أزمة قطر: لماذا تشكل الإمارات هاجسا للقطريين

أزمة قطر: لماذا تشكل الإمارات هاجسا للقطريين


29/04/2018

نيرڤانا محمود

أصبح من الواضح أن أزمة قطر الدبلوماسية مع جيرانها لن تحل في المستقبل القريب.

عندما بدأ الخلاف في حزيران/يونيو الماضي، فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حظرا على التجارة وتبادل الرحلات مع قطر على خلفية اتهامات بدعم الإرهاب.

وتوقع المراقبون الغربيون أن الخلاف سيحل "حالا"، إلا أن هذا التوقعات الساذجة لم تتحقق ولا تزال الأزمة مستمرة.

هذا التحالف الذي تقوده السعودية أعلن 13 مطلبا لرفع الحظر، من بينها إغلاق قناة الجزيرة، الصوت التلفزيوني للربيع العربي، ووقف دعم جماعة الإخوان المسلمين. حتى الآن رفضت قطر تلبية هذه المطالب بل وحافظت على صلتها بالأصوليين بالرغم من طمأنتها الإدارة الأميركية بأنها عازمة على محاربة الإرهاب. ففي 11 نيسان/أبريل حل رئيس الوزراء القطري ضيف شرف على فعالية استضافها أحد أكبر ممولي الإرهاب في العالم وهو عبد الرحمن بن عمير النعيمي، وكان ذلك بعد أسابيع من قيام الحكومة القطرية بإدراجه ضمن قائمة ممولي الإرهاب.

لقد سال الكثير من الحبر على مقالات تحلل بشكل سيئ النزاع الدائر، وتدافع غالبا عن قطر وتتهم جيرانها باللاعقلانية في مطالبهم. آخر هذه المقالات نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" ويصف الأزمة القطرية بالحصار، ويشير إلى أن الأزمة "من دون معنى".

لكن مقاطعة قطر أمر عقلاني للغاية، إلا بالنسبة لمن يصرون على رؤية الأمر بوصفه توترا قبليا سيتلاشى بعد تنازلات رمزية مصحوبة بعناق ومصافحات. لكن في الواقع، الأزمة وصلت إلى منعطف خطير وانقطاع صلات، ومن غير المرجح أن تنفرج قريبا.

هناك أبعاد سياسية وأيديولوجية وحتى قبلية عديدة وراء الخلاف بين قطر وجيرانها، إلا أن جوهر الأزمة هو في الخلاف حول الرؤية الاستراتيجية. السعودية وحلفاؤها يريدون الحفاظ على الدول العربية من خطر الإسلاموية العابرة للحدود القادمة من إيران وتركيا وعملائهم في العالم العربي. وبالتوافق مع تركيا وإيران، تعتبر قطر الإسلاموية العابرة للحدود فرصة ذهبية وطريقا سريعا لفرض السطوة والنفوذ حتى لو كان الثمن انهيار دول في المنطقة.

وبدلا من الانخراط في معالجة مخاطر الإسلاموية والأصولية على الدول العربية الهشة، فضلت قطر اللجوء إلى لعبة إلقاء اللوم وتحويل القضية إلى خلاف شخصي عبر تعليقات من قبيل "الإماراتيون هم من وراء الأزمة". ولم يعد بإمكاني إحصاء عدد التعليقات التي قرأتها أو سمعتها من داعمي قطر الذين يلقون باللوم على الإمارات في هذه الأزمة.

لدى قطر تاريخ من العلاقات المضطربة مع الإمارات، لكن المقاطعة الأخيرة لقطر سببتها شكاوى مجتمعة من السعودية وجميع الدول الأخرى التي انضمت للتحالف المقاطع لقطر، وليس فقط الإمارات. مع ذلك، فإن إلقاء اللوم على الإمارات أو اعتبارها السبب الوحيد وراء الأزمة، ما هو إلا سياسة قطرية مدروسة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:

أولها هو تفكيك وحدة خصومها. فقطر تهدف إلى زرع الشقاق بين السعودية والإمارات بتصوير الإمارات على أنها شريك مخادع له دوافع خفية يمكنها أن تضر بالسعودية. وتأمل قطر في أن تنجح بذور الشك في تثبيط العزم السعودي وإنهاك المملكة نفسيا، وهو ما قد يؤدي بالتالي إلى تنازلات هامة لصالح قطر.

والهدف الثاني هو أن تكسب دعم صناع القرار في الغرب. فالدوحة ركزت الكثير من الجهود في حملة كسب ود دبلوماسية مصحوبة بضغط سياسي وإعلامي خاصة في الولايات المتحدة.

وتهدف حملة العلاقات العامة (PR) هذه إلى التشويش على الأسباب التي تقف وراء الخلاف بين قطر وجيرانها، ولتوجيه النقاش في أروقة السلطة بواشنطن باتجاه يخدم مصالح الدوحة. والهدف الأساسي هو استدراج الولايات المتحدة لمواصلة الضغط على السعودية وحلفائها للقبول بتسوية تحل الأزمة.

وثالث الأهداف هو جر الإمارات إلى موقف دفاعي. قطر تدرك جيدا أن بعض الليبراليين واليساريين الغربيين لديهم تعاطف شديد مع الإسلام السياسي، ممزوج باحتقار شديد للملوك العرب. ونجحت قطر في استغلال هذ المزيج وبدأت في تصوير نفسها بشكل زائف على أنها راعية الديمقراطية والتعددية في المنطقة على النقيض من الإمارات. وبمثل هذه التكتيكات الملتوية تسعى قطر لوضع الإمارات في موقف الدفاع عن سياساتها الإقليمية بدلا من التركيز على سياسات قطر الطائشة ضد جيرانها.

من الممكن القول إن قطر حققت نجاحا جزئيا. فبلا شك كتبت بعض وسائل الإعلام الغربية دعما لقطر متبنية روايتها التي تصور المقاطعة على أنها حصار وقد يكون ذلك نجح بدوره في الفوز ببعض الحياد من إدارة ترامب حيال هذا الخلاف.

ومع ذلك، فإن قطر فشلت في زرع الشقاق بين السعودية والإمارات وفشلت في تثبيط عزم التحالف، فلا يزال التحالف مصرا على تنفيذ المطالب الـ 13 التي وضعها أمام قطر.

قد تكون هناك اختلافات بين السعودية والإمارات في السياسات والرؤية إلا أن كلتاهما تفهم أن أي تنازل يقدم لقطر لن يقوي فقط جارتهم الصغيرة المخادعة، بل سيفتح كذلك الباب على مصراعيه للملالي والعثمانيين كي يسقطوا الدولتين ويسيطروا على المنطقة بالكامل.

المثير للدهشة أن هذه الحقيقة البسيطة غائبة عن النقاش في واشنطن.

عن "الحرة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية