلام الأخير”.

اللافت في الأمر هو أن تركيا العلمانية باتت تغلف عملياتها العسكرية بلغة دينية بشكل علني، لكي تعطي نفسها الحق في شن حروب أخرى قادمة ضد الآخرين. يقول المحللون إن التحول في الخطاب التركي الرسمي -منذ مجيء أردوغان- باتجاه الخطاب الديني يمثل امتدادًا لأجندة حزب العدالة والتنمية، الذي يهدف في نهاية المطاف إلى توفير مساحة أقل للمعارضين، وتعميق المشاعر المعادية للآخرين، وتبرير أجندته الإقليمية، من خلال تصوير تركيا بـ”خط المواجهة الأخير في صراع الحضارات”.

في الحقيقة، تمكن النظام التركي من إيجاد مزيج من الإسلاموية والقومية التركية، لم يكن موجودًا من قبل، كوسيلة فعالة لتبرير السياسات التي لا يمكن تبريرها. فعندما ترغب بوصف منافسيك الشرعيين بـ”الأعداء” أو “الإرهابيين” أو “المذنبين”، تلجأ إلى صبغ حملتك بلغة دينية، لتبرر سياساتك العدوانية تجاههم، ولتنزع حق الآخرين في التعاطف معهم.

وعندما يتعلق الأمر بالدين، سيشعر المواطنون بالتقييد وعدم القدرة على الانتقاد، وهذا ما حصل تمامًا في تركيا، عندما اعتقلت السلطات الكثير من الناس بسبب تغريداتهم المنتقدة “للحرب المقدسة”، وهكذا يجري إسكات رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ولهذا السبب لم يتردد أردوغان في الإعلان هذا الأسبوع عن خطة لمواصلة التقدم في شمال سوريا، برغم مقتل المئات من الأكراد وأكثر من 50 جنديًا تركيًا، “فذلك كله من أجل الدين”.

إن مزج القومية بالتدين سمة من سمات حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، لكنه شهد ارتفاعًا كبيرًا في أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016. وحينها، نظم الحزب مسيرات ليلية شهرًا كاملًا وأغرقها بصور دينية وسياسية ممزوجة.

يقول المؤلف التركي مصطفى أكيول، صاحب كتاب (الإسلام بدون تطرف) إن “أردوغان يستخدم رواية قومية مشبعة بالدين لتعزيز مكانته كزعيم قومي، فهو يسير على خطى الدولة العثمانية، ولكن بعناصر دينية واضحة، وهذا ما ساعده على حشد الدعم لعملية عفرين”.

ولم يكتفِ أردوغان بذلك، بل عمل على توظيف الخطاب الديني – القومي لصناعة “تهديدات خطيرة” تواجه تركيا، غالبيتها غير حقيقية. بل ووظف التهديدات الزائفة لتحقيق رواية أيديولوجية مفادها أن أنقرة تتعرض لقوى مؤامرة غير متناهية، وأن البلاد بحاجة إلى قائد قوي يتمتع بالعديد من المرجعيات المقدسة، وهذا ما حصل في بداية عملية عفرين، حين جرى تغليفها باسم الدين.

عندما بدأت تركيا عمليتها في عفرين، قال رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان: “لن يكون هناك تقدم ما لم يكن هناك جهاد، الدولة العظيمة ستقف، ولدينا شهداء”. في الأسبوع المنصرم، أشبع أردوعان جنازات الجنود بمصطلحات دينية، إذ قال “الجنة قريبة، وشهداؤنا خاضوا نضالًا كبيرًا من أجل ديننا، المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا”.

وقد قارن أردوغان الأسبوع المنصرم بين “روح وإيمان الجنود الأتراك في عفرين وجنود الدولة العثمانية الذين استخدموا إيمانهم الأسطوري في خوض معارك الحرب العالمية الأولى”. وقال كذلك في مناسبة أخرى “هذا هو آخر جيش للإسلام”. أما وزارة الأوقاف التركية، فلم تتردد في وصف عملية عفرين بـ”الجهاد الأكبر”، واستخدام كلمات مثل “شهيد” في بياناتها.

ومن هذا المنطلق، وجدت وزارة الداخلية التركية الأسبوع المنصرم سهولة بالغة في الإعلان عن اعتقال أكثر من 449 ناشطًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى “ترويج الإرهاب ضد جيش الإسلام الأخير في معركته مع الأكراد الذين يعملون لصالح العالم المسيحي الغربي”.

مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية / عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية