من قواعد الفكر الإخواني: طبقية تكشف فصام الجماعة

قواعد الفكر الإخواني (25 ): طبقية تكشف فصام الجماعة

من قواعد الفكر الإخواني: طبقية تكشف فصام الجماعة


18/04/2024

درجت دعاية الإخوان وكتاباتهم النظرية على الحديث عن الفقراء، والسعي لتذويب الفوارق بين الطبقات، واستلهام مفردات خطاب العدالة الاجتماعية الأثير لدى البسطاء والمهمشين، لكن ثبت أن الجماعة لطالما عانت من الفصام الذي يعكسه واقع الطبقية الذي تعاني منه داخلها.

عداء نظري للطبقية

في رسالته "مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي"، تعرّض حسن البنا لقضية الطبقية، التي أبدى عداءه النظري لها، فكتب يقول، تحت عنوان "التقريب بين الطبقات": "وقد عمل الإسلام على التقريب بين الطبقات بتحريم الكنز ومظاهر الترف على الأغنياء، والحثّ على رفع مستوى المعيشة بين الفقراء، وتقرير حقّهم في مال الدولة ومال الأغنياء، ووصف الطريق العملي لذلك، وأكثر من الحث على الإنفاق في وجوه الخير والترغيب في ذلك...".

تماهى الإخوان في قضية التفاوت الطبقي مع النموذج الشيوعي الذي أبرز هذا الفصام بين الخطاب والسلوك

فماذا كانت حقيقة أفكار حسن البنا حول التفاوت بين الطبقات؟ وهل كان لديه انحياز أصيل للفقراء والمهمشين، أم الأمر كان محض دعاية استهدفت جذب تلك الشرائح لجماعته كي تكون وقود الحركة، تماماً كما فعل الشيوعيون في الاتحاد السوفيتي؟ تجربة البلشفيين كانت أسبق من تجربة الجماعة بعشرة أعوام؛ حيث انطلقت الثورة البلشفية العام 1917، وربما جسّدت إلهاماً لحسن البنا وجماعته، في ميكانيزم استلاب الجماهير، والسيطرة عليها عبر الخطاب المزدوج؛ بدغدغة مشاعرها بالاشتراكية، وزوال الفروق الطبقية، بينما كان الواقع طبقية قادة الحزب الذين حدثوا الجماهير عن سيطرة البروليتاريا، وزوال الطبقية، وتمتعوا هم بكل المزايا، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عندما أعلنوا موقفاً متشنجاً مسرفاً في الدعاية تجاه الأغنياء، نموذج قد يبدو بعيداً عن واقع تنظير الإخوان، خاصة أنّ الإخوان قد درجوا على إبراز عداوتهم للشيوعية، ونقدهم لأفكارها وسلوك أحزابها وقياداتها، لكنّ اللافت أنّهم تماهوا في قضية التفاوت الطبقي مع النموذج الشيوعي، الذي أبرز هذا الفصام بين الخطاب والسلوك.

كان حسن البنا يحمل تقديراً كبيراً لدور المال والأغنياء في خدمة مشروعه

تقدير لدور المال والأغنياء

كان حسن البنا يحمل تقديراً كبيراً لدور المال والأغنياء في خدمة مشروعه؛ لذا كان حريصاً على أن يستهدف تلك الشرائح ضمن جماعته، ويضعها في مواقع السلطة، ليضمن تظهير نفوذ تلك الشخصيات لحساب الجماعة.

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (24): العزلة الشعورية عن المجتمع

يقول في معرض شرح خطته للنفاذ للمجتمعات والتأثير فيها: "قضيت على هذا الأسلوب أكثر من نصف العام الأول الدراسي بالإسماعيلية، أعني ما بقي من عام 1927، ثم أوائل عام 1928، وقد كان هدفي في تلك الفترة دراسة الناس والأوضاع دراسة دقيقة، ومعرفة عوامل التأثير في هذا المجتمع الجديد، وقد عرفت أنّ هذه العوامل أربعة: العلماء أولاً، وشيوخ الطرق ثانياً، والأعيان ثالثاً، والأندية رابعاً".

تبدو واضحة أهمية الأغنياء لدى البنا في تنفيذ خطته، وهو ما أفصح عنه في مذكراته بوضوح، وما انعكس في اختياره لرؤوس تنظيمه.

فبتأمّل خلفية الشخصيات التي برزت إلى جانب حسن البنا، أو حتى من خلفه؛ يمكن ملاحظة أسماء حسن العشماوي، ابن الوزير السابق، ومنير الدلة المستشار بالقضاء، وحسن الهضيبي رئيس محكمة الاستئناف، وعمر التلمساني ابن العائلة الميسور، ومحمد حامد أبو النصر من أعيان منفلوط، ومع صعود التنظيم في مراحل لاحقة، ظهرت أسماء كخيرت الشاطر؛ الذي سيطر على مقدرات الجماعة بفعل امتلاكه السلطة المالية، التي جعلته المرشد الفعلي، حتى في وجود مرشد كمهدي عاكف، بشرعيته التاريخية، أو محمد بديع بحضوره التنظيمي والتربوي داخل الصف الإخواني.

قيادة مخملية

تاريخياً، كانت قيادة الإخوان تنتمي إلى تلك الطبقة المخملية في المجتمع، محتفظة بكل المزايا الاقتصادية والاجتماعية، التي مكنتهم من امتلاك السلطة والمال التي جعلت لهم الكلمة العليا في التنظيم، وقد دأبت تلك الطبقة على الاختراق من قبل الصف الإخواني؛ حيث بقيت فئة ممتازة تذكر بقيادات الحزب الشيوعي، التي تمضغ كلاماً عن المساواة وتذويب الفوارق بين الطبقات، بينما هي منتمية بضراوة إلى المعسكر الذي تهاجمه ليل نهار. 

كانت قيادة الإخوان تنتمي للطبقة المخملية في المجتمع محتفظة بكل المزايا الاقتصادية والاجتماعية

أسّس رجل الأعمال الإخواني، حسن مالك، في أعقاب وصول الإخوان للحكم، اللوبي الاقتصادي للجماعة، عبر جمعية "بداية" الإخوانية، لتدشّن شراكة بين رجال المال من المنتمين إلى الحزب الوطني الحاكم، الذي سعى الإخوان إلى عزله سياسياً دون العزل الاقتصادي؛ حيث تصوّر الإخوان أنّ بإمكانهم دمج أمواله في ماكينة المشروع الإخواني.

كانت جمعية "بداية" مشهداً دالاً في فضح حقيقة المشروع الإخواني، الذي لم تكن دعايته عن تقريب الطبقات والعدالة الاجتماعية، سوى دعاية لتجنيد ولاء الطبقات التي يستهويها هذا الكلام.

 

 

أوهام المساواة

لم تكن الطبقية السياسية أو الاقتصادية فقط هي الأبرز في سلوك الإخوان، فيروي أحد الإخوان الذين وفدوا من القرية ليسكنوا في إحدى مدن محافظة الجيزة، التي تعد المسكن المفضل لكثير من قيادات الإخوان، أنه استبشر بأنه سيقترب من تلك القيادات التي سمع عنها، بعد أن تجمعهم شعبة واحدة، وربما تجمعه أسرة واحدة بهذا القيادي أو ذاك.

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (23): ازدواجية الخطاب الإخواني تجاه الأزهر

وعندما أُسكِن الشاب في أسرته، فوجئ بأنّ شارعاً يفصل شعبته؛ حيث مساكن الفقراء ومحدودي الدخل عن شعبة القيادات وأبنائها، ومن يشاركهم المستوى الاقتصادي، حيث قضت مشيئة التنظيم الطبقية أن تكون الشعبة شعبتين؛ واحدة للفقراء، وأخرى للأغنياء والقيادات، وإن فصل بينهم شارع.

تكشف انتصار عبد المنعم، الروائية المستقيلة من جماعة الإخوان، في كتابها "مذكرات أخت سابقة.. حكايتي مع الإخوان"، أنّه "رغم نظام الأسر الموجود بالفعل، لم يكن من اليسير أن تختلط بأشخاص ملأت أسماؤهم دنيا الإخوان، صحيح أنك تظلّ تسمع عنهم وعنهنّ، ولا تلتقي بهنّ إلا فيما ندر"، ثم تتحدث عن تكريس الطبقية الاجتماعية، وتهميش البسطاء قائلة: "بات جلياً أنّ النظام الطبقي داخل صفوف الجماعة يقف عاجزاً جامداً، لا يعرف كيفية التعامل مع من لديهم موهبة ما، ولا يهمه حتى أن يحتويهم، مراعياً نقاط تميزهم عن غيرهم، وعاجزاً أيضاً عن التعامل مع من لديه فكر جديد متطور، ولا يقبل حتى مبدأ مناقشتهم فيما يعتقدون، ولا يسمح بتصعيد أسماء جديدة لا تتمتع بميراث شرف الاعتقال، فهناك أسماء بعينها موصى بها لاعتبارات كثيرة لا تمتّ بصلة للجدارة والاستحقاق".

تصوّر الإخوان بعد وصولهم للسلطة إمكانية الاستفادة من رجال المال المنتمين إلى النظام السابق

ثم تؤكد المعنى السابق في طبقية الشعب والأسرة: "وفي الوقت نفسه، كانت الأسر نفسها طبقية التوزيع، فتلك الأسماء التي يتم تلميعها لا يسمح لك بأن تكون في نطاق الاجتماع بها، فلك مستوى معين من الأسماء فقط، والفرصة الوحيدة لتلتقي بها تكون في حفل ما أو لقاء"، ثم تتحدث عن مستوى آخر من مستويات التمييز الطبقي قائلة: "ومن صور التكريس الطبقي في التنظيم الإخواني؛ فرص الزواج المميزة، فإضافة إلى الأسلوب المتَّبع في تزويج الشباب والشابات، المعتاد بينهم، كانت هناك الفرص الذهبية التي تستأثر بها بنات البارزين منهم، تبعاً لمكانة الوالد الإدارية والمالية، لو كان يعمل بالتجارة مثلاً، فتحصل المحظوظة على أفضل الخيارات، وتذلّل لها كلّ الصعاب حتى تفوز بأفضل العروض، لا يميزها سوى ميراثها من نفوذ ومال، وبعض سنوات اعتقال والدها المناضل".

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (22): وهْم المؤسّسية والتشاركيّة

هذا الجو الطبقي كان من تداعياته، كما تكشف انتصار بمرارة: "كان من مساوئ نظام الأسر الطبقي؛ أن ظهر نوع من التنافس على تولي قيادة الأسرة، بهدف الحصول على مزايا التلميع الإداري، والصعود إلى طبقة جديدة، لها من المميزات التي تجعل للمسؤولة عن الأسرة فرصاً واسعة للاختلاط بمجتمع الحرس القديم، وما يتيحه من مزايا الصعود داخل التنظيم".

بنية الجماعة تكشف دوافع سلوكها في مرحلة التمكن التي كشفت عمق الفصام بين الخطاب والسلوك

طبيعة بنية الجماعة تكشف دوافع السلوك الإخواني في مرحلة التمكن، التي كشفت عمق الفصام بين الخطاب والسلوك، على نحو ما جسدت الجماعة في موقفها من الطبقية، وحديثها عن الأخوة التي تتغزل بـ"المهاجرين والأنصار"، لتجسد في الواقع ما يذكر بتجربة الحزب الشيوعي السوفييتي، الفارق فقط ربما في أنّ السوفييت احتاجوا إلى عقود ليكتشفوا الحقيقة، بينما اكتشفها المصريون بعد عام واحد من حكم الجماعة.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية