زواج الأطفال: هل تصطدم الفتاوى بالحقائق العلمية؟

زواج الأطفال: هل تصطدم الفتاوى بالحقائق العلمية؟


03/07/2018

تُعرِّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" الزواج المبكر بأنه: "الزواج الذي يتم بين طرفين، أحدهما أو كلاهما، في سن أقل من الثامنة عشرة؛ أي قبل اكتمال النمو الجسدي والنفسي والعاطفي للطرفين"، وتؤيدها في هذا منظمات المجتمع المدني؛ حيث اعتمدت مصطلح "تزويج الأطفال"، عوضاً عن الزواج المبكر؛ لأنه يفتقد للإرادة، وذلك لفقدان القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.

تحديد سِن الزواج بالمواثيق الدولية ناتج عن دراسات وأبحاث وتجارب أفضت إلى حقائق علمية ومنهجية وواقعية

هذا التحديد لسِن الزواج في المواثيق الدولية، ليس من باب الإملاء أو فرض الإرادات، كما أنّه لا يعتمد على الغيبيّات، ولا يتبع لمراوغة سياسية أو لتحقيق مصالح اقتصادية، أو بسبب موروثات اجتماعية، إنما هو ناتج عن دراسات وأبحاث وتجارب أفضت إلى حقائق علمية ومنهجية وواقعية، فما هي هذه الحقائق التي استندت إليها؟

لا تخوّلنا العلامات الأولى للبلوغ أن نطلق على الفرد أنّه بالغ أو بالغة؛ إنما هي بداية لمرحلة البلوغ، التي وردت عند أحمد محمد الزعبي في كتابه "سيكولوجية المراهقة"، تحت مسمّى "مرحلة المراهقة المبكرة"، مستنداً إلى ما قدّمه علم النفس في هذا المجال، هذه المرحلة تمتد من 13 إلى 16 عاماً، فالفتيات يبدأن بلوغهن في العاشرة أو الحادية عشرة، ويكتمل بلوغهن ما بين 15 و 17 عاماً، أما الفتيان فيبدأ بلوغهم في 11 أو12 عاماً، ويكتمل بين 16 و17 عاماً؛ أي إنّ هناك رحلة زمنية يجتازها الفرد، تبدأ ببدء نشاط الغدد الجنسية وقيامها بوظائفها، وتنتهي باكتمال الوظائف العضوية، ونضج الأعضاء التناسلية؛ حيث ينتقل إلى مرحلة المراهقة المتأخرة التي تبدأ من 17 إلى 21 عاماً، وتُعرف باسم "مرحلة ما بعد البلوغ"؛ حيث يتمكّن الفرد في هذه المرحلة من أداء وظائفه الجنسية بشكل كامل، تليها مرحلة سنّ الرشد الذي يُفترض أنه سنّ النضج.

إذاً، هناك فرق بين البلوغ والنضج، يشير إليه بوضوح المعنى المعجمي لكلمة نضج؛ ففي معجم "المعاني الجامع":

نضج الشخص: اكتمل نموه واكتسب خبرة في التفكير، وهو يلتقي مع تعريف علم النفس: "حالة من التوافق المحكم تشير إلى اكتمال وتناغم العمل بين الوظائف العقلية والجسدية والفيزيولوجية والروحية والاجتماعية، بصورة تُمكّنه من فهم الحياة بتناقضاتها المختلفة والمعقّدة، والاستقلالية في التحكم بشؤونه، واتخاذ القرارات المصيرية المعقولة والمنطقية والسليمة في حياته بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم". فالفترة الزمنية بين 10 و18 عاماً؛ هي مرحلة إعداد لسنّ النضج، وهذا الإعداد يتشعب إلى طريقين، بحسب "إيريك إيركسون"؛ طريق يتم اجتيازه بغموض الهوية وبالتمركز حول الجماعة التي يتوحد معها الشخص (حيث يحتكم لشروط القطيع)، وطريق مغاير يفضي إلى توحد الشخص مع قدراته وأهدافه وإمكاناته، ومن ثم بناء هويته الفردية التي ستقود بالتأكيد إلى النضج.

دماغ المراهق غير متطور نسبياً بما يخص التفكير المنطقي وهذا ما يفسر قراراته الطائشة واندفاعه للمتعة والتجديد

وبفضل التصوير المغناطيسي، استطاع الكثير من الباحثين والعلماء ومنهم "جاي جيد"، "وسارة جين"، "وآن دوبرواز" في كتاب" خفايا الدماغ"، أن يلقوا الضوء على التغيرات البنيوية التي تحدث في دماغ المراهقين، وتتلخص في أنّ: مناطق الدماغ لديهم تنضج بمعدلات متباينة جداً، "كمركز العاطفة"، ويدعى اللوزة أو النواة، داخل الفص الصدغي، ولها دور أساسي في معالجة وتقييم الخطر والخوف وردود الفعل العاطفية، و"مركز المكافأة" حيث يكون في قمة نشاطه في هذه المرحلة، خاصة حين يتعلق الأمر باعتراف الآخرين بالمراهق وتقديرهم له، و"مركز التفكير" في الفصّ الجبهي وهو المسؤول عن اتخاذ القرارات المنطقية، والتحكم والسيطرة على الدوافع، وهو يعمل على ضبط ومراجعة معطيات الحالة العاطفية التي ترسلها اللوزة الدماغية مركز ردود الأفعال الغريزية، التي تتجه إما للهروب أو المقاومة، ويعمل الفصّ الجبهي على السيطرة بشكل فعال على ردود الأفعال هذه، لكن هذا المركز يتأخر بالنضوج حتى سن 25 عاماً، خلافاً لمركزي العاطفة والمكافأة اللذين يتصفان بالنضوج المبكر.

اقرأ أيضاً: هل تشرّع تركيا زواج الفتيات في سن التاسعة؟

هذا يعني: أنّ دماغ المراهق غير متطور نسبياً عندما يتعلق الأمر بالتفكير المنطقي، وهذا ما يفسر القرارات الطائشة للمراهقين واندفاعهم للمتعة والتجديد، فهم أقل قدرة من الناضجين أو الراشدين في التحكم بانفعالاتهم، واتخاذ القرارات المنطقية، والتخطيط للمستقبل بشكل سليم، في ظلّ عدم اكتمال نضج مركز التفكير المنطقي، وبالتالي، عملية اتخاذ القرارات هي قدرة لا يستطيع دماغ المراهق توفيرها لعدم نضوجه.

هذه الحقائق تُناقض ما جاءت به الفتاوى التي تعدّ سنّ الزواج هو بلوغ الطرفين دون تحديد سنّ أدنى له

إذا أقررنا بهذه الحقائق، سنجد أنها تُناقض ما جاءت به الفتاوى الدينية، التي تعدّ سنّ الزواج هو بلوغ الطرفين، دون تحديد سنّ أدنى له، وهذا ما يضع القوانين في مجتمعاتنا في موقف المراوغ؛ حيث تحاول التوفيق بين المواثيق الدولية، التي حددت سنّ الزواج بـ 18 عاماً، وبين الفتاوى الشرعية التي اتخذت من البلوغ سناً للزواج، ومثال على ذلك قانون الأحوال الشخصية في سوريا، بما يتعلق بأهلية الزواج: "أهلية الزواج للفتى بتمام الثامنة عشرة، وللفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر"، وهذا يتقارب مع المواثيق الدولية إلى حدّ ما، مع عدم إغفال أنه قانون تمييزي، "لكن إذا ادّعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة، أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج، سيأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما، مع شرط موافقة ولي الأمر، إذا وُجد، وإلّا فالقاضي يحل مكانه"، وهذا يتقارب مع الفتاوى الدينية، وموافقة القاضي قائمة برمّتها على تصوراته السطحية عن النضوج.

اقرأ أيضاً: زواج القاصرات في إيران: العمائم تزفّ ابنة التاسعة

في النهاية، قد يحقّ لي أن أتساءل: لماذا لا يُمنح الفرد الأهلية القانونية قبل بلوغه الثامنة عشرة كحقّ الانتخاب مثلاً، في المقابل يُسمح بتزويجه قبل هذا السنّ؟! هذه التناقضات التي تَحكم العالم ليست بريئة، ولن تعفيه من مغبة الانحدار أعمق وأعمق في مهاوي الانحطاط.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية