إسلامي وعلماني يتوافقان على أهمية عدم تدخل الدين في شؤون الدولة

العلمانية والدين

إسلامي وعلماني يتوافقان على أهمية عدم تدخل الدين في شؤون الدولة


22/11/2017

اتّفق إسلامي وعلماني على أهمية ألا يتدخل الدين في شؤون الدولة، خلال مناظرة استعادت الجدل حول العلمانية، كمفهوم أو مظهر حضاري، وجرى خلالها التطرق لتجربة الإسلام السياسي مقابل الدولة المدنية، في ضوء تجارب الحكم في تونس ومصر في أعقاب "الربيع العربي".

ففي الندوة التي عقدت مساء الثلاثاء، الحادي والعشرين من الشهر الجاري في رابطة الكتاب الأردنيين، تحت عنوان "مناظرة العصر: حوار حول العلمانية" وأدارها الشاعر موسى حوامدة، قال المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن سالم الفلاحات إنّ "دولة مدنية تحتمل العلمانية بالفهم الغربي لها، تعد نموذجاً مقبولاً لدولة تتحقق فيها العدالة ومبدأ السلطة للشعب وكافة حقوقه بالعبادة والتعامل والثقافة وممارسة العمل السياسي"، أما التطبيقات العربية للعلمانية، فإنّ الفلاحات تحفظ عليها، معتبراً أنّها تتحرك دوماً باتجاه مضادٍ للدين أو "نقيض له".

الفلاحات: الإسلام لا يجب أن يتدخل اليوم بالتفاصيل المتجددة والحديثة لإنسان هذا الزمان والمكان

وواجه الفلاحات، في الندوة، رئيسُ قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية سابقاً، ورئيس رابطة الكتاب سابقاً، الدكتور أحمد ماضي. لكن هذه المواجهة المفترضة، سرعان ما تحولت إلى تفاهم وإشادة من قبل كل طرفٍ تجاه الآخر، على اعتبار أنّ موقف الفلاحات اعتُبر  متقدماً على الإسلاميين في الأردن، والإسلام السياسي بشكل عام.
هذا التوافق جاء ببساطةٍ متجاوزاً لخطاب الفلاحات المتناقض، الذي أشار خلال حديثه إلى أنّ "نموذج الدولة المدنية يمكن الاهتداء إليه من خلال تجربة وثيقة المدينة المنورة (قبل 1400 عام) التي ضمت تحت جناحها طوائف وأعراقاً مختلفة"، ثم اتجه الفلاحات فيما بعد ليقول: "حتى يكون الإسلام صالحاً، لا يصح أن يتدخل في التفصيلات اليومية وحاجات الإنسان الحديثة والمتجددة اليوم، ذلك أنّني كمسلم لا يمكن أن أفهم هذا الدين الذي مضى عليه 1400 سنة إن كان يتدخل في التفصيلات؛ لأنّ التفصيلات كثيرة وغير متناهية".
الحرية ضمن أطر الإسلام
واتجه الفلاحات لسوق أمثلة تاريخية، نقلية، من تجارب "الدولة الإسلامية" في قرونٍ ماضية، كمبدأ الشورى، والحرية ضمن أطر ونصوص الإسلام، معتبراً أنّها كمفاهيم عامة، تجعله لا يختلف مع العلمانيين إذا تحققت هذه المبادئ كأرضية مشتركة بين الطرفين.
ورغم الجدل والخلاف القائمين حول "تطبيقات مبدأ الشورى" وغيره من مبادئ، ومدى صلاحيتها ومدى تحققها في المجتمعات الحديثة، وكمثال، يمكن ذكر التجربة المصرية لحكم الإسلاميين إبان وصول محمد مرسي للسلطة عام 2012، والتي أودت بمصر لشبه احترابٍ أهلي في حينه، إلا أنّ إجابة الدكتور أحمد ماضي تجاوزت هذا المحور، وذهب ماضي للقول إنه سعيد بما قاله الفلاحات، لكنه "يسعى بفهمه للعلمانية، إلى دولةٍ مدنية ديموقراطية، عربية، بأفق إنساني، تعطي حرية تقلد المناصب للمواطن وتمنحه حقوقاً متساوية بغض النظر عن دينه وجنسه".

ماضي: العلمانية تعني دولة مدنية عربية بأفقٍ إنساني ولا تدعم واحداً منهم على حساب الآخر

وأكد ماضي أنّ "الدين متروك ليلعب دوره في المجتمع، لكن لا يجب أن يتدخل بشؤون الدولة"، غير أنّه لم يوضح مثلاً، المعوقات في وجه مشروعه هذا، التي رسخها الإسلام السياسي لأعوامٍ طويلة من خلال توظيفه الدين كأداةٍ سياسية في المجتمع، وكان بإمكانه الإشارة إليها من خلال الخطاب المتناقض للفلاحات، الذي استعار نماذج تاريخية لحلول الدولة المدنية، ثم ناقض هذا النقل، بقوله "إنّ الإسلام لا يجب أن يتدخل اليوم بالتفاصيل المتجددة والحديثة لإنسان هذا الزمان والمكان".
 

جانب من الحضور(حفريات)

ندوة توافقية وخلط في المصطلحات
ولم تخلُ المناظرة، التي تحولت إلى ندوةٍ توافقية من الخلط في المصطلحات والتجاوز عن انتقاد ما وصلت إليه التجارب العربية، من تطبيقات "أو محاولة تطبيق" للنماذج الإسلامية أو العلمانية في الحكم أو المجتمع؛ حيث لم يتبين الفرق في معنى العلمانية عن الدنيوية، والمدنية عن اللائكية "عدم تدخل الدين والدولة بشؤون بعضهما"، باعتبار أنّ ماضي والفلاحات يمثل كل منهما طرفاً، أحدهما "علماني"، والآخر "إسلامي"، كأنهما يمثلان الحالة المثالية لكل مصطلح!
"حفريات"، وجهت سؤالاً للفلاحات؛ حيث طلبت منه إبداء رأيه في تجربة الإسلام السياسي مع المجتمع والسلطة خصوصاً في مصر وتونس إبان "الربيع العربي"، وقبله بسنوات في السودان والجزائر، وتلخصت إجابة الفلاحات في أنّ "هناك أخطاء ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين، يجب أن تخضع للمراجعة، وأنّ تسييس الدين يشكل خطراً في أحد جوانبه خاصة باستغلال أنظمة الحكم له كأداة، لكن المشكلة تكمن في عدم تطرق المنظرين والسياسيين العرب إلى تجارب الآخرين من يساريين وعلمانيين وغيرهم، والتركيز على نقد وذم تجربة الإسلاميين فقط".
وبسؤال حفريات للدكتور ماضي عن مصطلح العلمانية، وإمكانية توضيح المصطلح الذي يتخذه الإسلاميون عدواً أو طرفاً مواجهاً، أو يطالبون بتغييره مثلما طالب الفلاحات بتغييره، أجاب ماضي أنّ "العلمانية مصطلح ضيق، يمكن الاهتداء إليه في ظل الدولة المدنية، التي تضمن للجميع حقوقهم دينياً وثقافياً ومدنياً، ولا تدعم واحداً منهم على حساب الآخر".

لم تخلُ المناظرة من الخلط في المصطلحات والتجاوز عن انتقاد ما وصلت إليه التجارب العربية من تطبيقات الإسلام والعلمانية

وركز كل من الفلاحات وماضي، على ضرورةِ الأخذ بالإيجابيات من تجربة كل طرف، ومحاولة الاستفادة منها لدى الطرف الآخر، وذلك كمحاولة لتوصيف رؤية مستقبليةٍ أقل خلافاً وتمزقاً.
الحضور بدوره، أبدى آراء مختلفة، كان أغربها حديث أحدهم عن وجود "مجموعة أهلية" كما قال "لمواجهة خطر العلمانية والإلحاد"، فيما اتجه آخر للقول إنّ الإسلاميين في بداية "حراك الربيع العربي"، ما كانوا ليتحدثوا باللغة "المعتدلة" التي يتحدث بها الفلاحات اليوم، فيما قال آخرون إنّ الندوة تفضي إلى حالة توافق تعزز قيم الديمقراطية من خلال حوارٍ عقلاني بين الإسلاميين والعلمانيين.
وبشكل عام، لم تتوضح التباسات العلمانية كمصطلح، أو كتطبيق من خلال توظيفها "كعدوٍ للإسلاميين في مراحل تاريخية عديدة عربياً"، كما لم يتم التطرق بوضوح إلى تجربة الإسلاميين في المجتمعات العربية، وما قادت إليه من استقطاب في السياسة والثقافة الاجتماعية وادعاء امتلاك حقوقٍ مقدسةٍ تخولها وحدها حكم المجتمع، وهو ما جعل باقي التجارب قاصرة عن تطبيق برامجها؛ حيث انشغلت الساحة الفكرية العربية لسنوات، بالسجال بين النماذج الدينية وغيرها، بدلاً من أن تقوم بممارسة واقعية لبرامجها، وهو ما جعل الأطراف تتمسك برؤيتها الخاصة ضمن حالتي الدفاع والهجوم، حتى تشابهت على اعتبار أنّ كلاً منها ترى أنّها هي وحدها الحل، وليس من حلٍ آخر سواها.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية