هكذا يتحوّل الشباب العاطل عن العمل في تونس إلى "قنبلة موقوتة"

تونس

هكذا يتحوّل الشباب العاطل عن العمل في تونس إلى "قنبلة موقوتة"


18/07/2018

يُقال إنّ الشاب يصبح يائساً وأحياناً ارهابياً، أو حتى بطلاً مناضلاً عندما "تُفرغ نفسه من كل ما كان فيها من نوازع للعيش الكريم وحب للحياة"، هذا التفسير قد يؤكد التشبيه الذي صاغه بعضهم بأن الشباب التونسي العاطل عن العمل والحامل للشهادات العليا بشكل خاص، شبيه جداً بالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر بالبلد في أية لحظة، نتيجة ما تعيشه هذه الفئة من الشباب من حرمان مادي وفراغ نفسي.
فجّر ثورة فزادت البطالة
الشباب في تونس يعاني من ارتفاع كبير في نسب البطالة، إذ تبلغ، بحسب آخر الإحصاءات المتعلقة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017، بـ 15.5 في المائة، أيّ 639 ألفاً من مجموع السكان النشطين، وذلك وفق التحديث الأخير الذي نشره المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
وتناهز نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات العالية 29.9 في المائة، أي نحو 264.1 ألف في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017. وتُقدَّر نسبة البطالة خلال الفترة نفسها لدى الذكور بـ 12.5 في المائة، في حين تُقدَّر لدى الإناث بـ 22.9 في المائة من إجمالي العاطلين من العمل.

فشل التنمية وعدم ملائمة المنظومة التربوية متطلبات سوق الشغل أدت إلى تفاقم البطالة في أوساط الشباب بتونس

ورغم أنّ الثورة التونسية كانت أساساً ثورة من أجل الحق في العمل، خاصة بالنسبة إلى المتخرجين من الجامعات الذين عجزت السوق المحلية عن استيعابهم، فإنّ الشباب التونسي لم يحقق شيئاً من أحلامه الصغيرة في إيجاد عمل كريم، كما أنّ الأوضاع أسوأ بكثير في منطقة وسط تونس، من حيث انطلقت الثورة، التي تصل فيها البطالة الى نحو 26%، وترتفع فيها نسبة الفقر لتصل الى 30% من مجموع السكان، وهي أربع أضعاف نسبة الفقر في باقي مناطق تونس.
ويزداد المشهد سوءاً بتجديد رئيس الحكومة يوسف الشاهد تأكيده على إغلاق باب الانتدابات لسنة 2019، وهي السنة الثالثة على التوالي التي تُغلق فيها الانتدابات في الوظيفة العمومية، وتقول الحكومة إنّ هذا القرار سببه الضغوط المالية وعجز المؤسسات العمومية واقتراب بعضها من الإفلاس.

اقرأ أيضاً: "فاجعة قرقنة".. الشباب التونسي يواصل امتطاء قوارب الموت

المختص في علم النفس، سامي قلال، لـ"حفريات": البطالة كانت سبباً في عدة ظواهر كالعنف والجريمة

كيف يُصنع الارهابيون؟

ويؤكد خبراء علم النفس والاجتماع على أنّ انتشار ظاهرة البطالة وارتفاعها في صفوف الشباب من أبرز أسباب تفشّي اليأس والإحباط بينهم، في حين تتسبب حالات اليأس في تفاقم ظاهرة العنف والتطرّف، وتقود في كثير من الأحيان إلى الانتحار والهجرة غير النظامية، وحتى الانخراط في صفوف الجماعات الإرهابية المتطرفة كردّ فعل على الواقع المجتمعي المعيش. ويتصدر التونسيون جنسيات عناصر داعش في ليبيا، وقُدر عددهم في ذلك الوقت بـ320 إرهابياً.
وكشفت دراسة أعدها المركز التونسي للبحوث والدراسات، حول الإرهاب في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، بعنوان "الإرهاب في تونس من خلال الملفات القضائية"، شملت ألف إرهابي تونسي أنّ حوالي 40 بالمائة منهم، حاملون شهادات جامعية أو لديهم مستوى جامعي، وأن لدى 33 بالمائة منهم مستوى تعليمياً ثانوياً، و13 بالمائة منه حاصلون على شهادة في التكوين المهني و4 بالمائة فقط على شهادة الباكلوريا.

اقرأ أيضاً: جهادي تونسي وجد نفسه أكثر تطرفاً من "داعش" فاختار الفرار

واستنتجت الدكتورة في علم الاجتماع والسكان إيمان الكشباطي في تحليلها للمحور الأول من الدراسة الخاص بالبيانات السوسيوديمغرافية حول الإرهابيين، أنّ جل الإرهابيين حاصلون على شهادة جامعية، أو لديهم مستوى جامعي، ملاحظة تغلغل الظاهرة الإرهابية في الشرائح العمرية الشبابية، إذ أن العدد الأكبر من الإرهابيين الذين شملتهم هذه الدراسة يهم الشريحة العمرية 25 – 29 سنة ( 275 شخصاً) تليها الفئة 30 – 34 سنة (243) ثم الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 24 (204 أشخاص).

اقرأ أيضاً: توسع تركي على حساب الاقتصاد التونسي المنهك

وبينت أنّ فشل المنوال التنموي التونسي وعدم ملائمة المنظومة التربوية متطلبات سوق الشغل، وقلة الإقبال على مسار التكوين المهني في تونس، أدت جميعها إلى تفاقم البطالة وانسداد الآفاق أمام هذه الفئة من الشباب التونسي.
ويؤكد المختص في علم النفس سامي قلال في تصريحه إلى "حفريات"، أنه أنجز عدة دراسات على فئة من الشباب داخل السجون، وأنها اكتشف في كل مرة، أنّ إشكال البطالة وصعوبة اندماج الشباب في المجتمع كانت سبباً في عدة ظواهر منها ارتفاع منسوب العنف وانتشار الجريمة، فضلاً عن الالتحاق بالجماعات المتطرفة في بؤر التوتر.

استنتجت الدكتورة إيمان الكشباطي، من تحليلها للدّراسة، أنّ قلة الإقبال على التكوين المهني فاقم البطالة

ويضيف قلال أنّ مختلف الدراسات التي أعدها حول الشباب داخل السجون ممن تتراوح أعمارهم بين 18 سنة و29 سنة، أثبتت أنّ عدم تمتع هذه الفئة من الشباب بفسحة أمل، دفعتهم إلى حالة من اليأس وانسداد الأفق، جعلتهم مستعدين إلى القيام بأي شيء، كالهجرة غير النظامية، والقتل، والالتحاق بالجماعات الارهابية، وأحياناً الإقدام على الانتحار.

اقرأ أيضاً: الربيع العربي بين فوضى مصر وعفريت تونس

ويوضح أنّ غالبية الشباب الذي تحدث عنهم، ينحدرون من العائلات الفقيرة، التي تعاني من حرمان اقتصادي، قد يكون هو ما دفعهم لأن يشعروا بأنهم حمل ثقيل على أسرهم وعلى المجتمع، وأدى بهم أحياناً إلى التفكير في الانتقام.
وقد شكّل الإرهابيون التونسيون في الخارج أزمة للدولة، بعد تضييق الخناق على تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا وسوريا والعراق، وبدء عودتهم لبلدهم الأصل، فيما أكدت دراسة أنجزها مركز ''فيريل'' الألماني للدراسات وأعلنها في كانون الأول (ديسمبر) 2017، أنّ عدد المقاتلين التونسيين في صفوف تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، بلغ نحو 12 ألفاً و800 إرهابي منذ اندلاع الحرب في سوريا، وقد قتل منهم نحو 5 آلاف إرهابي، وبلغ عدد المفقودين 1320 إرهابياً وفق صحيفة ''الشرق الأوسط" اللندنية، وهو رقم يكشف عنه لأول مرة لوسائل الإعلام.
"تونس ستصنع منك بطلاً أو متطرّفاً"؟
في الطرف الآخر، قد يولد من رحم البطالة بطل ومناضل اجتماعي، لكنه لن يملك غير نضالاته ضد الحكومة التي أبت أن تستجيب لمطالبه. ويقول في هذا الشأن عبد الحليم حمدي  (42 سنة) من محافظة سيدي بوزيد التي انطلقت منها الثورة، في حديثه لـ"حفريات"، إنّ السنوات الأولى من البطالة مرت عادية بأمل النجاح في إحدى مناظرات الوظيفة العمومية، وكان في الأثناء يقضي وقته في البحث عن عمل مؤقت، وكانت النقمة ككل الشباب تكبر داخله ضد النظام المسؤول عما آل إليه وضعهم.

اقرأ أيضاً: أين وصلت تونس بعد 7 سنوات من "الثورة"؟

عبد الحليم حمدي، لـ"حفريات": كي لا أكون عالة تنقلتُ للعمل في أماكن البناء من الفجر حتى آخر الليل

يضيف عبد الحليم أنه وبعد 10 سنوات من البطالة جاءت ثورة 17 ديسمبر، فانخرط فيها بكل المخزون النفسي الذي تكوّن داخله من رغبة في تغيير وضعه ، لكن بعد السنوات الأولى من الثورة ورغم كل تلك النضالات شعر بأنّ لا شيء تغير، فأصابه اليأس، فقرر أن يعتزل الشارع والناس وحتى عائلته، وتحول للعيش في الريف بمفرده، حيث  قضى وقته في بعض الأعمال لكسب قوته. ويردف: "حتى لا أكون عالة على أحد وصل الأمر للاشتغال في مقاطع الحجارة، وتنقلت للعمل في أماكن البناء لأخرج منذ الفجر وأعود آخر الليل منهكاً".
ومع مرور السنين وجد عبد الحليم نفسه في الأربعين من عمره، فألغى فكرة الزواج وتكوين وبناء بيت يستقر فيه، حتى أصبح في مرحلة لا يخاف خسارة عزيز أو حلم،  ليقرر حينها خوض كل المعارك الممكنة ضد السلطة من أجل المهمشين.

المناضل السابق في الحركة الطلابية، فتحي عواينية، لـ"حفريات": الإرهاب نتاج طبيعي لحالة التصحر الثقافي

من جهته، يقول فتحي عواينية (32 سنة) وهو مناضل سابق في الحركة الطلابية، لـ"حفريات"، إنّ الإرهاب نتاج طبيعي لحالة انسداد الأفق والتصحر الثقافي والقيمي الذي يزرع اليأس في ظل ارتفاع نسبة البطالة مع انتهاج الحكومة أسلوب عدم التوظيف الحكومي.
ويضيف أنّ الفقر والتهميش يجعلان شباب المناطق الأكثر فقراً )الوسط والشمال الغربي(، فريسة سهلة لاستقطابهم من قبل الجماعات الإرهابية.

يؤكد فتحي أنه لم يلتحق بالإرهابيين لكنه يفكر جدياً في مغادرة تونس بحثاً عن مكان تُحفظ فيه كرامته

ورغم هذا، يؤكد فتحي أنه من حسن حظه لم ينسق وراء هذه الآفة، لكنه يفكر جدياً في مغادرة البلد مثل آلاف الشباب، بحثاً عن مكان تُحفظ فيه كرامته، كشاب لديه حماسة كبيرة وطاقة رهيبة للعمل.
ومع استمرار صمت الدولة تجاه هذه أزمة البطالة التي عطّلت حياة الآلاف من الشباب وتعاطيها السيء مع الملف، كما لو كان التشغيل ليس أولوية لديها، فقدَ الكثير من الشباب مستقبلهم، فيما يتحسس الباقون طريقهم إلى المصير المجهول ذاته.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية