قرى "المنيا": جند الله في المعركة الخطأ

مصر والإرهاب

قرى "المنيا": جند الله في المعركة الخطأ


08/03/2018

عام 1993، صدحت مآذن الجماعة الإسلامية المسيطرة على قرى محافظة المنيا بأنّ وقت إقامة الشريعة الإسلامية قد آن، ثمّ ما لبث الجناح الدعوي للجماعة "هيئة الأمر بالمعروف" أن أعلن إنشاء المحكمة الشرعية لمحاسبة المخالفين للشريعة. دشّنت الهيئة محكمتها في الساحة المقابلة لمسجد الرحمن، في حي "أبو هلال"، في قلب مدينة المنيا، الذي تسيطر عليه الجماعة الإسلامية حتى الآن، ومنه خرج أشهر قادتها؛ عصام دربالة، وصفوت عبد الغني، وكرم زهدي، وعاصم عبد الماجد، وآخرون.

عصام دربالة

دعوات أمراء الجماعة لإقامة الخلافة الإسلامية في قرى الصعيد لم تكن وليدة اللحظة، بل امتدت جذورها إلى أعوام خلت، عندما التحقت مجموعة من أبناء المنيا بجامعة أسيوط لدراسة الطب عام 1975.

علي راتب.. قتيل ثأر لم تمحه الأعوام

في قرية "تندة" بمركز ملَّوي، التابع لمحافظة المنيا، سقط عضو الجماعة الإسلامية المصرية، علي راتب، عام 2013، قتيلاً برصاصة في الرأس، ووجدت جثته ملقاة على الطريق.

قُتل عضو الجماعة الإسلامية، بعد خروجه من السجن بفترة قليلة، طلباً للثأر من عائلة في المنيا سبق أن قتلت الجماعة أحد أبنائها قبل 24 عاماً، ظنّاً منهم أنّه أرشد عليهم قوات الشرطة، فانتظروه أمام منزله، وحين شاهدوه أمطروه بوابل من الرصاص، حتى يكون عبرة لكلّ من يسعى إلى الخروج عن طاعة أمراء الدولة الإسلامية الوليدة في جنوب مصر.

لم يكن علي راتب يتخيّل أنّ أحداً سيقف في طريق عضو الجماعة التي حكمت إمارات الصعيد الإسلامية

علي راتب، لم يكن يتخيّل حين وضع قدميه في قريته مرة أخرى، بعد أعوام من الاعتقال، أنّ أحداً في القرية سيقف في طريق عضو الجماعة التي حكمت إمارات الصعيد الإسلامية لأعوام، في تسعينيات القرن الماضي، ربّما تذكّر، عندما أوقفه طالبو الثأر، كيف كانت سطوتهم قبل عقدين من الزّمن، وكيف كان الناس يهابون فرقة "الشواكيش"، التي أسّستها الجماعة لتطبيق حدود الله على المخالفين في قرى المنيا، تلك الفرقة التي تزعّمها، في بدايتها، أمير الجماعة الإسلامية في المنيا علي عبد الفتاح؛ الرجل الذي يتداول أهل المنيا الأساطير حول قوته حتى الآن.

ربما تذكّر أيضاً كيف خرج من المنيا قادة الجماعة الإسلامية الذين حكموا الصعيد لأعوام، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من إحكام السيطرة عليه، أثناء أحداث 8 تشرين الأول (أكتوبر) 1981، التي قام بها أمراء الجماعة في الصعيد، بعد يومين فقط من اغتيال تنظيم الجهاد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، عندما قرروا القيام بثورة إسلامية تبدأ من جنوب مصر، على غرار الثورة الإسلامية في إيران.

غير أنّ علي راتب، الذي خرج من السجن بعفو رئاسي، في فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر، قتل قبل أن يدرك أنّ موازين القوى تغيّرت، وأنّ من كانوا يظنّون أنّهم جند الله، لم يكونوا سوى جند الله في المعركة الخطأ.

أرشيفية

الجماعة الإسلامية

اضطُّر طلاب الإخوان المسلمين في مصر للعمل تحت مسمَّى "الجماعة الإسلامية" في الجامعات، في أوائل سبعينيات القرن الماضي؛ خوفاً من ملاحقات الدولة، غير أنّ تلك المخاوف تلاشت سريعاً، بعد مساعي السادات من أجل تحجيم قوى اليسار المصري، وكانت نتيجة ذلك إعادة جماعة الإخوان للمشهد مرة أخرى، في تلك اللحظة التي أعلن الإخوان عودتهم من جديد.

رفض طلبة كليات الصعيد العمل تحت مسمى آخر، غير مسمى "الجماعة الإسلامية"، وانفصلوا بإدارة الصعيد، ليبدأوا في غزل أولى حلقات الخلافة الإسلامية التي يحلمون بها.

تدارك أعضاء الجماعة الإسلامية في السجن الأخطاء التي وقعوا فيها سريعاً، لتعود الجماعة إلى العمل عام 1990

صلاح هاشم، الرجل الذي أسّس لنشاط الجماعة الإسلامية في الصعيد، بدأت رحلته مع الجماعة في جامعة محافظة أسيوط، ثم توسّع نشاطه عامي 1974 و1975؛ حينما حضر إلى جامعة أسيوط عدد من شباب محافظة المنيا للدراسة في كلية الطبّ، وهم: أحمد عبد الفتاح، ومحمد صلاح، ومحمد فتحي، ومحمد علي، وجمال عطا الله، وسعد عبد اللطيف، وحمدي الصغير، وكانوا حريصين على حضور الحلقات التي يعقدها هاشم داخل المدينة والكليات.

وخلال عامي 1975 و1976؛ انضمّ آخرون من المنيا، وأصبحوا بعد ذلك من أبرز قادة الجماعة الإسلامية الحاليين، مثل: الشيخ كرم زهد، وأسامة حافظ.

انتشرت دعوة الجماعة الإسلامية في المنيا سريعاً، وقد سبق أن مهّدت لها جماعة الإخوان المسلمين، التي أسّست الشعبة الأولى لها في المحافظة قبل عام 1937، في قرية "سنجرج" التابعة لمركز ملوي، وكان حسن البنا، مؤسس الجماعة، يواظب على زيارة المنيا ومعظم قرى الصعيد بشكل سنويّ؛ حيث زارها أول الأمر عام 1937، ثمّ تكرّرت زياراته لها عام 1939.

أمراء المنيا

كانت مقابلة كرم زهدي، عضو الجماعة الإسلامية، مع محمد عبد السلام فرج، نقطة تحوّل مهمة في تاريخ الجماعة، وأيضاً في تاريخ منظومة الجهاد العالمي؛ ففي ذلك العام تأسّس "تنظيم الجهاد"، الذي نفّذ عملية اغتيال أنور السادات، بعد تحالف أمراء الجماعة الإسلامية في الصعيد، ومجموعات الجهاد المصرية.

قامت خطّتهم من أجل إنشاء الدولة الإسلامية في مصر ذلك الوقت، على أن تغتال مجموعات الجهاد في القاهرة الرئيس المصريّ آنذاك، محمد أنور السادات، تزامناً مع تحرّك أمراء الجماعة الإسلامية في قرى الصعيد لمهاجمة مراكز الشرطة ومديريات الأمن والسيطرة عليها، وبعد السيطرة على مخازن الأسلحة داخل أقسام الشرطة، تتحرك المجموعات المقاتلة داخل بقية قرى الصعيد، ومنها تقود الثورة في بقية مصر، وكان لآمرء الجماعة في المنيا نصيب الأسد في تنفيذ تلك العملية.

ورغم أنّها باءت بالفشل، ولم تستطع السيطرة على المحافظة غير بضع ساعات، إلّا أنّ الأجيال اللّاحقة من أبناء الجماعة عدّوا الحادث مجداً يضاف إلى الرعيل الأول المؤسّس للجماعة، ويتّضح ذلك جلياً من مذكرات عضو الجماعة الإسلامية السابق خالد البري، الصادرة عن دار "ميريت" في القاهرة، بعنوان "الدنيا أجمل من الجنة"، وكيف أشار البري إلى أنّهم كانوا يعظّمون بشدة من قاموا بتلك المحاولة؛ حيث أطلقوا عليهم لفظة "الرعيل الأول"، تيمناً بصحابة الرسول، ذلك الإجلال والتعظيم دفع الأجيال اللاحقة للدعوة بالحكم بالشريعة في قرى محافظة المنيا، بعد مرور 12 عاماً على أحداث 1981، تحديداً عام 1993.

غزوة الصعيد

استخدم أمراء الجماعة الإسلامية في الصعيد، بعد الاستيلاء على المراكز الرئيسة المحددة في الخطة، مكبرات الصوت في المساجد، لحثّ الجماهير على الانضمام للثورة الإسلامية، ثم تعبئتهم بعد إعطائهم السّلاح، والانتقال بهم إلى المحافظات المجاورة للسيطرة عليها، وقد نجح عناصر الجماعة في الاستيلاء على مديرية الأمن، وقسم ثان، وتمّ توزيع السلاح على باقي أفراد المجموعة، وقطع الطريق الجنوبي للمدينة أثناء الاشتباكات.

عاصم عبد الماجد

أُصيب من أبناء المنيا؛ عاصم عبد الماجد بثلاث رصاصات هشّمت إحداها ركبته، فتولّى قيادة المجموعة فؤاد الدواليبي، وهو من أبناء المنيا أيضاً، وانسحب بها من مديرية الأمن عائداً إلى قواعده في الجبال، والقرى المحيطة بأسيوط، بينما تمّ القبض على عبد الماجد من مستشفى أسيوط الجامعي أثناء تلقيه العلاج.

كما انسحبت بقية المجموعات، إثر إصابة معظم عناصرها؛ إذ بُترت يد عصام دربالة، ابن قرية دير عطية بمركز ملوي، بعد أن تأخّر في إلقاء القنبلة على قوات الشرطة؛ لأنّه رأى مدنيين في المكان فخشي عليهم، بحسب رواية دربالة للحادث.

تدارك أعضاء الجماعة الإسلامية، في السجن، الأخطاء التي وقعوا فيها سريعاً، وبدأوا في تهيئة صفوفهم مرة أخرى، لتعود الجماعة إلى العمل من جديد بكامل قوّتها، عام 1990، منتشرة في جميع محافظات مصر، غير أنّ صراعها الممتد مع الدولة لأعوام عدة، انتهى بحادث مدينة الأقصر، الذي قتلت فيه الجماعة عشرات السائحين، ممّا دفعها لإعلان مبادرة وقف العنف، وكان القادة المتصدرين للمبادرة جميعهم من محافظة المنيا، عدا ناجح إبراهيم، ابن محافظة أسيوط.

دلجا

عادت قرى المنيا إلى صدارة المشهد من جديد، بعد أحداث حزيران (يونيو) 2013، بداية من مواجهة أبناء قرية دلجا لقوات الشرطة المصرية، واستقلالهم بحكم القرية لعدة أسابيع، مروراً بالأحداث المتتالية التي نفذتها جماعات دينية متطرفة على الكمائن الشرطية، والكنائس، والأديرة، على الظهير الصحراوي الغربي للمحافظة، مثل  حادث استهداف زوّار دير "الأنبا صموئيل" بمركز العدوة، مروراً باستهداف كمائن واحة الفرافرة، نهاية بحادث الواحات الذي راح ضحيته نخبة من أبرز ضباط العمليات الخاصة في الشرطة المصرية، بعد معركة قادها تنظيم "المرابطون" الموالي لتنظيم القاعدة بقيادة هشام عشماوي.

الصفحة الرئيسية