هل اختطف الإخوان حركية الجماهير العربية؟

هل اختطف الإخوان حركية الجماهير العربية؟
مصر

هل اختطف الإخوان حركية الجماهير العربية؟


04/06/2018

إنّ دراسة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها على يد مرشدها الأول حسن البنا، في آذار (مارس) 1928، يقف عند تكتيك ثابت في التعامل مع حركية الشارع المصري والعربي، وذلك من خلال سعيها الحثيث للتعاطي مع الحركات الاجتماعية الرافضة لطريقة تدبير الأمور من طرف القيادة السياسية، وهذا التكتيك يقضي بالعمل، غالباً، على الركوب على حركية الجماهير، دون محاولة لعب أيّ دور في خلق "الفعل الشعبي" أو السياسي.
في هذا السياق، يتميز تعامل جماعات الإسلام السياسي مع حركة الجماهير، بالمحاولات الدائمة للسطو على مطالبها، والركوب عليها "في حالة نجاح الضغط الشعبي"، واستثمارها وتوجيهها وفق ما يخدم أجندتها السياسية، مستغلين في ذلك بساطة الجماهير، وثقتها في كلّ من يتدثر بالدين كمرجعية لمشروعه السياسي.

يتميز تعامل جماعات الإسلام السياسي مع حركة الجماهير بالمحاولات الدائمة للسطو على مطالبها والركوب عليها

من هذا المنطلق، عملت جماعة الإخوان المسلمين على استغلال الحركات الاحتجاجية للشعب المصري، من أجل وضع إستراتيجية محكمة للسطو على ثمرات خروجه، ومن خلال دراسة النموذج المصري، يمكن الوقوف عند ثلاث محطات كانت حاسمة في كشف تكتيكات تعامل الجماعة مع حركية الشارع، ومحاولة توجيهه في أفق الركوب على مكتسباته.

حادثة كبري عباس 9 شباط (فبراير) 1946

عرف شهر أيار (مايو) 1945 تقديم رئيس حزب الوفد مصطفى النحاس باشا مذكرة للبريطانيين، يطلب من خلالها إعادة التفاوض على بنود معاهدة آذار (مارس) 1936، وجاء الردّ البريطاني، بداية العام 1946، بعدم وجود مصلحة لبريطانيا في مراجعة بنود المعاهدة، واعتبر هذا الرد بمثابة إهانة لكرامة المصريين.
الرد جاء في التاسع منشباط (فبراير) 1946، عندما خرجت مظاهرات طلابية تضمّ جميع أطياف ومكونات الشعب المصري، باستثناء الإخوان المسلمين، الذين لم ينضموا ولم ينفصلوا عن الحدث، والتزموا "المنطقة الرمادية"، في انتظار ردّة فعل رئيس الوزراء آنذاك، محمود فهمي النقراشي باشا، (حليفهم الذي قتلوه بعد ذلك بتاريخ 28 كانون الأول (ديسمبر) 1948)، فيما قوبلت تلك المظاهرات بقمع شرس من طرف الشرطة فيما أصبح يعرف بـ "مذبحة كبري (جسر) عباس".

استغلت جماعة الإخوان الحركات الاحتجاجية للشعب المصري من أجل وضع إستراتيجية محكمة للسطو على ثمارها

اشتدّ الصراع، فقرأ الإخوان المشهد جيداً، ووضعوا لمستهم عليه، وفي اليوم التالي تصدّر طلبة الإخوان مظاهرة كبرى من الجامعة إلى قصر عابدين، تحت حماية رجال الشرطة، تطالب برحيل النقراشي باشا، وبعد ستة أيام تم بالفعل إسقاط حكومة النقراشي.
ويتبيّن كيف أنّ الجماعة كانت تستغل ظروف نزول الجماهير، وتنتظر أول فرصة للركوب على مطالبها، وترويضها وفق أجندتها السياسية، مستغّلة الانفعالات البدائية، التي تفتقر إلى التفكير العقلاني والمنطقي، ومنذ ذلك الحين، ظلّ هذا التكتيك من صميم التصوير الإستراتيجي للجماعة؛ حيث تترقب أي حراك أو حدث وطني، وتحوّله إلى حدث يخدم الجماعة، وكأنّهم هم من كانوا المبادرين لإنجازه .
الإخوان وثورة "الضباط الأحرار"
رغم أنّ جماعة الإخوان المسلمين تُصرّ على مشاركتها، في ثورة 23 يوليو 1952، التي قادها "الضباط الأحرار" بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلّا أنّ الوقائع والأحداث تفنّد هذا الادعاء للاعتبارات الآتية:
1) التحالف القوي والإستراتيجي للحركة مع الملك فاروق جسّده الاجتماع الشهير، العام 1951، بين هذا الأخير والمرشد العام الثاني للجماعة، حسن الهضيبي، الذي علّق على هذه الزيارة بمقولته الشهيرة "زيارة كريمة لملك كريم".
2) عدم ثقتهم بنجاح المشروع العسكري لجمال عبدالناصر.

جماعة الإخوان المسلمين تُصرّ على مشاركتها في ثورة 23 يوليو 1952 إلّا أنّ الوقائع تفنّد هذا الادعاء

3) تبنّيهم، كالعادة، للمنطق الإستراتيجي "للمنطقة الرمادية"؛ حيث عبّروا عن ولائهم المطلق للمؤسسة الملكية، مع إرسال إشارات قوية لـ"الضباط الأحرار" بمباركة أيّ انقلاب مرتقب، ووعدهم بالتحالف معهم في حالة نجاح هذا التحرك العسكري.
  في هذا السياق، لم يشارك الإخوان في الانقلاب، وقطعوا الاتصال بالضباط الأحرار، ولم يعاودوا الاتصال إلّا بعد وصول خبر عزل الملك فاروق ومغادرته البلاد، ليعود حسن الهضيبي من الإسكندرية ويعقد لقاء مع عبدالناصر؛ لمحاولة الضغط عليه لقطف ثمار الثورة، مطالباً إياه بالرجوع، في كلّ صغيرة وكبيرة، لمكتب الإرشاد، بقصد المصادقة والمباركة على قرارات مجلس قيادة الثورة (بما يشبه نظام ولاية الفقيه الذي اتبعته إيران لاحقاً).
في نفس الاتجاه، سيضغط الإخوان في اتجاه حلّ الأحزاب السياسية، وهو ما تأتّى لهم بعد القرار العسكري الذي أصدره محمد نجيب، رئيس الجمهورية، في كانون الثاني (يناير) 1953، والقاضي بحلّ جميع الأحزاب السياسية باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تقدم نفسها كحركة دينية دعوية، إضافة إلى رهان عبدالناصر عليهم، وتحالفه معهم، على اعتبار أنّهم القوة الوحيدة في مصر التي يمكن أن تضفي المزيد من الشرعية الشعبية على الانقلاب.
سياسياً؛ إنّ حلّ الأحزاب السياسية تم بإيعاز من حسن الهضيبي، المرشد العام للجماعة، وسيد قطب مُنظِّر الضباط الأحرار، لمرحلة ما بعد الثورة، و كان الغرض منه توريط الضباط الأحرار سياسياً؛ حيث حضر، صبيحة صدور قرار حلّ الأحزاب السياسية، إلى مكتب جمال عبدالناصر، وفد من الإخوان المسلمين مكوّن من: صلاح شادي، والمحامي منير الدلة، وقالا له بالحرف: "الآن، وبعد حلّ الأحزاب، لم يبقَ من مؤيد للثورة إلّا جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا فإنّهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم...، إنّنا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد، لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها، وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إن أردتم التأييد".

إبان ثورة 25 يناير حاول الإخوان أن يستغلوا الفرصة ليساوموا حسني مبارك بالوقوف معه مقابل مطالب

من هذا المنطلق، يتبيّن أنّ جماعة الإخوان حاولت، كعادتها، الركوب على ثورة 23 يوليو، للدفع في اتجاه حلّ الأحزاب السياسية، للبقاء كقوة سياسية وحيدة على الأرض، ومحاولة فرض شروط تعجيزية للمشاركة في الحكومة، ونتيجة رفض عبدالناصر لمطالبهم، قاموا بمحاولة اغتياله ليلة 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1954، فيما عرف إعلامياً بـ"حادثة المنشية" بالإسكندرية .
وحتى ننضبط، للأمانة، في الطرح والتحليل، نسرد شهادة القيادي في التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، أحمد عادل كمال، التي ينفي من خلالها، بالقطع، مشاركة الإخوان في التحرك العسكري للضباط الأحرار؛ حيث يقول: "وراح الناس يتساءلون عن صلة حركة الجيش بالإخوان، بل الإخوان أنفسهم كانوا يتساءلون، وكان بعضهم يظنّ أنّها حركة إخوانية، وفي الحقيقة إنّ بعض المسؤولين بالإخوان أرادوا أن يُعطوا ذلك الانطباع غير الصحيح" .

 

ثورة 25 يناير 2011
  أعلن الدكتور عصام العريان، المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، قبل قيام الثورة، أنّهم لن يشاركوا في مظاهرات 25 يناير، التي دعت إليها حركة "شباب 6 أبريل"، موضحاً أنّ "الرفض يأتي لأنّ الدعوة لتلك المظاهرة دعوة عامة خارجة من الفضاء الإلكتروني"، وبالتالي هي موجهة لكلّ مواطن في هذا المجتمع، مؤكداً أنّ الجماعة "جزء من الشارع المصري ولهم حق المشاركة من عدمه وفق ما يتراءى لهم" .
وبالموازاة مع ذلك، قامت الجماعة بوضع عشرة مطالب بين يدي النظام الحاكم، لتهدئة حالة الاحتقان في الشارع، مطالبين بضرورة تنفيذ هذه المطالب، حتى تتجنّب مصر ثورة شعبية مماثلة لتونس، وهنا حاول الإخوان أن يستغلوا الفرصة ليساوموا حسني مبارك، بالوقوف معه مقابل مطالب، أهمها ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية والنقابية، وحرية تكوين حزب سياسي لهم.

كان القرار الرسمي للإخوان المسلمين عدم في ثورة 25 يناير حتى تبين لهم نجاحها بعد جمعة الغضب

من هنا، يتبين أنّ الإخوان، رسمياً، لم يشاركوا في ثورة 25 يناير؛ حيث إنّ القرار الرسمي كان هو عدم المشاركة، غير أنّ الإخوان، بعدما تأكدوا أنّ موازين القوى تميل لفائدة الثوار المتواجدين في مختلف الميادين المصرية، قرّروا النزول والمشاركة في الحراك الشعبي، وهو التكتيك الذي تجيده الجماعة للركوب على مطالب الحركات الاحتجاجية.
يُذكر أنّ مشاركة الإخوان المسلمين بدأت بعد أربعة أيام من الثورة، وتحديداً فيما عرف بـ"جمعة الغضب"، يوم 28 كانون الثاني (يناير) 2011.
بعد نجاح الثورة، قام الإخوان بإبرام الصفقات تلو الصفقات، وعملوا على ثني الشعب عن الخروج في مليونيات عديدة، كان آخرها يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2012، وإصرارهم على أنّها خرجات احتفالية، وأنّ الثورة قد أُنجزت، والشعب أخذ كلّ حقوقه.
من هنا، يتضح أنّ موقف الإخوان كان متذبذباً؛ حيث تتم مراقبة الموقف عن كثب حتى تظهر الكفة الراجحة، فيميلون اتجاهها، ويقومون باحتوائها وتوجيهها ومن ثم الركوب عليها.
يمكن القول إجمالاً؛ إنّه ثبت تاريخياً أنّ جماعة الإخوان المسلمين، اعتمدت على تكتيكين أساسيين مرتبطين بالحالة المصرية: الأول يرتكز على التحالف مع المؤسسة الملكية لإضعاف باقي القوى السياسية في أفق الانفراد بها، ومن ثمّ توجيهها، أو تحييدها، للتهيّؤ للقضاء عليها، والتكتيك الثاني هو ركوب حركة الجماهير، وقيادتها، وتوجيهها وفق الأهداف السياسية للتنظيم.

هوامش:

_________________

- حول الحادثة، يمكن الرجوع إلى كتاب "تاريخ الأقطار العربية المعاصر 1917-1970"، صدر عن أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي، ص 513.
- محمد نور: سراديب، ص 169.
- للمزيد من المعلومات حول الموضوع: راجعوا كتاب عبدالحق صنايبي حول: التاريخ الدموي للإخوان المسلمين، عن منشورات آخر ساعة، تاريخ الإصدار 2017.
- أحمد عادل كمال: "النقط فوق الحروف –الإخوان المسلمون والنظام الخاص-"، ص 304- 305.
- راجع جريدة صوت الوطن، بتاريخ 20 يناير 2011: الاخوان تعلن عدم مشاركتها في مظاهرات 25 يناير

الصفحة الرئيسية