أردوغان: رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم

أردوغان: رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم


26/06/2018

خطت تركيا يوم 24 يونيو 2018 أولى خطواتها في طريق الدول ذات الأنظمة الشمولية، بعد أن حقق حزب العدالة والتنمية نسبة 53.6 بالمئة في الانتخابات التشريعية، ليتمم بذلك فوز الرئيس رجب طيب أردوغان الذي نجا من مأزق الجولة الثانية، بعد فوزه من الدورة الأولى من الانتخابات بولاية جديدة بسلطات معززة.

ونجح حزب العدالة والتنمية، بزعامة أردوغان، رئيس الحزب ورئيس الدولة رئيس الوزراء، بموجب النظام الجديد الذي استفاقت تركيا عليه صباح يوم 25 يونيو 2018، في الانتخابات التشريعية، مستندة بصورة خاصة على أداء غير متوقع لشريكه القومي المتشدد حزب الحركة القومية، الذي حصل على 11 بالمئة.

وبالتالي يدين الإسلاميون، الملقبون بالعثمانيين الجدد بفوزهم في جزء هام منهم إلى القوميين من ورثة مصطفى كمال أتاتورك الذين تناسوا كل نقاط الخلاف والصراع الأيديولوجي بينهم وبين الإسلاميين والتقوا عند عتبة قضية الكردية ومحاربة الأكراد الذين بات لهم صوت قوي في المنطقة ويمكن أن يشكلوا خطرا على الدولة التركية القومية.

الحرب ضد الأكراد

عندما يطرح ملف الأكراد لا فرق بين إسلامي عثماني أو علماني أتاتوركي، حيث القومية واحدة. ولعب أردوغان على هذه الورقة كثيرا، وهو الذي سبق وأعلن أن اتفاقا تاريخيا بينه وبين عبدالله أوجلان، الزعيم التركي المعتقل، سنة 2013، إلا أنه عاود وانقلب على ذلك حين اكتشف أن هذا الاتفاق لن يخدم طموحاته في المستقبل وهو مقبل على انتخابات برلمانية (2015) كما أنه كان في ذلك الوقت يروج لفكرة تعديل الدستور.

قبل ثلاثة أشهر من استفتاء أبريل 2017 على تعديل الدستور في تركيا، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن عملية عسكرية داخل سوريا (درع الفرات) التي انتهت بدخول القوات التركية لجرابلس والباب السوريتين، تحت مبرر الدفاع عن الأمن القومي التركي والتهديدات الإرهابية.

في ذلك الوقت كان الرئيس التركي يواجه غضبا شعبيا متصاعدا بسبب عمليات التطهير وخنق الحريات التي يشنها منذ عملية الانقلاب الفاشل في صيف 2016، بالإضافة إلى تصاعد فضائح الفساد التي تطال أردوغان ومقربين منه ومشاكل تركيا الخارجية، خصوصا مع أوروبا. ونجح بفضل عملية درع الفرات في أن يستعيد البعض من تأييد الشارع.

وعشية الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استخدم أردوغان نفس التكتيك، عبر عملية غصن الزيتون والتصعيد في سوريا، التي ترافقت مع خطاب غير تقليدي في السياسة الخارجية سببه خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخطابات المسؤولين الإيرانيين، خصوصا حول الهيمنة الأميركية والأمن القومي.

وفي قمة الحملة الانتخابية، أعلن الجيش التركي أنه سيحوّل جبل قنديل شمال العراق، معسكرات المسلحين الأكراد، “مكانا آمنا بالنسبة إلى تركيا”. ويشير توركر إرتورك وسليم سازك الكاتبان بمجلة فورين بوليسي إلى أن ليس هناك الكثير الذي يمكن لتركيا أن تكسبه عسكريا من خلال قصف الجبال القاحلة، لكن هناك الكثير ليكسب أردوغان سياسيّا من خلال شن حرب تشتيت الانتباه.

ويقول توركر إرتورك وسليم سازك إن أردوغان اكتشف اهتماما جديدا في استنزاف «مستنقع الإرهاب» في شمال العراق. وهذا يأتي في وقت غريب وعقد متأخر للغاية. أردوغان، الذي غض الطرف عن معسكرات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل لسنوات، يقدم الآن عرضا لمهاجمتها.

ويضيف الباحثان أن أيا من هذه العمليات، في سوريا أو في العراق، لم تكن لها أي ميزة للأمن القومي التركي، إلا أن توقيتها وتنفيذها تم تحديدهما من قبل الحسابات السياسية لأردوغان أكثر من كونهما ضرورة عسكرية. وكان تأييد هذه العمليات من بين الأسباب التي دعت الرئيس التركي إلى تقديم الانتخابات سنة كاملة عن موعدها، حيث كانت مقررة في 2019، لكن أردوغان أعلن تقديمها بعد تحالفه مع حزب الحركة القومية.

وكان أردوغان يعلم أنه بحاجة إلى تغيير حسابات الجمهور. إذا استطاع أن يحقق الأمن في مقدمة أذهان الناخبين، فيمكنه استعادة الناخبين ذوي العقلية الاقتصادية الذين خسرهم أمام المعارضة، بالإضافة إلى إحباط الحزب الديمقراطي الشعبي الموالي للأكراد من الظهور بقوة، ويكاد يكلفه هذا بالتأكيد حزب البرلمان، وربما حتى طرده من الرئاسة، هذا هو ما يكسبه من حرب مشوهة: صد المعارضة، وحصوله على أصوات الناخبين، ومن ثم التمسك بالرئاسة الإمبراطورية التي كان يطمح إليها بشدة.

وكانت عملية قنديل عرضا دراميا لكيفية قيام أردوغان بتحويل ثاني أكبر جيش للناتو إلى أداة طموحاته السياسية. ويؤكد الكاتبان أنه لو كان أردوغان جادا بشأن التشدد على حزب العمال الكردستاني، لكان قد ضرب حلفاءهم في الأماكن التي يهمها حقا، في أراضيهم السورية إلى الشرق من نهر الفرات.

وبدلا من ذلك، قام بتفجير الجبال القاحلة، مع التأكد من أن الكلمة تنتشر على أوسع نطاق ممكن بقدر ما يهاجم قنديل، وهو اسم مازال مرادفا لحزب العمال الكردستاني في أذهان كثيرة، وذلك لأن النجاح الذي يسعى إليه سياسي وليس عسكريا، ويختتم الكاتبان مقالهما أن أردوغان يهتم بالفوز في صناديق الاقتراع أكثر من اهتمامه بالفوز في ساحة المعركة، وهو ما تم، ليفتح صفحة تركيا على تاريخ جديد، تاريخ تركيا الإسلامية-الأردوغانية ذات النظام الرئاسي الشمولي.

عملية جبال قنديل كانت عرضا دراميا لكيفية قيام أردوغان بتحويل ثاني أكبر جيش للناتو إلى أداة طموحاته السياسية

ومن مظاهر نظام الحكم الجديد بـ:

* استخدام البرلمان صلاحيته في الرقابة والتفتيش والحصول على معلومات عبر “تقص برلماني” أو “اجتماع عام” أو “تحقيق برلماني” أو “سؤال خطي”.

* المرشح الذي يحصل على أغلبية مطلقة في الانتخابات يفوز بمنصب الرئاسة.

* رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم.

* يعرض الرئيس القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رآها ضرورية.

* يحق للرئيس إصدار مراسيم في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية، لكن لا يحق له إصدار مراسيم في المسائل التي ينظمها القانون بشكل واضح.

* يعتبر المرسوم الرئاسي ملغى في حال أصدر البرلمان قانونا يتناول نفس الموضوع.

* يحق للبرلمان طلب فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، ولا يحق للرئيس في هذه الحالة الدعوة إلى انتخابات عامة.

* يحق للرئيس تعيين نائب له أو أكثر.

* تسقط العضوية البرلمانية عن النواب الذين يتم تعيينهم في منصب نواب الرئيس أو وزراء.

* يمكن للبرلمان اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة بموافقة ثلاثة أخماس مجموع عدد النواب.

*يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ في حال توفر الشروط المحددة في القانون.

* تلغى المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية.

* يحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.

ما دور القوميين

يرى عدد كبير من الأتراك أن الحديث عن دولة دكتاتورية تركية أمر عادي جدا بالنسبة لهم، فلطالما عاشوا في ظل الحكم السلطوي، من عهد العثمانيين، ثم إلى دكتاتورية مصطفى كمال أتاتورك، فسيطرة الجيش المطلقة، حامي العلمانية الذي كان يدير البلاد بعقلية الانقلابات، وخسر الكثير أمام أردوغان، عندما فشلت عملية الانقلاب في صيف 2016، التي فتحت الباب أمام حالة طوارئ يؤكد الأتراك أنها ستبقى مستمرة باستمرار حكم أردوغان.

جاءت الانتخابات في خضم الأزمة متعددة المشاهد من التضييق على الحريات إلى الإقالات والاعتقالات إلى تغيير الكثير من ملامح الدولة العلمانية التي تأسست سنة 1923، إلى الارتباك في السياسة الخارجية وصولا إلى أزمة اقتصاد خانقة، ومع ذلك كانت أغلب التوقعات تذهب صوب ترجيح فوز أردوغان، وإن كان فوزه يغلب عليه طعم الخسارة.

ولم يكن أردوغان يهتم بكل ما يتردد عن نزاهة الانتخابات، فالفوز كان ضروريا وبأي ثمن، في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العالم بأسره. كما أن الأتراك أثبتوا أن قراءتهم لواقع بلادهم وأمنهم تختلف عن القراءات الخارجية.

وقالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أحزاب المعارضة لم تحصل على فرص متساوية في الحملات الانتخابية وإن الرئيس الحالي وحزبه الحاكم نالا امتيازات كثيرة، ومع ذلك كانت هناك نسبة إقبال هامة على الانتخابات بلغت حوالي 87 في المئة.

ويشير مراقبون إلى أن رهان الأتراك لم يكن على الرئاسيات حيث لم يروا هناك فرقا كبيرا بين أردوغان وبقية المرشحين خصوصا محرم إينجه وميرال أكشنار وهما من المسلمين المحافظين، وباستثناء رفضهما لطموحات أردوغان السلطوية عبر النظام الرئاسي لم يختلف خطابهما عن خطاب الرئيس التركي، ولم يقدما برامج واقعية في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وملف اللاجئين السوريين والسياسة الخارجية حيث أصبحت تركيا صانعة مشاكل بعد أن كانت ترفع شعار صفر مشاكل.

ويقول بعض الناخبين إنهم صوتوا لأردوغان في انتخابات الرئاسة لكنهم لم يصوتوا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية، بحثا عن تحقيق توازن يمكن أن يخفف من قبضة الرئيس أو على الأقل يعرقل المشاريع التي يخشى الأتراك أن تؤثر على أسلوب حياتهم وتأخذ البلاد نحو مشروع الدولة الدينية، والاختبار الحقيقي سيكون هنا للقوميين الذين تحالفوا مع أردوغان، هل سيكون شركاؤه في البرلمان أم انتهى حلف الضرورة بانتهاء الانتخابات؟

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية