ازدواجية إيران تفشل في إنقاذها من المقصلة الدولية

ازدواجية إيران تفشل في إنقاذها من المقصلة الدولية


05/04/2018

محمد عباس ناجي

يستخدم الإيرانيون مثلا شعبيا يقول "ياك بام ودو هوا" ويعني "سقف واحد وطقسان"، للدلالة على استعمال الازدواجية. ويستحضر الإيرانيون، مؤخرا، هذا المثل بكثرة في تعليقاتهم على سياسات نظامهم.

ظهر ذلك بعد الدعوة التي أطلقها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى ضرورة منح الاهتمام الأكبر للإنتاج الوطني وتسمية العام الإيراني الجديد الذي بدأ في 21 مارس الفائت بعام السلع الوطنية، والتي قابلها الكثير من الإيرانيين بالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل اعتماد المرشد نفسه على المنتج الأجنبي على غرار سيارة "بي أم دبليو" التي يستخدمها في تنقلاته.

كما انعكست هذه الازدواجية أيضا في التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الإيرانيين والتي تتناقض مع الممارسات التي تقوم بها إيران على الأرض. فقد قال وزير الدفاع الإيراني أحمد حاتمي، خلال مشاركته في مؤتمر موسكو الدولي للأمن، في 4 أبريل الجاري، إن إيران تعارض التدخل الأجنبي في دول المنطقة، رغم أنها الطرف الأكثر انخراطا في الأزمات التي تشهدها بعض تلك الدول.

وقبل ذلك بيومين، كتب وزير الخارجية محمد جواد ظريف مقالا في صحيفة "يني شفق" التركية، قال فيه إن خيار إيران الاستراتيجي هو إقامة علاقات صداقة مع دول الجوار، داعيا الأخيرة إلى تسوية خلافاتها مع إيران عن طريق الحوار والمفاوضات، وهو ما لا يتسامح مع الآليات التي تستخدمها إيران في دعم دورها الإقليمي، والتي تفرض تهديدات مباشرة لأمن واستقرار تلك الدول.

تعتبر تلك الازدواجية عنوانا رئيسيا لمجمل ممارسات هذا النظام. فعلى الصعيد الداخلي، كان لافتا أن النظام منذ تأسيسه تعمد الجمع بين متغيرات تبدو متناقضة، مثل الحرس الثوري والقوات النظامية، الإصلاحيين والمحافظين، رجال الدين والمدنيين (الأفندية)، بل إن هذه الازدواجية تبدو جلية حتى في المسمى الرسمي للدولة الذي يجمع بين الجمهورية والإسلامية.

واتجه النظام أيضا إلى تكوين مؤسسات تمتلك صلاحيات مزدوجة أو متداخلة، مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي، اللذين يتوليان سلطات تشريعية، والمرشد الأعلى ورئيس الجمهورية اللذين يمتلكان صلاحيات تنفيذية. أما على المستوى الخارجي، فكانت الازدواجية محورا أساسيا في تفاعلات إيران مع تطورات محيطيها الإقليمي والدولي، ويبدو ذلك واضحا في الفترة الأخيرة.

تدعي إيران أنها ستدافع عن السعودية في حالة ما إذا تعرضت لاعتداء خارجي، مشيرة على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في 13 من الشهر نفسه، إلى أنه "لا يوجد سبب للعداء بينهما"، رغم أن صواريخها التي تقوم بتهريبها إلى الحوثيين في اليمن تستخدم في الهجوم عليها.

ويزعم أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني أن إيران محور الاستقرار الإقليمي والأمني في المنطقة، في ظل دورها في الحرب ضد الإرهاب، رغم أنها من أهم الداعمين للتنظيمات الإرهابية، سواء من خلال المساعدات المباشرة، أو عبر تدخلاتها في مناطق الأزمات التي مثلت بيئة خصبة لنمو وتوسع تلك التنظيمات.

حرص إيران على تبني تلك السياسة المزدوجة يمكن تفسيره في إطار اعتبارات عديدة. فداخليا، لا يبدي النظام ثقة كبيرة في المكونات غير المؤدلجة حتى لو كانت مؤيدة له. على سبيل المثال، كان أحد أهداف النظام من تأسيس الحرس الثوري أن يتحول إلى مصدر حماية له في مواجهة القوات النظامية التي يتخوف من عدم ولائها له.

تراجع ثقة النظام في تلك المكونات أنتج بدوره ظواهر لافتة، مثل تركيز السلطة في أيدي نخبة دينية وسياسية ضيقة جدا، على غرار أحمد جنتي الذي يجمع بين رئاسة مجلس صيانة الدستور ومجلس خبراء القيادة، الذي أعاد انتخابه للمنصب في 13 مارس الفائت، وقبلهما إمامة صلاة الجمعة في طهران، وهو المنصب الذي استقال منه في 11 من الشهر نفسه.

وخارجيا، يتعمد النظام بصفة دائمة المزج بين متغيري المصلحة والأيديولوجيا في سياسته الخارجية، لكن مع حسم أي خلاف أو تناقض لصالح الأولى بصفة مستمرة.

ويبدو ذلك واضحا في علاقات إيران مع الولايات المتحدة، حيث لم تمنع الشكوك المستمرة التي يبديها النظام إزاء النوايا الأميركية من الدخول في مفاوضات سرية وعلنية مع ما كان يسمى بـ"الشيطان الأكبر" من أجل الوصول إلى صفقة نووية وربما صفقات إقليمية أخرى.

إصرار إيران على تبني سياسة مهادنة مع تلك التنظيمات كان مبعثه حرصها على إضعاف أي احتمالات لمهاجمة مصالحها من جانب الأخيرة، إلى جانب استخدامها في تحقيق أهدافها في الخارج وتهديد أمن ومصالح القوى المناوئة لها.

كما أن النظام يسعى من خلال تلك الازدواجية إلى توفير مروحة خيارات واسعة تساعده في التأقلم، أو بمعنى أدق التعايش مع التطورات الطارئة على الساحتين الإقليمية والدولية.

فقد دفعته الهزائم المتتالية التي يتعرض لها الحوثيون في اليمن بفعل العمليات العسكرية للتحالف العربي إلى محاولة التدخل سواء عبر مواصلة الدعم العسكري، أو عن طريق الترويج لمزاعم واهية في المنظمات الدولية وخلال المباحثات مع بعض القوى المعنية بأزمات المنطقة بهدف خلط الأوراق وإرباك الحسابات.

عولت إيران على تلك السياسة في الفترة الماضية لتحقيق مصالحها وأهدافها. لكن ذلك لا ينفي أنه مع الظروف الدولية والإقليمية الجديدة قد لا تحقق هذه الازدواجية النتائج نفسها.

فقد باتت القوى الدولية المعنية بالمنطقة مدركة بشكل كبير لخطورة الرهان على الخطاب المزدوج الذي تستخدمه إيران، بعد أن ثبت أنه لا يمثل سوى آلية تحاول من خلالها الأخيرة توسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها.

ويبدو الاتجاه الدولي الجديد لم يعد يرى الاتفاق النووي وسيلة لدعم الاستقرار في المنطقة إشارة إلى أن سياستها المزدوجة لم تخفق في تحقيق أهدافها فحسب وإنما قد تفرض تداعيات سلبية أكبر خلال المرحلة القادمة.

كما أن تلك الازدواجية لم تعد تنطلي على قطاع كبير من الإيرانيين، الذين عبروا عن استيائهم منها خلال الاحتجاجات التي اندلعت بداية من 28 ديسمبر 2017 وما زالت تظهر بين الحين والآخر، على غرار ما يحدث الآن في مناطق العرب الأهواز، بشكل يشير إلى أن الاحتقان الشعبي تجاه ممارسات النظام وصل إلى درجة غير مسبوقة قد لا يستطيع الأخير التعامل معه بنفس قواعده القديمة.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية