أحد قادة مراجعات الإخوان في السجون: هكذا غيرت الزنزانة أفكاري

أحد قادة مراجعات الإخوان في السجون: هكذا غيرت الزنزانة أفكاري

أحد قادة مراجعات الإخوان في السجون: هكذا غيرت الزنزانة أفكاري


28/03/2024

استعصت جماعة الإخوان المسلمين، على إجراء مراجعات ذاتية لأفكارها منذ نشأتها، رغم تعرضها لنكبات قصمت ظهر التنظيم وكشفت أوراقه، لكنها لم تعترف يوماً بخطأ ارتكبته؛ بل قامت بتغطية هذه الأخطاء التي وصلت حد القتل، بحزمة من التبريرات، التي طالما أقنعت غالبية أنصارها.

وبرعت الجماعة في صك الشعارات الزائفة، التي تحولت بمرور الزمن، إلى قوة مستلبة لعقول عناصرها، فبات السجن أحق بمن فيه من مسجوني الجماعة.

يتحدث في هذا الحوار لـ"حفريات" عماد علي، أحد كوادر الإخوان الذي رفع لواء "المراجعة والتصحيح" داخل السجون المصرية، باسطاً تجربته في كسر أغلال الشعارات التي حالت بينه وبين عمليات التفكير والتدبر، وتشريح التركيب العقلي والوجداني لقادة الجماعة، الذين يصارعون لوأد صيحات التساؤل والرغبة في فهم أسباب ما جرى، مستخدمين في ذلك أساليب لتشويه من يحاول فتح باب النقد الذاتي.

وفيما يلي نص الحوار:

صكت الجماعة شعار "عمر السجن ما غير فكرة"، وتحول الشعار مع الوقت لقوة قاهرة لنفوس الكثير من شبابها، لكن متى بدأت فكرة تصدّيك لهذا الشعار، وكيف بدأت فكرة المراجعة؟

عدم القدرة على التفرقة بين الثوابت والمتغيرات، يحدث خللاً لدى البعض في فهم هذا الشعار؛ فالثوابت لا تتغير، أما المتغيرات، فهي بطبيعتها خاضعة لعوامل الزمان والمكان، وتختلف باختلافهما وترتبط بتغير الظروف والوقائع المحيطة، وترسيخ هذا المعنى عند الإخوان المسلمين يأتي نتيجة لعدة أسباب؛ السبب الأهم منها هو اعتقاد الإخوان أنّهم يمثلون الإسلام وأنّ فهمهم للدين هو الفهم الصحيح، وأنّهم هم الحق المطلق، وكل ما عداه باطل، ولا يرون أنّهم مجرد أناس لهم رؤية وفهم معين للدين قد يصيب وقد يخطئ، وهذه القناعة رسخها حسن البنّا منذ البداية في عقول وقلوب الإخوان وتربوا عليها وأصبحت عندهم حقيقة مطلقة.

وكان البنّا قال العام 1945 في مؤتمر رؤساء المناطق: "نحن الإسلام أيّها الناس، فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا كما يعرف نفسه ". ومما يترتب كذلك على ترسيخ هذه القناعة –أنّ الإخوان يمثلون الحق المطلق– هو غلق كل باب دون التفكير والمراجعة والنقد الذاتي؛ لأنه هنا تختفي المساحة الفاصلة بين الدين وبين التنظيم ويحدث خلط عجيب يؤدي إلى رفض الاعتراف بالخطأ؛ لأنه بذلك يمثل اعترافاً بقصور في الدين ذاته، وهذا لا يمكن الاعتراف به. وبالتالي يرى الإخوان أنّ تغيير الأفكار أمر مرفوض ويمثل تنازلًا وهذا سبب الاعتقاد بأنّ "عمر السجن ما غير فكرة" شعار لا يمكن التنازل عنه.

متى كانت نقطة الصفر لانطلاق قطار المراجعات؟

بداية التغيير عندنا – كفريق أجرى مراجعات – كانت عندما نزعنا من عقولنا الهالة القدسية التي يحيط الإخوان بها فكرتهم، وبدأنا نرى أنّ هذه الفكرة لا تمثل الحقيقة المطلقة؛ بل يجب أن يجري عليها من التغيير الكثير؛ لأن التجربة أثبتت فشلها وعدم واقعيتها، كما طرأت متغيرات كثيرة بعد "البنّا"، وظهرت أفكار أخرى مخالفة لأفكاره، جديرة بالنظر والدراسة، وبالتالي رأينا أنّه لا بد للإخوان من إجراء مراجعات شاملة وحقيقية لا تقف عند حدود الممارسات السياسية فحسب؛ بل تتعدى ذلك إلى الوصول للأفكار الرئيسية التي تقوم عليها الجماعة، وأن تتناول مشروع الإخوان الأساسي الذي وضعه البنّا.

يصنف البنّا الناس تجاه الإخوان إلى أربعة أصناف: مؤمن بالفكرة، متردّد، نفعي، متحامل، وكأنّ الإخوان هم محور الكون

وعندما وجدنا أنّ الإخوان جماعةٌ لا تعترف بخطأ، ولا ترى مبرراً للمراجعة؛ بل وتراها تفريطاً وتنازلاً، وترفض في الباطن فكرة المراجعات، وتسد الطريق أمام أي محاولات فردية لذلك حتى لا ينتهي الأمر باتهام القيادات التي كانت تدير المشهد ومساءلتها باعتبارها سبباً رئيسياً لما وصلت إليه الجماعة من مصير؛ فقد اتخذنا قرارنا بالاستقلال عن الجماعة، والخروج النهائي منها وإجراء هذه المراجعات بشكل فردي بعيداً عن هيمنة التنظيم واستبداده.

ترهّب الجماعة أعضاءها بمقولات مثل "المتساقطون على طريق الدعوة"، و "المفتونون"، تُطلقها في مواجهة من يطالب بتغيير الأفكار وإصلاح الجماعة، أو من يقرر التخلي عن أفكارها، كيف واجهت كل ذلك؟

الجماعة ترى نفسها –كما ذكرت آنفا– الممثل الحصري للإسلام، حتى أنّها تصف نفسها بالجماعة واجبة الاتباع، وذلك في إطار عملها التنظيمي حين تقنع "أفراد الصف" في المرحلة السابقة على الانضمام رسمياً للإخوان وإعطاء البيعة، وذلك في محاضرات تعطى لهؤلاء الأفراد تحت عنوان "الجماعات العاملة على الساحة وصفات الجماعة واجبة الاتباع"؛ حيث يتم استعراض الجماعات الإسلامية الموجودة مثل؛ السلفيين والجماعة الإسلامية، والإخوان وغيرها، وأهداف هذه الجماعات وأفكارها ووسائلها لبلوغ تلك الأهداف.

كما يتطرقون إلى الشروط الواجب توافرها في الجماعة التي يجب أن ينضم إليها الفرد ليعمل من خلالها لنصرة الدين –وكأن الانضمام فرض– ثم يتم إقناع الأفراد بأنّ كل هذه الشروط تتوافر في جماعة الإخوان وبالتالي فهي "واجبة" الاتباع، وكان البنّا قال ذلك في رسالة المؤتمر الخامس: "إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنّها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقاً طويلة، ولكن ليس هناك غيرها "

الجماعة تعتبر أن النص يتنزل عليها دون غيرها، هل هذا ما تعنيه؟

نعم، هذه قناعة مترسخة داخل العقل الإخواني؛ حيث يتم اعتبار الجماعة أنّها هي والدين واحد، لا فرق بينهما، وبالتالي يتم إنزال النصوص الدينية على الجماعة كأنّها هي المخاطبة بها وحدها دون باقي الأمة، ومن ضمن النتائج المترتبة على هذا، تطبيق فكرة الولاء والبراء على الجماعة واعتبار أنّ أعداء الجماعة هم أعداء للإسلام ومن يحارب الجماعة فهو يحارب الإسلام.

وفي رسالة "دعوتنا"، يصنف البنّا الناس تجاه الإخوان إلى أربعة أصناف: مؤمن بالفكرة، متردّد، نفعي، متحامل، وكأنّ الإخوان هم محور الكون الذي تدور حوله الناس ويصنفون حسب موقفهم من الإخوان، وبالتالي، يتم استخدام مصطلحات مثل "متساقط "، وبسقوط كل هذه التابوهات لدينا أصبحنا لا نرى في تغيير الأفكار ونقلها بشكل علني والخروج من الإخوان أي حرج أو مشكلة، فالإخوان لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة وليست هدفاً في حد ذاتها، فليتفق معها من يتفق، وليختلف من يختلف، كل حسب قناعاته .

هناك من يقول إنّ الزنزانة تحول المنتمي لجماعة ما، إلى شخص أكثر تطرفاً،  مستندين في ذلك لفقه المظلومية، حتى أنّ هناك من تحول إلى التكفير الكلي والشامل، لكنك ذهبتَ في اتجاه المراجعة، فماذا فعلت بك الزنزانة؟

العوامل الخارجية التي تؤثر في الإنسان تختلف حسب درجة استعداده من الداخل، فقد يأكل اثنان نفس الطعام غير النظيف، فيمرض واحد بينما لا يتأثر الآخر، وقد يتعرض شخصان لتيار من الهواء فيصاب أحدهما بالأنفلونزا ولا يصاب الآخر، وهكذا. والسجن لا شك بيئة غير صحية فيه من الآفات التي تصيب الإنسان الكثير، بحسب طبيعة الشخص وقناعاته الراسخة وثقافته وطريقة نظرته للأمور، ونفسه التي تميل للخير أو الشر؛ يكون شكل تأثره من السجن.

أيضاً، مما يؤثر في هذه النتيجة، هو الخطاب الذي يسمعه الشخص في السجن، فخطاب الإخوان مثلاً، يقوم على فكرة المظلومية، وأنّهم الجماعة التي تدافع عن الدين ضد كل من يحارب الإسلام، فكل ما يتعرضون له هو ظلم نتيجة مبادئهم وأهدافهم النقية التي لا يشوبها خطأ ولا عيب؛ كيف وهي مبادئ الإسلام!!

خطاب الإخوان يقوم على فكرة المظلومية وأنّهم الجماعة التي تدافع عن الدين ضد كل من يحارب الإسلام

وبالتالي، لا مجال لمراجعة ولا إصلاح الأخطاء، ومن ثم يتولد شعور لدى البعض بالرغبة في الانتقام، ونتيجة للقناعات السابقة يفسر الصراع على أنّه صراع بين الحق والباطل وأنّه صراع ديني وليس سياسياً، فتستدعى كل النصوص المتعلقة بالجهاد ضد أعداء الإسلام وما يترتب على ذلك من أفكار توضع في غير موضعها، ومن هنا تولد الأفكار المتشددة التي تصل أحياناً للتكفير ومحاربة من يصفونه بهذه الأوصاف من وجهة نظرهم.

وهناك من يرى أنّ هنالك أخطاء لديه، وأفكاراً تحتاج لتغيير، ويقوم بذلك التغيير بالفعل؛ فتتولد لديه رغبة في الإصلاح بنفس لا تحمل ضغينة ولا ترغب في الانتقام.

برأيك، لماذا تحول الجماعة فشلها إلى محنة ربانية، ولماذا يستهوي هذا الخطاب القاعدة العامة للتنظيم؟

هذا نتيجة لما ذكرته حول التصور الذهني للجماعة عن نفسها، أيضا يعد هذا حيلة نفسية تلجأ إليها الجماعة لتبرير فشلها وعجزها عن الخروج من أزمتها، وللتحلل من المسؤولية تجاه أعضائها، ولتخدير عقولهم حتى لا يفكروا أو يسألوا، وهذه الطريقة، تريح الكثير من أعضاء الجماعة؛ لأنها تعفيهم من الإحساس بالذنب، فما أسهل أن أتهم غيري وألقي بكل مسؤولية عن عاتقي، ولكن هذا لا يغير من الواقع في شيء.

هل ترى أنّ جماعة الإخوان تورطت في العنف المسلح ضد الدولة؟ ولماذا تحولت بهذه السرعة، من تنظيم يعتمد على آلية متدرجة للوصول للسلطة إلى تنظيم يقترب من التنظيمات الجهادية المتشددة؟

ما حدث بعد فض اعتصام رابعة، هو رد فعل يتسم بالعنف من الإخوان، تمثل في الهجوم والاعتداء على بعض المؤسسات الشرطية وغيرها، وبعض الكنائس، ثم تم التراجع عن هذا الخط مما أحدث انقساماً بين الإخوان، أدى في النهاية إلى وجود جماعتين؛ جبهة "محمود عزت" وجبهة "محمد كمال"، الأولى ترى أنّ مواجهة النظام تكون بشكل سلمي، والثانية ترى أنّ المواجهة يجب أن تكون مسلحة.

ما الذي أحدث هذا الارتباك بانتهاج العنف أولاً ثم قرار التراجع، ثم الانقسام حول الطريقة المثلى للمواجهة، وكل فريق يدعي أنّه هو الذي يمثل منهج الإخوان الأصيل؟

من وجهة نظري، يرجع ذلك لسببين الأول: حالة التخبط التي أصابت الإخوان نتيجة اتخاذ القرارات بشكل غير مدروس وعدم تمتع قياداتها بالكفاءة المطلوبة لإدارة المشهد السياسي، والثاني وهو الأهم: أنّ بذرة العنف موجودة في عقل الإخوان الباطن، وتجد مصدرها عند المؤسسين: البنا، وسيد قطب.

فالبنا، وفيما يتعلق بنظرية التغيير التي وضعها "أصابه التناقض"؛ ويظهر ذلك في أنّه تارة يتحدث عن تغيير سلمي متدرج يبدأ بإعداد الفرد المسلم ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الحكومة....، وصولاً إلى الخلافة وأستاذية العالم، ثم يتحدث في مواضع أخرى حول استخدام القوة في التغيير؛ فنجده يقول في رسالة المؤتمر الخامس: "يتساءل كثيرٌ من الناس: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟"

الخلط بين الجماعة والدين، وإظهار الخروج على الجماعة على أنه كفر، عطل المراجعات وأخاف من يقدم عليها

وفي موضع آخر يقول: "الإخوان المسلمون سيستخدمون القوة العملية؛ حيث لا يجدي غيرها ... وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً..."، ثم في موضع آخر"إن أول درجة من درجات القوة: قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح".

وبالنسبة لسيد قطب، فلقد كان أكثر وضوحاً وتبنياً للأفكار المتشددة في إطار نظرية الحاكمية التي تحدث عنها، ووصفه للمجتمع بالجاهلية، والحديث عن العصبة المؤمنة والعزلة الشعورية وفكرة التمكين وغيرها، وحينما نعرف أنّ كتاب "في ظلال القرآن"، الذي يحمل غالبية هذه الأفكار، يُدرس بشكل رسمي في الأسر الإخوانية؛ ندرك حينها كيف تترسخ هذه الأفكار في عقل الإخوان الباطن بما يؤثر بعد ذلك بشكل ما.

لماذا تأبى الجماعة حتى الآن إجراء مراجعة عملية لأفكارها، وكيف ومتى يمكنها القيام بذلك؟

لا أظن أنّ الجماعة تجري مراجعاتها بشكل مؤسسي، ولكن، قد تحدث مراجعات فردية تؤدي إلى انشقاقات في جسم الجماعة.

ما نسبة الإخوان في تقديرك، الذين تقبلوا فكرة المراجعات، وهل هناك من يوافق عليها لكنه يخشى الإفصاح عن ذلك؟

السجن ضم أعضاء في الإخوان، وهناك آخرون، كانوا متعاطفين ومؤيدين للإخوان، ولكن لا ينتمون تنظيمياً لهم، وتوجد نسبة معتبرة اتخذت قرارها بشكل واضح بترك الإخوان، وأعرف كثيراً من الإخوان لايزالون أعضاء بالجماعة ويقرون بوجود أخطاء ولا يعجبهم الوضع الحالي، وينتقدون القيادات في عدم وجود رؤية لديهم ويرون عدم جدوى الاستمرار في الصراع القائم.

كما يجدون أنّه من الضروري الوصول لتسوية بشكل من الأشكال، ولكن، ونتيجة للأفكار الراسخة بداخل العقل الإخواني من أنّ الإخوان هم الحق المطلق وأنّ طريقهم هو الطريق الوحيد الذي يجب السير فيه؛ فإنّهم يرون الخروج منه أمراً غير وارد.

حال الإخوان في السجن مثير للشفقة أناس لا حول لهم ولا قوة يظنون أنّهم أفضل من أنجبت مصر ولكن الواقع لا يؤيد ذلك مطلقاً

ولأنهم تربوا على معاني الطاعة والثقة، فإنهم رغم اقتناعهم بفكرة المراجعات والتسوية للصراع، لايزالون ينتظرون قرار الجماعة، ولا توجد لديهم الجرأة لاتخاذ قرار بالانفصال، والبعض منهم يريد الإفصاح عن اقتناعه بتلك المراجعات ولكنه يخشى رد فعل الإخوان في السجن حتى لا يصيبه ما لا يمكنه تحمله، لدرجة أنّ هناك من طلب مني شخصياً أن أدرج اسمه في قائمة الأشخاص الذين انضموا للمراجعات، ولكن دون أن يدري أحد!!

وأظن أنّ كثيرين ينتظرون رد فعل الدولة في التجاوب مع المراجعات بشكل إيجابي؛ لأنهم يخافون الخروج من الإخوان، وتحمل تبعات ذلك في سبيل شيء مجهول، ولو حدث هذا، سيرى الجميع حجم الانشقاقات التي ستحدث داخل الإخوان.

لا أحد يعرف ماذا يجري بين الإخوان داخل السجن، هلا حدثتنا عن أهم المواقف التي شاهدتها داخل السجن، وهل تعرضت لمضايقات من إخوان متشددين بسبب مراجعات لأفكارهم؟

حال الإخوان في السجن مثير للشفقة؛ أناس لا حول لهم ولا قوة، يظنون أنّهم أفضل من أنجبت مصر كما يقولون، ولكن الواقع لا يؤيد ذلك مطلقاً، قيادات غير ناضجة تتمتع بسطحية في التفكير، تدلس على أفرادها بخطاب ديني عاطفي، ليس لديها ما تقنع به الناس، وفي الوقت نفسه، تفعل كل شيء للحيلولة دون أن ينفض الناس من حولها، مستبدة لا تريد صوتها ورأيها فقط، يحجرون على آراء مخالفيهم، ويحاربونهم بشتى الطرق، عقولهم حائرة لا يملكون زمام أمورهم، تارة يرون وجود أخطاء يجب إصلاحها، وتارة يخدرهم كلام قياداتهم فيسكنهم قليلاً، ثم ترجع الأسئلة لتتراقص أمام عقولهم، ولكنهم لم يعتادوا على الاستقلال بقرارهم، فيهربون من كل ذلك باللعب وقراءة الكتب الدينية وحفظ القرآن والأكل والنوم حتى يمر الوقت.

وبالطبع، تعرضنا لمضايقات كثيرة، كان صعباً على النفس تحملها، خاصة في مكان مغلق مثل السجن، الناس تجلس مع بعضها في مكان ضيق لمدة 24 ساعة وبينهم عداء بسبب الشحن الذي يقوم به الإخوان تجاهنا، واتهامنا بالخيانة والتفريط والتنازل عن المبادئ والنفاق، فكان يؤدي ذلك في أوقات كثيرة لحدوث صدامات وتعدي بالأيدي أحياناً من قبل البعض علينا.

من يعوق شباب الإخوان عن المراجعة، ومن يدفع بهم لهاوية العنف؟

القيادات، التي ترى قوة التنظيم في أنه يضم أعضاء كثر، فلا يريدون لهم أن ينفضوا من حولهم، وفي نفس الوقت، لا يريدون إجراء مراجعات، لعدم اقتناعهم بها ولأنها ستتسبب في محاسبتهم هم؛ فيقومون بتشويه من يقوم بالمراجعات، ويقفون ضدها بكل السبل، حتى أنّ أحد القيادات الكبيرة في الإخوان قال لي: "لدي شباب يريدون أن يخرجوا ويتزوجوا، ويتطلعوا إلى مستقبلهم، فلن نترك من يأتي ليقول لهم "أنا سأخرجكم من السجن"".

حدثتنا عن الحالة المعنوية لقيادات الإخوان في السجون، هل هم متماسكون أم يتظاهرون بالتماسك؟

فكرة واحدة هي التي تسيطر على العقول، سواء القيادات أم الأفراد، وهي التي تجعلهم يصبرون على هذا الوضع، وتتمثل باعتقادهم أنّ الوضع الحالي لن يستمر كثيراً، وأنّ النظام القائم سوف يسقط في أقرب وقت، وأنّ هذه الأحكام لن تنفذ، وأنّ نصر الله سيأتي لأنهم يدافعون عن الدين، وحين يأتي أحد ويحدثهم بالمنطق بعيدًا عن الأوهام، يرفضون ذلك لأن البديل صعب للغاية.

من أين يأتي شعور الجماعة بالاستعلاء على المجتمع ومحاولة السيطرة عليه؟

يتولد هذا الشعور نتيجة للصورة الذهنية الخاطئة للإخوان عن أنفسهم، من أنهم هم من يمثلون الفهم الصحيح للدين، وأنهم هم الفئة المؤمنة المخاطبة في النصوص الدينية، ويأتي ذلك نتيجة كلام البنا في وصفه للإخوان في مواضع كثيرة، مثلما قال في رسالة "الإخوان تحت راية القرآن" : "نحن أيها الناس أصحاب رسول الله ولا فخر، وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمشروع بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين".

أيضاً، يأتي ذلك نتيجة فهم خاطئ لمفهوم التمكين الذي يرى الإخوان أنه يتحقق بوصولهم للحكم، بينما المقصود به: تمكين للأمة بأن تكون أمة قوية ذات حضارة، وهذا من نتائج الخلط بين الجماعة وبين الدين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية