الإخوان وتفجير الإسكندرية: القنبلة في مواجهة الصندوق

مصر والإرهاب

الإخوان وتفجير الإسكندرية: القنبلة في مواجهة الصندوق


25/03/2018

يتصاعد إيقاع دقات طبول الحرب في فضائيات جماعة الإخوان المسلمين، كلما أوشكت الانتخابات الرئاسية في مصر على الاقتراب كأنّها معركة النزع الأخير، في مواجهة عبثية مع إرادة الشعب الذي حسم أمره بألا رجعة أبداً إلى تخلف الظلامية.

من اسطنبول إلى صحراء سيناء

في استوديوهات اسطنبول الباردة يرتجل معتز مطر، على فضائية "الشرق" المعادية للدولة المصرية، مرتدياً ربطة عنق وبذلة فاخرة أنيقة، متشنجاً كما هي عادته، يحذر المصريين من النزول للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية: "الزم بيتك أنا لا أطلب منك سوى ذلك، إنّها مسألة بسيطة وسهلة".

العام الماضي خرج مجدي شلش أحد قادة الجماعة ليؤكد أنّ السلمية ليست ثابتاً من ثوابت الجماعة

وفي صحراء سيناء القاحلة، يطل بالتزامن أبو سليمان الداعشي، بشعره المسدل على كتفيه، ولحيته المخضبة بالحناء البنية، حاملاً سلاحه على كتفه، كأنّه يرتدي قناع الشبح المخيف، ويحذّر هو أيضاً كما حذّر "مطر" من قبل، ويطيح بكلتا يديه، ويرفع سبابته في وضعية التحذير والتنبيه: "إن طواغيت مصر يعدون هذه الأيام ليوم شركهم، يوم الانتخابات فأفسدوا عليهم يوم شركهم، وأريقوا دماءهم، وابدأوا برؤوس الكفر فيهم"..

معتز مطر

مبايعة الاستقرار والبناء

بدأت عملية الاستحقاق الانتخابي في الخارج، وتقاطر المصريون على صناديق الاقتراع، لا  لتغليب كفة مرشح على آخر، بل لإرسال رسالة للعالم أجمع أن الإصبع الذي يوقع بالأحمر على كشوف الناخبين، إنما هو في واقع الأمر صك يمنحونه لشرعية النظام، وأن اليد التي ألقت الوريقة في الصندوق، هي يد ضمن أياد تمتد لتعلو فوق أخرى لتبايع الاستقرار، وإنقاذ الدولة ثم الشروع في إعادة بنائها.

كان لفضائية "الجزيرة" القطرية رأي آخر؛ إذ طرحت قبل الانتخابات الداخلية بيومين سؤالاً موقعاً بصِبغة دموية: "هل سيتجه الإخوان المسلمون إلى العنف بعد أن اكتشفوا أنّ "سلميتهم ليست أقوى من السلاح"؟"، جاءت الإجابة بعد ساعات وانفجرت عبوة ناسفة أثناء مرور موكب لمدير أمن محافظة الإسكندرية، شمال مصر، لتودي بحياة شرطي وتصيب آخرين.

إقحام "داعش" نفسها بالمشهد الانتخابي خدمة لمشروع الإخوان في إرباك المشهد السياسي المصري

لكن الإجابة كانت سابقة على التساؤل؛ ففي العام الماضي خرج مجدي شلش، أحد قادة الجماعة، ليؤكد أنّ السلمية ليست ثابتاً من ثوابت الجماعة؛ إذ إنّها تحمل في هذه المرحلة شعاراً آخر "سلميتنا أقوى بالرصاص"، وأنّ غالبية الجماعة ذهبت لاختيار العمل النوعي "المسلح"، في معركتها مع النظام المصري.. فما معنى استبيان الجزيرة إذن؟

العام الماضي خرج مجدي شلش، أحد قادة الجماعة، ليؤكد أنّ السلمية ليست ثابتاً من ثوابت الجماعة

خشية إخوانية من صفعة جديدة

لاحت خسارة الإخوان في معركتهم هذه أيضاً، وبانت مظاهر نجاح العملية الانتخابية مبكراً، وفشل الإعلام الإخواني بالخارج في التأثير على إرادة المصريين، الذين ملأوا شوارع "المحروسة" كلها، بمؤتمرات داعمة لرئيس الدولة، وزينوها بصوره التي ملأت كل الأرجاء.

يفهم الإخوان المسلمون دلالة ذلك جيداً، ولذا فهي تخوض حرباً ضروساً حتى لا يخرج المصريون في الاستحقاق الانتخابي المقبل، وهي في سبيلها لذلك تحث الناس على عدم النزول الذي يعطي شرعية للنظام المصري، حتى تسوّق ذلك دولياً على أساس أنّ مجرد انسحاب الأغلبية من التصويت يعني عدم رضا الشعب عن الأوضاع الحالية.

بصمات عملية الإسكندرية تقترب من التنظيمات الإرهابية المنبثقة عن جماعة الإخوان وخاصة "لواء الثورة" و"حسم"

لكن الجماعة انتابها الشك في ذلك، وخشيت من أن تنال صفعة جديدة بخروج المصريين المؤيدين لثورة الــ30 من يونيو، ولسياسات الرئيس عبدالفتاح السيسي، فكان لا بد من دخول أداة العنف المتوحشة "داعش" على الخط، علها تستطيع بمزيد من الإرهاب والدم منع أفواج المصريين من النزول للتصويت في مراكز الاقتراع.

وإلا فماذا تستفيد "داعش" من إقحام نفسها في المشهد الانتخابي الذي لا يعني في أدبياتها التكفيرية شيئاً ذا قيمة، في إقامة ذلك "الماراثون" أو منعه، إلا خدمة مشروع الإخوان المسلمين وخطته في إرباك المشهد السياسي المصري.

 

 

داعش والإخوان .. أهداف مشتركة

لم يتبنّ أحد عملية الاسكندرية حتى الآن، إلا أنّ تنظيم "داعش" سارع بالإعلان عن الخبر في قناة "مؤتة" التابعة له على "التليغرام"، تزامن ذلك مع احتفاء صفحة "إعلام المقاومة" التابع لجماعة الإخوان بالحادث الفاشل، وذهب ليروج له.

بصمات الفاعل تقترب من التنظيمات الإرهابية المنبثقة عن جماعة الإخوان، وخاصة تنظيمي "لواء الثورة" و"حسم"، إلا أنّ اللافت هو أنّ بدء تلك التنظيمات لسلسلة من العمليات الأقل شراسة، يتبعها بعد ذلك عمليات لـ"داعش" الأكثر دموية، وكأنّ الأولى تمهد للثانية.

في الآونة الأخيرة أكثرت "داعش" من نشر تحذيراتها للمصريين في عدم الاقتراب من المقرات الانتخابية التي اتخذتها هدفاً لها، حتى أنّها دعت السكان القاطنين بجوار تلك المقرات لترك منازلهم في مدة الــ3 أيام المخصصة للتصويت.

تمثّل تجربة الإرهاب في العراق تحديداً مصدراً للمحاكاة لدى الجماعات الإرهابية الناشطة في مصر

كانت لدى الأجهزة الأمنية المصرية معلومات تفيد ذلك، فذهبت لتقليم أظفار التنظيمات، في الأيام الأخيرة وباتت مهيضة الجناح محاصرة، تعاني من ضربات قوات إنفاذ القانون، إلا أنّ جماعة الإخوان تراهن على الخوف والترهيب في منع الناس من النزول للشارع.

لم تعِ الجماعة دروس الماضي، كعادتها دائماً، فقد راهنت على تخويف المصريين بجسدها التنظيمي المترهل منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، إلا أنّ ذلك لم يكن نتاجه سوى التصدي والتحدي من جانب المصريين وحصارهم ووأد مشروعهم الأَنَوي التوسعي.

ولم ينجح عاصم عبدالماجد، بلحيته الكثة، وجسده العريض، وصوته الجهوري، وتاريخه الدموي، حين زجّ به الإخوان على شاشات الفضائيات ومنصة رابعة، في إطلاق التهديد والتلويح بالخنجر والكلاشنكوف في وجوه المصريين، من الخروج عليهم وملء الميادين بصدورهم عارية حتى إسقاط حكمهم، لقد خاب الإخوان وخسروا كما خابوا وخسروا من قبل.

قد فعلت "داعش" كل ما في وسعها في العراق، الذي كان يئن بانقسامات طائفية وعرقية، وذهبت لتفجير عدد من مراكز الاقتراع حتى لا تتم العملية الانتخابية، إلا أنّها تمت وآل في النهاية إلى فلول في الجبال والصحاري، بيد أنّ تلك الجماعات لاقت فشلاً ذريعاً في الدولة المصرية، التي تمتاز بسبيكتها الوطنية، وميلها للسلم المجتمعي، وابتعادها عن الطائفية والمذهبية.

محاولة محاكاة الوضع العراقي

ليطوّح الإرهابي "أبو سليمان" بيديه وسبابته في الهواء كما يريد: "ما عاد يخفى على أحد أن الانتخابات هي الشرك الأكبر، ما جرت عليكم إلا الذل والقهر عقوبة من الله"، فإذا كانت الانتخابات "حراماً وشركاً بالله" كما يزعم، فما هي إذن الوسيلة لتعبير الشعوب عن رأيها في حكامهم؟! هل الإيمان هو مبايعة أبو بكر البغدادي الإرهابي الذي تسبّب في قتل آلاف البشر، وآل به المطاف إلى الهروب والتخفي بين سراديب الظلام!

تمثّل تجربة الإرهاب في العراق تحديداً مصدراً للمحاكاة لدى الجماعات الإرهابية الناشطة في مصر، تتبع خطواتها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، علينا نحن فقط رصد المتوقع قبل أن يقع، وإلا فيصبح لدينا إشكال في الوصول إلى تشريح كامل للعقل الإرهابي المسرطن الذي يسرح بأفكاره وتوحشه في بلادنا.

كلها خطط عبثية تعكف عليها مخابرات دول معادية وقادة إرهابيون متمرسون في إفشال الدول

سواء أكانت المحاكاة مخططاً لها بدقة وعناية، عبر  جلاوزة الدم، أم كانت تمثلاً من جانب تلك المجموعات والأفرع الموالية للرأس هناك، فلا يمكن التغافل عن التشابه في الفعل والأداء الجسدي، بمجرد النظر إلى عدد من المشاهد هنا وهناك يكشف أوجه التشابه؛ فمن الدواعش الذين قتلوا سائقي الشاحنات السوريين على الطريق الدولي الرابط بين العراق والشام، إلى قتل سائقي الشاحنات المصرية في وسط سيناء.. هو الإجرام ذاته.

فإذا كان الرأس في العراق قد اتبع نهج ضرب النقط الأضعف اجتماعياً في جسد الدولة، باستهدافه الطائفة الشيعية، فإنّه لا شك سيذهب للبحث عما يشابهه في الحالة المصرية، فيجد ضالته في الأقباط، أو حتى الطرق الصوفية، وإذا جرب الرأس من قبل استهداف المقار الانتخابية، فكان من المتوقع أن الموالين لهم هنا سيخططون لاستهدافها.

كلها خطط عبثية تعكف عليها مخابرات دول معادية وقادة إرهابيون متمرسون في إفشال الدول، لكن يثبت شعب مصر بخيريته الفطرية، كما هو دأبه دائماً، أنّ إصراره على الحياة وإرادته في المقاومة أقوى من كل هذا الشر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية