"عفرين" تبعثر أوراق أردوغان وتغرق نظامه في الفوضى وإطلاق الاتهامات

سوريا وتركيا

"عفرين" تبعثر أوراق أردوغان وتغرق نظامه في الفوضى وإطلاق الاتهامات


19/02/2018

على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي انعقد أخيراً  في ألمانيا، مارس وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، هوايته المعتادة في الانفعال والصراخ وتوزيع الاتهامات، فمضى هذه المرة لمهاجمة الأمین العام لجامعة الدول العربیة أحمد أبو الغیط، على خلفية مطالبة أبو الغيط تركيا بوقف عملية "عفرين" وسحب قواتها من سوريا.

وقال أوغلو موجھاً كلامه لأبو الغیط، "أتمنى أن یكون نظامك قویاً بما فیه الكفایة لیمنع بعضاً من أعضاء منظمتك المبھورین بـ الولایات المتحدة من الضغط على الفلسطینیین والأردن التي ھي وصیة على وضع القدس، لكي لا یرفعوا صوتھم بشأن الدفاع عن الفلسطینیین والقدس.. ھذا ھو نظامك للأسف"، ويقصد بالنظام هنا جامعة الدول العربية، ولا يخلو الأمر من انتقاد الموقف المصري أيضاً.

من المتوقَّع أن يساعد إنتاج حقل ظهر في الحصول على الاكتفاء الذاتي لمصر من الغاز في عام 2019

وتطفو على سطح العلاقات السياسية التركية المصرية، بصورة متواصلة، ملفات وقضايا إقليمية عديدة، تعبّر عن أزمات سياسية وإعلامية، تسِم العلاقات بين البلدين، التي شهدت خفوتاً وتراجعاً منذ عام 2013، وتؤدّي إلى تصعيد نبرة الهجوم التي تتبعها أنقرة، التي لم يكن أوّلها، تصريح أردوغان، قبل عامين، حين جعل الإفراج عن مرسي وأعوانه المسجونين، شرطاً لإعادة العلاقات مع مصر، وليس آخرها، إعلان وزير خارجية أنقرة، مولود جاويش أوغلو، عدم اعتراف بلاده باتفاقية ترسيم الحدود البحرية، بين مصر وقبرص، المبرمة عام 2013.

ذلك التصريح الأخير؛ كان بداية فصلٍ جديدٍ، في التوتر السياسي والإعلامي، الذي تشهده البلدان، منذ خمس سنوات، وسببها الرئيس حقول الطاقة المكتشفة، في شرق البحر المتوسط، وافتتاح مصر حقل "ظهر" الذي يعدّ أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي، في منطقة البحر المتوسط، ويحتل مساحة 100 كيلومتر مربع؛ حيث تبلغ احتياطاته نحو 30 تريليون قدم مكعب.

ويعدّ حقل "ظهر" أكبر اكتشاف للغاز للغاز الطبيعي، في مصر والبحر المتوسط، كما يمثّل انفراجة في ملف الطاقة في القاهرة. وتوضح شركة "إني" الإيطالية، التي اكتشفت الحقل عام 2015، عبر موقعها الإلكتروني: "ظهر هو أكبر اكتشاف على الإطلاق في مصر والبحر المتوسط، وسيلبّي احتياجات الغاز المتزايدة في مصر لعقود مقبلة".

مارس وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، هوايته المعتادة في الانفعال والصراخ وتوزيع الاتهامات

حقل "ظهر" طفرة في ملف الطاقة للقاهرة

من المتوقَّع، بحسب خبراء ومراقبين في ملفّ الطاقة، أن يساعد إنتاج حقل "ظهر" في الحصول على الاكتفاء الذاتي لمصر من الغاز في عام 2019، وقد كانت حتى عام 2015، في المرتبة الـ 16، على مستوى العالم، والثانية إفريقياً، واحدة من أكبر احتياطات الغاز في العالم.

في المقابل، صرّح أوغلو، بأنّ تركيا "تخطّط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز، شرق المتوسّط، في المستقبل القريب"، ووصف الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص، بأنّها "لا تحمل أيّة صفة قانونية، وأنّ التنقيب عن الموارد الطبيعية بهذه المنطقة، وإجراء دراسات عليها، يعدّ حقاً سيادياً لتركيا".

وتابع أوغلو، أنّه "لا يمكن لأيّة جهة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة، إجراء أيّة أبحاث علمية، غير قانونية، أو التنقيب عن النفط والغاز، في الجرف القاري لتركيا، والمناطق البحرية المتداخلة فيه".

وزارة الخارجية المصرية ردت ببيان قالت فيه: إنّ "أيّة محاولة للمساس بالسيادة المصرية، على المنطقة الاقتصادية الخالصة لها في شرق المتوسط، مرفوضة، وسيتمّ التصدّي لها".

وأكّد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدّث الرسمي باسم الوزارة، في بيانه، أنّ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، لا يمكن لأيّ طرف أن ينازع في قانونيتها؛ حيث إنّها تتّسق وقواعد القانون الدولي، وتمّ إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة".

"تحرشات" تركيا في شرق المتوسط

وبلغت الأزمة قمّتها، الأحد الماضي، عندما اعترضت قطعاً بحرية تركية، سفينة تابعة لشركة "إيني" الإيطالية، عندما كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز المكتشف، في المياه القبرصية؛ حيث أبلغ العسكريون الأتراك طاقم السفينة، بعدم مواصلة الرحلة؛ لأنّ المنطقة ستشهد مناورات عسكرية.

وإزاء التصعيد التركي، قال وزير الخارجية القبرصي: إنّ "الشركة الإيطالية لا يساورها أيّ قلق، تجاه تصعيد الاستفزازات التركية، مؤكداً، أنّها معتادة، على مثل هذه التحرشات، بحسب وصفه، وأشار إلى أنّ حكومته قد أبلغت كلّاً من الاتحاد الأوروبي والسفارة الأمريكية بالاستفزازات التركية، وأكّد أنّ الحلّ سيأتي من روما".

مع اقتراب موعد الانتخابات، يلجأ أردوغان إلى كلّ الأساليب المتاحة، لتحويل الأنظار عن العزلة التي تطوّق تركيا

وإلى ذلك، نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع المصرية، فيديو تحت عنوان "القوات البحرية.. عمالقة البحار"، توضح فيه الإجراءات التي سوف تتّخذها القوات البحرية لحماية حقل "ظهر" بالبحر المتوسط؛ حيث يظهر في المقطع المصوَّر رجال القوات البحرية، أثناء حماية حقل لغاز الطبيعي المكتشف، باستخدام القطع البحرية الحديثة، التي دخلت الخدمة.

واستمرّ التصعيد، حتى الثلاثاء الماضي، الذي صادف موعد اجتماع الكتلة البرلمانية، لحزب العدالة والتنمية، بالبرلمان التركي؛ حيث قال أردوغان، بنبرة تهديد: "نحذّر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة والبحر المتوسط، ويقومون بحسابات خاطئة، مستغلّين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية".

 

 

تجاوزات أردوغان وتهديداته

"جنودنا يقومون بما يلزم"، كلمة تحذيرية تسلّلت إلى حديث الرئيس التركي في البرلمان، وجّهها إلى اليونان، في حال لم تتوقف عن انتهاك المياه الإقليمية التركية، بالقرب من الجزر الصخرية، في بحر إيجة، وتعدي الطائرات المجال الجوي التركي، كما طالب الشركات الأجنبية، التي تقوم بفعاليات التنقيب عن الغاز، قبالة سواحل قبرص، بألّا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها، من خلال ثقتها بالجانب القبرصي اليوناني.

ولوّح أردوغان بعمليته العسكرية في عفرين السورية، ضدّ الأكراد، التي عدّها أحد سبله لتجفيف كلّ عوامل تهديد أمنه القومي، وبالإمكان تكرارها دون أن يعوقه شيئاً، أينما حدثت. فقال: "حقوقنا في الدّفاع عن الأمن القومي، في منطقة عفرين (شمال غربي سوريا)، هي نفسها في بحر إيجة وقبرص، وقيام القوات المسلحة التركية بعملية (غصن الزيتون) لتطهير عفرين، شمال سوريا، من التنظيمات الإرهابية، لن يعوق تركيا عن حماية حقوقها في البحر المتوسط وبحر إيجة".

وقال الصحافي اللبناني، فادي عاكوم، في حديثه لـ"حفريات" إنّ "الأسباب الكامنة وراء اعتراض البحرية التركية للسفن المتوجهة للتنقيب عن الغاز المصري، كثيرة ومتشعّبة ومرتبطة بأكثر من ملف، سياسي وعسكري واقتصادي، مع الإشارة، إلى أنّ هذا التحرّك التركي، يأتي مع علم أنقرة بأنّ في الأمر مجازفة كبيرة جداً؛ حيث إنّ هذا التحرّك يأتي لصرف النظر عن المجازر، التي تقوم بها الآلة العسكرية التركية، في سوريا، وتحديداً في منطقة عفرين، بعد ثبوت توجيه الصواريخ والغارات باتجاه المدنيين العزّل في المنطقة، وغالبيتهم من المزارعين، غير المسلَّحين".

 

 

قمع وحروب إقليمية وشحن طائفي

ويضيف: "من شأن هذه العملية أن تبعد أنظار الأتراك إلى الخسائر الكبيرة، التي يتكبّدها الجيش التركي، في السلاح والعتاد والجنود والضباط، بسبب الضربات المتتالية التي يتعرّض لها، بعد أن وقع في مصيدة المدافعين عن منطقة عفرين، حتى وصلت الأمور إلى إسقاط طائرتين مروحتين، وطائرة مسلَّحة دون طيار، إضافة إلى أنّه من شأن هذه الخسائر أن تثير الشارع التركي إلى درجة كبيرة؛ بسبب ضخامتها، ولأنّها تحصل خارج الأراضي التركية، ناهيك عن، ضعف الحجج التي أطلقها أردوغان، بإبعاد الإرهابيين، وغيرها من الحجج الواهية".

وعدّ عاكوم التحرك البحري التركي، ذا أبعاد اقتصادية إستراتيجية؛ فمصر بدأت بالتحوّل التدريجي إلى دولة مصدّرة لمادة الغاز، وهذا يدخلها في نادي الدول الكبيرة، والمؤثرة في القرارات الاقتصادية والسياسية عالمياً، وهو ما لا تريده تركيا، كون خروج المارد المصري من "القمقم" من شأنه أن يعزل "القزم" التركي، بحسب وصفه، ويسحب منها ملفات عديدة، تحاول تركيا بشتى الوسائل الحفاظ عليها، ومنها قراري الحرب والسلم في المنطقة، والتوسّع والانتشار في بعض الثغرات في سوريا والسودان وليبيا، وبعض الدول الشرق أوسطية والإفريقية الأخرى.

سبق العملية الأردوغانية في عفرين حملة تحريض طائفية وقومية بغيضة، اشتركت فيها الآلة الإعلامية التركية والقطرية

وأكّد، في المقابل، أنّ أيّة مشكلات، قد تحدث للسفن التي تتولى التنقيب والبحث، سوف يدفع الشركات التابعة لها بالانسحاب من العملية، ممّا يفقد مصر هذه الميزة؛ لأنّ في الأمر تهديداً صريحاً للشركات البترولية العالمية، وهو رهان خاطئ من قبل أردوغان؛ إذ إنّ الأمر يخضع لحسابات الربح والخسارة، وبالتالي، مقاومة هذا التدخل السافر التركي، سيأتي ليس فقط من قبل مصر، بل من قبل الدول التي تتبع لها شركات النفطية العالمية.

أمّا بالنسبة إلى "عفرين"، فيقول عاكوم، إن العملية الأردوغانية سُبقت بحملة تحريض طائفية وقومية بغيضة، وهذه الحملة اشتركت فيها الآلة الإعلامية التركية والقطرية، ومعها مجموعة كبيرة من النشطاء السوريين التابعين لهما، فأفرزت شقّاً بين العرب والكرد، وصوّرت الكرد بأنّهم من الكفّار الذين يريدون التخلص من الوجود العربي، في شمال سوريا، والتخلص من المسلمين، تحديداً، وذلك ضمن خطة ممنهجة، يتبعها أردوغان لتصوير نفسه حامي المسلمين، في تركيا وسوريا والعالم.

أمّا الداخل التركي، في نظر عاكوم، فهو مقبل، دون أدنى شكّ، على توتّرٍ كبيرٍ، مع اقتراب موعد الانتخابات، خلال العام القادم، ومن الطبيعي أن يلجأ أردوغان إلى كلّ الأساليب المتاحة، لتحويل الأنظار عن العزلة التي تطوّق تركيا، رغم التحالفات الظاهرية، مع بعض الدول، مع الإشارة إلى أنّ النفوذ الإيراني بدأ يظهر في السياسة التركية، وهو أمر سيكون السيف المسلَّطـ على أردوغان، خلال الفترة المقبلة، ولن تكون لمغامرته في سوريا، أيّ تاثير عندها؛ بسبب فقدانه جميع أوراقه السياسية والتحريضية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية