شيرين خانكان تشتبك مع المحظور الديني: المرأة مستقبل الإسلام

شيرين خانكان تشتبك مع المحظور الديني: المرأة مستقبل الإسلام


03/07/2018

"المرأة هي مستقبل الإسلام" أحدث أعمال الباحثة الإصلاحية شيرين خانكان (سورية – دنماركية)، التي تصنع الحدث المعرفي ــ الديني في الساحة الدنماركية منذ عقد ونيف، وكانت متصدرة غلاف مجلة "عالم الأديان" الفرنسية، في عدد صيف 2017، بسبب اشتغالها على تجديد الخطاب الإسلامي في الساحة الدنماركية والأوروبية بشكل عام.

تتلخص أطروحة الكتاب (ط 1، 2017، 270 صفحة) في الدفاع عن الدين والإنسان، انطلاقاً من "فلسفة الدين"، كما يتجلى في عدة فصول، سواء عبر إدارتها للمسجد الخاص بالنساء، هناك في الدنمارك، أو عبر خطابها النقدي الذاهب إلى ثلاثة اتجاهات:

ــ الفقه التقليدي والنزعة الذكورية (أو قل "الفقه الذكوري").

ــ التيار الإسلاموفوبي في الغرب بشكل عام.

ــ الإسلاموية، بشتى تفرعاتها (هذا محور الفصل التاسع وما قبل الأخير من الكتاب، ولو أنها انتقدت الإسلاموية، "الجهادية" و"السلفية" والإخوان في عدة مقامات من الكتاب).

غلاف كتاب "المرأة هي مستقبل الإسلام" لشيرين خانكان

سيرة ذاتية لناشطة نسوية

كانت المؤلفة واضحة منذ الصفحات الأولى من الكتاب، للكشف عن دعوى العمل: عبارة عن سيرة ذاتية لناشطة نسوية مسلمة في أوروبا، وهي السيرة التي تمتد حتى تأسيس أول مسجد أوروبي تقوده امرأة [مسجد مريم]، باعتباره إمامة المؤسسة، وبالتحديد في إسكندنافيا (الدنمارك على وجه الدقة)، ويتميز المسجد بانفتاحه على المرجعيات المذهبية في التداول الإسلامي (سنة، شيعة، علويين)، مع نهل الخطاب الديني الذي يُروج في المسجد إلى التديّن الصوفي، باعتباره الأبعد عن إثارة الحساسيات العقدية والمذهبية مع المسلمين وغير المسلمين في الساحة الدنماركية.

من المبادئ التي يعمل بها مسجد مريم، نقرأ على سبيل المثال، حق المرأة في الطلاق وتفعيله، تضييق تعددية الزوجات، في حال وقوع الطلاق بين الزوجين، للمرأة نفس حقوق الرجل على الأطفال، في حال ثبوت اعتداء مادي أو نفسي للرجل على المرأة، يحق للمرأة فسخ عقد الزوجية.

كتاب خانكان سيرة ذاتية لناشطة نسوية مسلمة في أوروبا تمتد حتى تأسيس أول مسجد أوروبي تقوده امرأة

الكتاب موجه أيضاً ـحسب المؤلفة ـ إلى كل التيارات النسوية في القارة الأوروبية، ولا يتعلق بكتاب نهائي أو كلي حول الإسلام في أوروبا. أما الهدف من العمل، فيتوجه إلى المعرفة والنضال الميداني، خاصة أنّ المؤلفة لديها تجربة مع العمل البحثي في علم سوسيولوجيا الأديان، وأنها مسلمة، وبالتالي، تقترح وجهة نظر جديدة في التداول الأوروبي، بعيداً عن الأيديولوجيات [الفكرانيات]، وفي سياق التصدي النظري والعملي للظاهرة الإسلاموفوبية المتصاعدة، وتحفيز أو تشجيع باقي المسلمات الأوروبيات المعاصرات، على النضال والانفتاح على تجارب جديدة، مغايرة للسائد في الساحة، وفي مقدمتها تجربة المرأة الإمام.

اقرأ أيضاً: هل تؤمن أنّ المرأة أقل كفاءة من الرجل ولا تصلح للقيادة؟!

موضوع إمامة المرأة للصلاة (إمامة المرأة للنساء بالتحديد)، كما جاء في أسفل غلاف الكتاب (وهو تعليق دار النشر التي ترجمته)، موضوع ثانوي في الواقع، وقد يُصبح ورقة براغماتية المُبتغى عند أقلام هذه المؤسسات لكي تقزم من مضامينه، عملاً بقاعدة: "ويل للمصلين"، كما تعودنا مراراً في معرض التعامل مع عديد أحداث.

منتدى المسلمات النقديات

اشتهرت شيرين خانكان بتأسيس مؤسسة تجمع بين العمل العلمي/ النظري والعمل الميداني/ التطبيقي، من باب مساعدة المسلمين في التداول الدنماركي ومعه التداول الأوروبي بالتفاعل مع العديد من التحديات التي يواجهونها، من منظور إصلاحي أو تنويري، أو على الأقل، يروم التنوير.

جاء ذلك من خلال تأسيس منتدى المسلمات النقديات في صيف 2001، مباشرة بعد نيل المؤلفة شهادة الدكتوراه في التصوف والعمل الإسلامي، مستلهمة التجربة من خلال زياراتها المتكررة إلى دمشق، وضمنت النواة الأولى للمشروع مجموعة من الفعاليات العلمية المسلمة المقيمة في الدنمارك، منها الطبيب خرام جبران والبروفيسور هنريك بلاشكي، وجاء التأسيس شهر بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، بما يُفيد أنّ المبادرة لا تعتبر رداً علمياً عملياً على صدمة الاعتداءات، بقدر ما هي مبادرة إيجابية تترجم وعياً بضرورة تأسيس أرضية فكرية مشتركة للمسلمين هناك، وتقديم أجوبة إصلاحية عملية، تضمنت على سبيل المثال، إحداث قاعة للصلاة خاصة بالنساء، تقودها النساء حصراً. أما النقاشات التي غالباً ما يشتغل عليها المنتدى، فلا تختلف كثيراً عن تلك السائدة لدى الخطاب الإصلاحي أو التنويري، على قلته، من قبيل قضايا "الإسلام والعلمانية"؛ "الإسلام التقدمي"؛ "التصوف"؛ "النسوية الإسلامية".

تناقش المؤلفة شهادة المرأة في مقابل شهادة الرجل، تعدد الزوجات، القوامة، الإرث، الزنا، زواج المسلمة بغير المسلم

توقفت المؤلفة عن أهداف المنتدى في أكثر من مقام في العمل، وأوجزتها، على سبيل المثال، في الدعوة إلى ممارسة إسلامية معاصرة، تقدمية، متسامحة، وسلمية، منفتحة، وتدافع عن المعاملة بالحسنى.

من تداعيات تأسيس هذا المنتدى، أنّ خانكان أصدرت في 2006 "مانفيستو إسلامي" [نسبة إلى الإسلام وليس الإسلاموية]، في صحيفة "بوليتكن" اليومية (صحيفة دنماركية)، حيث تستعرض فيه مضامينه أهداف المنتدى، وفي مقدمتها الانتصار للنزعة النسوية الإسلامية، التي تأخذ مسافة من الخطاب الديني التقليدي في تعامله مع قضايا المرأة، ومعه الخطاب الحداثي الغربي، في مبادرة تروم الدفاع عما اصطلحنا عليه في أكثر من مناسبة بـ"الطريق الثالث في التعامل مع قضايا المرأة المسلمة".

اقرأ أيضاً: أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟

ما كتبته خانكان كان مناسبة لأن تتطرق لأول مرة إلى موضوع تأسيس مسجد يضم امرأة إمامة. كانت الفكرة حينها شاذة تداولياً، ولكن أخذت طريقها رويداً رويداً، وأشارت المؤلفة إلى أنّ النساء اللواتي تشاركن في تأدية الصلاة بالمسجد، لديهن كامل الحرية في التعامل مع موضوع الحجاب، مع إشارتها أيضاً إلى أنّ إمامة الصلاة، التي تقوم بها هذه المرأة أو تلك، تقوم بها نساء ترتدين الحجاب في المسجد، أما في الشارع، فهناك انقسام وحرية أكبر في ارتداء الحجاب من عدمه، بحيث تعمدت ترك الحرية لهن.

اقرأ أيضاً: كيف نظر سيد قطب إلى المرأة؟

ينهل هذا المنتدى من مرجعية صوفية مشرقية، متأثرة على الخصوص بأعمال الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي، ويضم مجموعة ناشطين أكاديميين وفي العمل التطوعي، ينتصرون للهاجس الإصلاحي، هدفه التأسيس لتديّن إسلامي تعددي وديمقراطي، من خلال الرهان على إعادة قراءة روحانية للنصوص القرآنية والاعتراف بالتعددية الدينية السائدة في الساحة. وترى المؤلفة في هذا السياق، أنه لا يجب إجبار الفاعل السياسي على خلع الدين على القرارات السياسية، بقدر ما يجب الرهان على استلهام مقاصد الدين؛ وفي المقابل، لا يجب فرض التوجهات السياسية على المتدينين.

اشتهرت خانكان بتأسيس مؤسسة تجمع بين العمل النظري والعمل التطبيقي

نقد الإسلاموفوبيا ونقد الإسلاموية

من مفاجآت الكتاب، تأكيد المؤلفة في أكثر من مناسبة، على أخذ الحيطة والحذر من التفاعل الإعلامي، بحيث تدقق كثيراً قبل التفكير في التواصل والخروج الإعلامي، وهذا نموذج بسيط أوردته في الصفحة 188، معتبرة أن كونها امرأة، تتولى مهمة الإمامة في مسجد خاص بالنساء، يُغذي موقفها المسبق من التعامل الإعلامي، خاصة أنّ الواقعة هنا في هذه الصفحة، تهم السباحة (ارتدت لباس "البوركيني، وكانت مناسبة لتُدلي بوجهة نظر نوعية في قضية "بوركيني نيس" بفرنسا، متخذة مواقف نقدية ضد السلطات الفرنسية (التي انتصرت للمرأة لاحقاً)، وضد الإسلاميين هناك)، وهذا تحصيل حاصل، لأنه من بين أهداف "منتدى المسلمات النقديات"، نقرأ مواجهة الخطاب الاختزالي ضد المرأة، الصادر إما عن أقلام الإسلاموفوبيا في الساحة الأوروبية، وخاصة اليمين الأوروبي، أو ذلك الصادر عن الأقلام الإسلامية الحركية، المتشددة على الخصوص، كما أشارت إلى ذلك في الكتاب، باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، مضيفة: "سوف نأخذ الكلمة، ونقلب الطاولة على هذه خطاب الكراهية التي يحتكر الحقيقة، ومُروج الأحكام والوصاية كما لو كان وزارة العقدية، ضد المجتمع، عبر توزيع صكوك الحُسن والقبح على المسلمين".

اقرأ أيضاً: هل المرأة أكثر استجابة للخطاب الديني من الرجل؟

يتكرر النقد المزدوج للخطاب الإسلاموفوبي والخطاب الإسلامي الحركي في أكثر من مناسبة، بل كان الفصل ما قبل الأخير من الكتاب، مخصصاً لهذا الخيار النقدي المزدوج، وتفاعلاً بداية مع المعضلة الإسلاموفوبية، تطرح المؤلفة أسئلة وجيهة عن إمكانية مواجهة الظاهرة عبر بابين اثنين:

ــ الرهان على القيم الروحية [الروحانية] للإسلام ــ ومعلوم أن هذه القيم تعرضت للتشوه أو التقزيم، أخذاً بعين الاعتبار التقزيم الذي طال المدونة الأخلاقية، بالأمس واليوم ــ مراهنة على خيار التأويل، وتجديد النظر في الآيات القرآنية، حتى إنها توقفت عند عدة تطبيقات بالتحديد: من باب توضيح الصورة للقارئ والمتلقي، ونخصّ بالذكر، الأمثلة المرتبطة بملفات شهادة المرأة في مقابل شهادة الرجل، تعدد الزوجات، القوامة، الإرث، الزنا، زواج المسلمة بغير المسلم.

اقرأ أيضاً: السجن المقدس: المرأة حرةٌ في النصوص عبدة في التفسيرات

ــ تعديل الصورة السلبية اللصيقة بالإسلام حول المرأة، لذلك، لا تنتظر المؤلفة شيرين خانكان، أتباع "العقلية الذكورية" للقيام بذلك، لذلك تُوجه الدعوة للمرأة المسلمة، الباحثة والكاتبة والموظفة والجمعوية.. إلخ، للانخراط النظري أو العملي أو كليهما معاً، ملحة في هذا السياق، على أن العمل يوجد في مقدمة الخيارات الكفيلة بالتصدي لخطاب الجهالة السائد حول المشروع الإسلامي الحركي المتشدد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية