من ميزانية الدولة إلى جيوب الحوزة: مليارات في خدمة العمامة الإيرانية

من ميزانية الدولة إلى جيوب الحوزة: مليارات في خدمة العمامة الإيرانية


23/11/2017

تُعَرفُ الموازنة على أنها مخطط النفقات والإيرادات والأصول سواء كانت عينية أو نقدية، وكيف توزعها الدولة وفق خطط يضعها المختصون بعناية ووفق الأولويات والأصول. ومن المعروف عن إيران دعمها للمؤسسات الدينية والحوزات، هذا على سلم أولويات الدولة منذ زمن طويل، فهي تغدقُ المال على قائمة  طويلة من المؤسسات الدينية وشبه الدينية والدعوية والحوزات ببذخ، ذلكَ أنَّ الدولة على نهج أيديولوجي (ولاية الفقيه) تحاول دعمه وترسيخه بقوة. ولا شيء أفضل من الحوزة لدعم وترسيخ "ولاية الفقيه".

تحصدُ المؤسسات الدينية نصيبها الفلكي من الموازنة، إذ تأخذ الواحدة منها آلاف المليارات، دون أي توضيح محدد للنفقات

على سبيل المثال، أمامنا نماذج لأبرز المؤسسات الدينية التي تقوم بتغطيتها الميزانية ويصادق عليها البرلمان، لترعى الدولة هذه المؤسسات وتنفق عليها الأموال بسخاء:

1. منظمة الحضارة والعلاقات الإسلامية
2. منظمة الأوقاف والاعمال الخيرية
3. منظمة الحج والزيارات
4. مكتب المرشد الأعلى في الجامعات
5. معهد الإمام الخميني للتعليم والابحاث
6. منظمة الدعاية الإسلامية
7. جامعة المصطفى (لرجال الدين الأجانب)
8. لتشجيع الزيارات الى مرقد الامام الرضا
9. جامعة الزهراء النسوية
10. دعم للمساجد والفعاليات الدينية
11. مساعدات للمعاهد الدينية غير الحكومية
12. مركز شؤون المساجد
13. لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
14. معهد الإسراء
15. معهد الإمام الصادق
16. مجلس ممثلي رجال الدين في الحوزات
17. مركز الإفتاء
18. مركز الإفتاء للخارج
19. مكتب الدعاية الإسلامية في حوزة قم
20. المجلس الأعلى للحوزات
21. مركز خدمات الحوزات
22. جامعة المذاهب الإسلامية
23. مجلس التخطيط لحوزات خراسان.

تحصدُ كل واحدة من هذه المؤسسات نصيبها الفلكي من الموازنة، إذ تأخذ الواحدة منها آلاف المليارات، دون أي توضيح محدد للنفقات والأنشطة، كذلك لا يعلم دافعو الضرائب والمواطنون أية معلومة عن هذه النفقات الفلكية رغم أنها من جيوبهم.

ثمَّة مثال حيّ على هذا الإنفاق، مؤسسة اسمها "جامعة المصطفى العالمية"، ولها طابع حوزة دينية ولها مخصصاتها في الموازنة، وهي بحجم جامعة صنعتي شريف التي تحصد من الموازنة ما يقارب 270 مليار تومان.
إنَّ تأمل الجوانب التنظيمية والقانونية لأعمال هذه المؤسسة التعليمية الدعوية وفق أيديولوجيا الحوزات؛ يحمل في طياته معانٍ عميقة وتتطلب تدبراً كبيراً، ذلكَ أنَّ مراكز قوى الدولة مرتبطة بالحوزات وتحرص هذه المراكز على زيادة واستقطاب مؤيدي هذه العلاقة، هذا من جهة، ومن أخرى تُغيب معارضي ومنتقدي العلاقة بين مراكز قوى الدولة والحوزات، تحديداً رجال الدين الذين ينتقدون هذه العلاقة ويحظون بشعبية بين الناس، فيكون عقابهم بإقصائهم من المشهد ليبقى الشيوخ المنسجمون مع مراكز القوى دون فتح أي باب يهدد دعم الحوزات والإنفاق عليها، فيبقى المشهد السياسي هادئاً بشرعية الأكثرية التي تختارها الدولة من خلال الانتخابات الديمقراطية غير النزيهة.

جامعة المصطفى العالمية
هدف هذه الجامعة "نشر العلوم الإسلامية والإنسانية والاجتماعية"، و"رعاية الطلاب والعلماء والمعلمين والدعاة والمترجمين، والتربويين، والإداريين والزُهاد والمتفرغين"، هكذا تعرف الجامعة نفسها وتدعي أنها تعمل على "تبسيط وإبراز الفكر الإسلامي العميق، و"نشر الإسلام الوسطي المحمدي".
وعلى حد قول رئيس هذه الجامعة، ثمة أكثر من 80 ألف طالب من 122 جنسية يتعلمون في هذه فيها في أقسام وكليات تتنوع بين الفقه وعلم الحديث والفلسلفة وعلم الكلام والتاريخ الإسلامي، وصولًا إلى القانون وعلم النفس والاقتصاد وعلم الاجتماع والمصارف، ويقوم على هذا أساتذة ومشاركون وعلماء. ووفق بيانات الجامعة، فإنّ أكثر من 3500 عضو هيئة تدريس (بداوم كامل وجزئي) ينتشرون في 150 قسم وعلى رأس عملهم.
الموقع الرئيسي لهذه الحامعة في مدينة قم الإيرانية، وثمّة 170 فرع (مراكز وكليات) داخل إيران، وأكثر من 60 فرع خارج إيران (جنوب افريقيا وألمانيا وأندونيسيا وبريطانيا وأوغندا والبرازيل وبلغاريا و بوركينا فاسو وتنزانيا وتايلند والدنمارك واليابان والسويد والسنغال والفلبين وقرقيزستان وكزاخستان والكاميرون ونامبيا ونيجيريا والهند والنوريج)، وتزيد نسبة الإيرانيين في هذه الجامعة عن 20%.

رغم سعي الدولة لإبقاء الحوزات تحت هيمنتها، إلّا أنّ ثمة تحركات لعلماء وطلاب علم ينشدون استقلال الحوزات

تطبعُ منشورات هذه الجامعة بلغات مختلفة غير الفارسية، العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والأوردو والأذرية والتركية والطاجيكية ولغات أخرى. بالإضافة إلى إقامة أكثر من 7000 معسكر ثقافي و500 احتفالية ثقافية ودينية و18 مسابقة عالمية للقرآن والحديث النبوي و100 مسابقة رياضة عالمية، ولها أكثر من 2000 موقع إلكتروني ومدونة، وتصدر أكثر من 50 نشرية بأكثر من 40 لغة أجنبية. ويقول مديرها إن الجامعة تصدرُ كتاباً واحداً في كل يوم بثلاثين لغة منذ عام 2015.
ومن جملة الخدمات التي تقدمها الجامعة لطلابها: راتب شهري، تأمين المسكن والقروض الحسنة، الرعاية الصحية، التدريب المهني لزوجات وأبناء الطلاب، بالإضافة إلى توفير تعليم خاص وتنظيم رحلات ترفيهية ودينية لعائلات الطلاب. جاء هذ كله في قانون الجامعة الذي صادق المجلس الأعلى للثورة الثقافية عام 1999 وصادقت عليه وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا، وألزمَ الدولة بالانفاق على الجامعة في المادة الرابعة من القانون الداخلي، باعتبارها جامعة عامة وغير حكومية وغير ربحية وتملك استقلالها المالي والإداري، مستقلة رغم أنها تملك مساحةً كبيرة في ميزانية الدولة وتحصد التبرعات من المجتمع.

المرشدُ الأعلى واستقلالية الحوزة
فوق كل هذه المخصصات، يؤكد القانون الداخلي أنّ رئاسة الجامعة العليا بيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ومن صلاحياته اختيار مجلس أمناء الجامعة وتعيين وعزل رئيس الجامعة وتوجيه رؤية الجامعة وإغلاقها.
جاءت جامعة المصطفى ضمن رؤية تشكيل "هيئة الحوزات والمدارس العلمية خارج إيران" و"المركز العالمي للعلوم الإسلامية"، ونُصبَ علي رضا أعرافي رئيساً لها بأمر من المرشد الأعلى. أول من تحدث عن الستقلال المالي للحوزات، خامنئي الذي لا يهدأ نقده لكنائس القرون الوسطى وطائفة السنة من المسلمين؛ إلّا أنه يدافع عن الاستقلال المالي للحوزات في حكومة التشيع، فلا أحد ينسى توجيه وحرص خامنئي في السنوات الأخيرة على ضرورة دفاع رجال الدين عن النظام الحاكم أثناء توليه الحكم، حتى أصبح رجال الدين اليوم في خانة المدافعين عن النظام فقط ولا يسعهم انتقاده.
يجزم خامنئي بأنّ الحوزات العلمية مستقلة على امتداد تاريخها، رغم أنه يؤكد دائماً أنّ استقلال الحوزات لا يعني عدم دعمها للنظام وتخلي النظام عنها -كما يريد البعض- فهم يريدون الاستقلال بصورة تامة بين الحوزات والنظام؛ وهذا لن يحدث؛ لأنّ النظام مدين للحوزات ومن واجبه دعمها. وفقاً لذلك وباعتباره خامنئي يتربع على أعلى سلطة في الجامعة، فإنه يغدقُ على المؤسسات والحوزات المختلفة أموال الميزانية بأشكال مختلفة ويوليها اهتمامه الكبير.

من الميزانية إلى الحوزة
من المستبعد أن يكون الإيرانيون على علم بهدر الميزانية، وقد مرت بلادهم بعقوبات دولية قاسية. هدر لا يمكن تبريره أبداً، مليارات تخصصها الميزانية للحوزات الدينية، بينما أكثر من 30% من مدارس إيران تحتاج لإعادة البناء والتأهيل، وبين هذه المليارات فُصِلَ أكثر من 681 ألف عامل إيراني من عملهم لأنهم كانوا يعملون في عقود مؤقتة وتعطلوا عن العمل.

نصيب جامعة المصطفى العالمية مثال صارخ على العلاقة المتينة بين الدولة والمؤسسة الدينية، ذلكَ أنَّ الدولة تنفقُ على عمود قوتها الفقري (المؤسسة الدينية)، عمود يقوم على نشر الرؤية الدينية (التشيع) التي يتبناها النظام ويسعى لاستنساخ وجوه تدعمه دون أدنّى ديمقراطية، بل بالسلاح والقمع ونشر المذهب الذي تؤمن به وتتكئ عليه.
ترتبط مراكز قوى الدولة بالحوزات وتزيد عدد المدافعين عن هذه العلاقة، وهذا من جهة، ومن أخرى تُغيب المعارضين للحوزات والشيوخ الذين ينتقدون الدولة ويحظون بشعبية بين الناس، من خلال تطهير الساحة من أي معارض لها ولتكسب الشرعية. شرعية –تقوم على الديمقراطية- وتأتي بانتخابات حرة رغم أنها ليست نزيهة وعادلة.
مع هذا كله ورغم سعي الدولة بكل طاقتها لإبقاء الحوزات تحت ظلها وهيمنتها، إلّا أننا نشهدُ تحركات تستحق التأمل لعلماء وطلاب علم ينشدون استقلال الحوزات عن السلطة.

الصحفي الإيراني مرتضى كاظميان - إذاعة وموقع "راديو فردا" الناطق بالفارسية:

https://www.radiofarda.com/a/seminary-eom-budget/28839241.html




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية