هل أصبح الإيطاليون معادين للأجانب اليوم؟

هل أصبح الإيطاليون معادين للأجانب اليوم؟


19/07/2018

ترجمة: علي نوار


نعم ولا، ربّما تكون الإجابة على هذا النحو، وفق ما أظهرته الدراسات التي أجريت مؤخراً في هذا الصدد، لنغص أكثر في تفاصيل رؤى وتخوّفات الإيطاليين فيما يتعلق بالهجرة.

كان أوّل من طرح هذا السؤال، بصورة متعمّقة وبعيدة عن التأويلات الأكثر سطحية والمقولبة، باحثون من عدد من المنظمات غير الحكومية والمعاهد الأوروبية، في إطار ما يعرف باسم (ما يجمعنا أكثر)، وهو عبارة عن حزمة من مشروعات التواصل تستهدف إحداث قدر أكبر من التّوعية بين المجتمعات بشأن الحقوق الاجتماعية، وكذلك (مبادرة التغيير الاجتماعي)، وهي مؤسسة مقرها بلفاست (إيرلندا الشمالية)، وتتخصّص في الدراسات حول الهجرة والمساواة وحقوق الإنسان وتعزيز السلام.

في خضمّ تفشي العنصرية الأحزاب تحصد الأصوات من وراء الإحباطات الاجتماعية الاقتصادية وأزمة الهوية لدى المواطنين

وعرضت الجهتان، العام الماضي، بعد إجراء دراسات مماثلة في فرنسا وألمانيا، التعاون مع شركة "إبسوس" الإيطالية في الأبحاث التي تقوم بها الأخيرة، من أجل تنفيذ الدراسة في إيطاليا، وبعد عام تقريباً من جمع البيانات ومعالجتها وصياغتها، ظهر إلى النور تقرير بعنوان "فهم الأغلبية المذبذبة في إيطاليا"، وهو تحليل تعرض هذه الأيام نسخة موجزة له على الخبراء في هذا المجال والصحافة، على أن تنشر النسخة الكاملة من التقرير في الأسابيع المقبلة، بحسب واضعيه.

اقرأ أيضاً: هكذا تواجه ألمانيا التطرف والعنصرية والكراهية في مدارسها

وفي خضّم قمّة منحنى الحوادث العنصرية بجميع أنحاء أوروبا والأحزاب التي تحصد الأصوات من وراء الإحباطات الاجتماعية الاقتصادية وأزمة الهوية لدى المواطنين، تسلّط نتيجة البحث الضوء بشكل مركّز على الانقسام الذي يشهده المجتمع الإيطالي حالياً، إزاء ظاهرة الهجرة، وتذهب الدراسة لما هو أبعد من مجرّد استطلاعات الرأي التي تجريها جهات سياسية، وتناقش لأسابيع متسبّبة في حالات عابرة من الجدل.

وزير الداخلية الإيطالي ونائب رئيس الوزراء ، ماتيو سالفيني

سبع فئات

كشفت الدراسة؛ أنّ المجتمع الإيطالي ينقسم إلى سبع فئات مختلفة، اثنتان منها منفتحتان ومتضامنتان، هما الإيطاليون الشعوبيون (الكوزموبوليتان)، ويمثلون 12%، والكاثوليك الإنسانيون ويمثلون 16%، وهناك فئتان عنصريتان بصورة علنية، هما القوميون العدائيون بنسبة 7%، والمنادون بالدفاع عن الثقافة بنسبة 17%، وبالطّبع فإن هاتين المجموعتين تتواجدان على أقصى طرفي النقيض، فيما يخّص آراءهم حول كيفية التعامل مع ظاهرة الهجرة في إيطاليا.

رغم تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلّي في إيطاليا خلال الأعوام الماضية وتراجع الدين العام  إلّا أنّ مشهد الاقتصاد الجزئي مغاير

أما في الوسط، وهنا المعلومات الأهم، هناك قطاع عريض تتأرجح آراؤهم تجاه الهجرة، وفق الاتجاه والخطاب السياسي المسيطر، ومن بين هؤلاء يظهر القلقون بشأن الأمن بنسبة 12%، والمسنّون الذين يفتقرون للرعاية بنسبة 17%، فضلاً عن انزلاقهم تحت خط الفقر، والمعتدلون غير المهتمّين ويمثّلون 19%، "وهم غالباً من الشباب الذين يهتمّون لشأنهم أكثر من القلق بشأن الآخرين"، على حد وصف الصحافية كيارا فيراري، وهي إحدى الباحثين في مؤسسة "إبسوس"، وقد شاركت في وضع الدراسة.

وتضيف الخبيرة: "أسمينا هذه الأغلبية بالمتذبذبة، لأنّ آراءهم ليست نهائية وتختلف وفق عدة عوامل"، المساهمة في وضع الدراسة، والتي تجري أيضاً بناء على معايير مماثلة في كلّ من اليونان وهولندا والولايات المتحدة، وتستطرد فيراري: "هم عبارة عن مجموعة عانت بشكل كبير جرّاء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ضربت إيطاليا".

ورغم تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلّي في إيطاليا خلال الأعوام الماضية؛ حيث ارتفع الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 1.5% في عام 2017، وتراجع الدين العام بالنسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي بصورة طفيفة، في الربع الرابع من العام 2017 إلى 131.8%، إلّا أنّنا حينما نرى بيانات الاقتصاد الجزئي فسيكون المشهد مغايراً؛ فوفق أحدث تقارير المعهد الإيطالي للإحصاء "إستات"؛ فقد تمّ العام الماضي تسجيل خمسة ملايين شخص في وضع "فقر مدقع" (بإجمالي 6.9%؛ بعد أن كان الرقم 6.3% في عام 2016). وترتبط هذه المؤشرات بزيادة درجة انعدام التكافؤ الاجتماعي المادّي، وبحسب منظمة "أوكسفام"، فإن ثروة الـ 1% من الأشخاص الأغنى في إيطاليا، تبلغ 240 ضعف ما لدى الـ 20% الأفقر من السكّان.

في ضوء ما سبق ذكره، فإن الادّعاء بأن توافد مهاجرين جدد يتسبّب في ضرر مباشر وفوري على حالة الرفاه لدى المواطن الإيطالي، ليست سوى فكرة لا أساس لها من الدقة مثلما تشير بيانات معهد التكافل الاجتماعي في البلاد، ووفق ما أكّده رئيس هذه الجهة، تيتو بويري، فإنه يوجد حالياً خمسة ملايين أجنبي يعيشون في إيطاليا، يمثّلون ما نسبته 8% من المواطنين، وهي نسبة أقلّ من دول مثل؛ فرنسا وبريطانيا، ويسدّدون ثمانية مليارات يورو لصالح التكافل الاجتماعي الإيطالي، ويتلّقون في المقابل ثلاثة مليارات يورو فحسب، الأمر الذي يُعزى إلى كون أغلب أفراد مجتمع المهاجرين من الشباب، وتُضاف إلى هؤلاء كتلة أخرى؛ هم مُكتسبو الجنسية، الذين وصل عددهم إلى 400 ألف شخص في الفترة بين عامي 2013 و2016 (وتُحصى مساهماتهم مثلهم مثل الإيطاليين)، وفق مؤسسة "إيسمو".

بويري: نحن في حاجة إلى مزيد من المهاجرين لتلبية الطلب في سوق العمل الإيطالي هناك الكثير من الوظائف

ويوّضح بويري: "نحن في حاجة إلى مزيد من المهاجرين لتلبية الطلب في سوق العمل الإيطالي، هناك الكثير من الوظائف التي لم يعد الإيطاليون يرغبون في امتهانها"، وذلك أثناء مداخلة أفاد بها أمام البرلمان الإيطالي، في الرابع من تموز (يوليو) الماضي. يُفسّر هذا الوضع أيضاً عن طريق الأزمة السكّانية التي تعايشها إيطاليا؛ ففي عام 2016 وُلد عدد من الأطفال يقّل بمقدار 100 ألف طفل عن عدد المواليد الذي شهده عام 2008، فقد تراجع معدّل الإنجاب إلى 1.34 طفل لكلّ امرأة، فضلاً عن ضعف الاستقرار العملي ما أدّى إلى تأخّر سن إنجاب أول طفل إلى متوسّط 31.8 عاماً، بينما قفز عدد المسنّين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً إلى 22% من إجمالي السكّان، وفق بيانات المعهد الإيطالي للإحصاء.

المعركة من أجل الأغلبية المذبذبة

الواقع؛ أنّ "هؤلاء الذين يعلنون عنصريتهم، لا توجد طريقة لإقناعهم، ولا حتى عبر تقديم أدلّة وبيانات وتقارير. أما المتضامنون فإنهم لا يتراجعون كذلك، لكن لا ينبغي أن نتناسى تلك الأغلبية، فمن المهم التحاور معها، لأنّ الباب ما يزال مفتوحاً بعد"، حسبما أوضحت سارة كونسولاتو، إحدى المشاركات في تأسيس شبكة "مرحباً باللاجئين" الإيطالية، التي ترى في التقرير الذي قدمته كلّ من "ما يجمعنا أكثر"، و"مبادرة التغيير الاجتماعي" فرصة عظيمة لفهم المجتمع الإيطالي بشكل أفضل.

وتكشف صحيفة "اليسار"، التي خصّصت مساحة كبيرة من طبعتها الورقية لنشر هذا البحث، أنّ فئات مثل القلقين بشأن الأمن والذين يفتقرون للرعاية والمعتدلين غير المهتّمين سيندرجون غالباً ضمن هذه الشريحة من الإيطاليين، الذين يقولون: "حسناً أنا لست عنصرياً، لكن..."، مستطردة أنّ "لكن" هذه تعني بالنسبة إلى الإيطاليين تخوفّات وقلق وتخبّط، "بسبب التقدّم الحادث في التّقنيات الرقميّة والتي تصوّر الهجرة على أنّها غزو".

الكراهية للإسلام وللأجانب ولليهود انتشرت بشكل ملحوظ خلال العام الأخير، وقفزت نسبة التغريدات من هذا النوع تحديداً

هذا هو الوجه الآخر للعملة؛ الصّدى الهائل للخطاب المعادي للأجانب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو أمر له أهمّية بارزة، خاصّة إذا علمنا أنّ موقعاً مثل فيسبوك، لديه في إيطاليا ما يربو عن 30 مليون مستخدم (من إجمالي 60 مليون نسمة)، بحسب بيانات نشرتها الشركة التكنولوجية عام 2017، وقد عرفت الأحزاب السياسية الإيطالية أيضاً، ومن بينها حركة "خمس نجوم" و"الرابطة"، كيفية استغلال هذا العامل، حيث تعود إلى تلك المنصّات في كلّ مناسبة تريد فيها قول شيء ما تعتقد أنّ له أهمية.

وكشف تحليل حديث أنّ "الكراهية للإسلام وللأجانب ولليهود انتشرت بشكل ملحوظ خلال العام الأخير، وقفزت نسبة التغريدات من هذا النوع تحديداً؛ من 32.4% عام 2017، إلى 36.9% العام الجاري، وهي زيادة تقدّر بأربع نقاط"، وهو تحليل أجراه معهد "فوكس" بالتعاون مع المرصد الإيطالي للحقوق الذي يعمل فيه باحثون من خمس جامعات إيطالية، والذين توصّلوا أيضاً إلى اكتشافات مثيرة فيما يخص رسائل الكراهية بإيطاليا، بمعنى أنّ هذا النوع من التغريدات تبّث بصورة أكبر من المناطق التي تشهد وجوداً محدوداً للمهاجرين (بالنسبة إلى عدد المواطنين)، في مدن كبرى مثل؛ روما وميلانو ونابولي، وتتوافق هذه المعلومات أيضاً مع تراجع حدّة الرسائل المعادية للمثليين جنسياً (تراجع عدد التغريدات المعادية للمثليين من 35 ألف تغريدة في 2016 إلى 22 ألف تغريدة في 2017)، حسبما تحقّقت الدراسة التي شملت ستة ملايين و544 ألفاً و637 تغريدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويرتبط هدوء وتيرة الهجمات المعادية للأجانب مع بدء سريان تشريع يسمح للأشخاص من نفس النوع بالزواج، فضلاً عن عدم استهداف أيّ من الأحزاب الإيطالية الكبرى لمجتمع المثليين.

كيارا فيراري: وسائل الإعلام تتحمّل قدراً كبيراً من المسؤولية عن النظرة التي يُرى بها المهاجرون واللاجئون

هناك نقطة أخرى مهمّة في هذا السياق؛ ألا وهي الاعتقاد بأنّ غياب الأمن مرتبط بالهجرة، وهو أمر ربما يكون قائماً، لكنّه لا يجد أرقاماً يستند إليها؛ فوفق البيانات الصادرة رسمياً عن وزارة الداخلية، في أيلول (سبتمبر) الماضي، فإنّ عدد الجرائم المسجّلة في إيطاليا تراجع بنسبة 9.2% خلال العام الماضي، بينما أكّد تقرير "إستات" حول الجريمة في البلاد؛ أنّ الغالبية العظمى من المدانين في إيطاليا عام 2015، كانوا مواطنين يحملون الجنسية الإيطالية (219 ألفاً و462 شخصاً، أي 70% من إجمالي هؤلاء الذين أدينوا في جرائم).

وتعود الصحافية كيارا فيراري لإبراز: "أعتقد أنّ وسائل الإعلام تتحمّل قدراً كبيراً من المسؤولية عن النظرة التي يُرى بها المهاجرون واللاجئون"، مسلّطة بذلك الضوء على المشكلة التي وضع أساتذة جامعيون أيديهم عليها كذلك، ولعلّ خير مثال على ذلك؛ المقال المعنون بــ "الإعلام والمهاجرين، بين الصور المقولبة والأحكام المسبقة"؛ الذي كتبه خبير علم الجريمة إرنستو كالفينسي، الذي عدّ الصحف الكبرى الإيطالية تُغرق في الحديث عن الهجرة لكنّها تفعل ذلك مستخدمة مصطلحات تصادمية، أما الصحافة الداعية للسلام فإنّها غائبة عن المشهد تماماً.

امرأة على شرفة أثناء مظاهرة ضد العنصرية في ماسيراتا ، إيطاليا ، 2018.

عزوف انتخابي

والآن، ما الذي تقوله لنا استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات خلال الأشهر الأخيرة والتي وضعت حزب الرابطة بقيادة ماتيو سالفيني والمعروف بمعاداته للأجانب في الصدارة؟

رغم خطابه الذي يكتسب قدراً أكبر من الحدّة كل يوم تجاه الهجرة، والخروج عن النصّ أحياناً بحق بعض زعماء الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لم يخسر حزب الرابطة ولا زعيمه سالفيني حالة الإجماع، بحسب البيانات الُمتاحة؛ بل على العكس من ذلك تماماً؛ فقد أظهرت أحدث استطلاعات الرأي أنّ سالفيني أصبح اليوم السياسي الأكثر شعبية بين الإيطاليين (بنسبة 57%، وفق استفتاء أجرته مؤسسة "نوتو")، وهو الأمر الذي تمكّن منه سالفيني، ليسحب البساط حتى من تحت أقدام شريكه في الائتلاف الحاكم "حركة خمس نجوم"، رغم أنّ الأخير هو الحزب السياسي صاحب أكبر عدد من الأصوات في انتخابات آذار (مارس) الماضي.

لم يخسر حزب الرابطة ولا زعيمه سالفيني حالة الإجماع، بحسب البيانات الُمتاحة؛ بل على العكس من ذلك تماماً

ليس هذا فحسب، بل شهدت الانتخابات البلدية الأخيرة، التي عُقدت في حزيران (يونيو) الماضي، انتزاع (الرابطة) وحلفائها من يمين الوسط أيضاً 42 بلدية إيطالية، يعيش فيها 15 ألف نسمة على الأقل، وكان هذا المعسكر يسيطر على 23 بلدية فحسب، قبل الانتخابات، منتزعاً بلديات كانت تعدّ معقلاً تقليدياً لتيار يسار الوسط، مثلما هو الحال في مدن بيزا وماسا وسيينا وإيمولا.

وقد نجح سالفيني في تحقيق كلّ ذلك، عن طريق الظّهور في هيئة السياسي الفذّ، ولم يتوان ولو للحظة واحدة عن تكرار أنّ مواقفه غير نابعة من دوافع عنصرية، لكنّه شخص يرفض الهجرة غير الشرعيّة.

اقرأ أيضاً: هكذا تواجه ألمانيا التطرف والعنصرية والكراهية في مدارسها

لكن هناك تفصيلة ذات حيثية بالغة الأهمية، يجب أن تستوقفنا هنا، ونضعها بعين الاعتبار: 47% ممّن يمتلكون حق الانتخاب فقط هم من أدلوا بأصواتهم في الاستحقاق الانتخابي، الذي أُجري في 24 حزيران (يونيو) الماضي، وهي نسبة إقبال تعدّ ضمن الأضعف على مدار الأعوام الأخيرة. امتنع باقي الناخبين عن التوجه للجان الاقتراع، نظراً لعدم اقتناعهم بأي من المرشحين أو الأفكار التي يعبّرون عنها.

انطلاقاً مما سبق ذكره بالأعلى، خاصّة فيما يتعلّق بتلك الفئة غير المستقرّة على رأي محدّد، يظهر عامل آخر مهمّ أيضاً؛ هو كيف تمّ تصوير مناورات الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأخرى إزاء طلبات إيطاليا بالتّعاون في مسألة إعادة توزيع جهود التّعامل مع الهجرة الوافدة إلى الدولة الواقعة جنوبي أوروبا، في الداخل الإيطالي؟

أتباع الرابطة في مظاهرة ضد الهجرة في ميلانو

المخاوف

تتلخّص الإجابة في فكرة مستقرّة بشدّة في أذهان الإيطاليين؛ هي أنّ بلادهم تُركت وحيدة في مواجهة ظاهرة المهاجرين الذين يبلغون سواحلها والجهود المؤسسية التي يتضمّنها ذلك في مرحلة ما بعد الوصول (بدءاً من الاستضافة، حتى البتّ في طلبات اللجوء والإدماج)، وهو ما يعكسه استفتاء أجرته شركة "إكسيه" لاستطلاعات الرأي، عام 2017 (حيث تبيّن أنّ 78% من الإيطاليين يعدّون إيطاليا تُركت بمفردها من قبل الاتحاد الأوروبي لتدير ملفّ الهجرة). وهو أمر صحيح جزئياً، لا سيّما أنّ دولاً أوروبية عديدة، على رأسها تلك الأعضاء في مجموعة "فيزجراد" (التي تضم كلّاً من المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، رفضت حتّى الالتزام بالحدّ الأدنى من توزيع حصة من طالبي اللجوء الواصلين إلى إيطاليا واليونان عليها.

إضافة إلى كلّ ذلك؛ تأتي المعاملة التي يحصل عليها المهاجرون واللاجئون الذين يعملون في إيطاليا، وهو أمر لا يمكن استيعابه عبر الإحصاءات، ويعدّ أحد أبرز مسبّبات الاعتقاد الذي ينتشر بين الإيطاليين بأنّ وفود العاملين الجدد كان لها أثراً تقويضياً على حقوقهم في مجال العمل، وهو القلق الذي يشعر به، مثلما هو الواقع في بلدان أخرى، بنسبة أكبر الأفراد المنتمين للقطاعات الأقل حصولاً على الاهتمام، ليلتحق بالتخوّفات الأخرى الثقافية والدينية، التي لا يبدو أنّ حتى دعوات البابا فرانسيس من أجل الإدماج نجحت في تهدئتها تماماً.

هناك قطاعات من المجتمع الإيطالي متعاطفة ومتفّهمة بشكل كامل للمعاناة الإنسانية التي يخوضها المهاجرون

فقد كشف استطلاع رأي أجراه معهد "بو" للأبحاث، ونشرته مؤسسة "يو تريند"؛ أنّ ثلث الإيطاليين يشعرون بأنّهم "أجانب في بلادهم" بسبب ارتفاع عدد المسلمين المتواجدين في البلاد، رغم أن هؤلاء لا يمثّلون بالكاد 4% من المجتمع الإيطالي (وتجدر الإشارة إلى أنّ إيطاليا لم تتعرّض لاعتداء جهادي واحد، طوال الأعوام الـ 10 الأخيرة)، وفق التقديرات.

ورغم كل ذلك، فمن اللافت للنظر أنّه هناك قطاعات من المجتمع الإيطالي متعاطفة ومتفّهمة بشكل كامل للمعاناة الإنسانية التي يخوضها المهاجرون، وقد عبّرت سارة كونسولاتو، إحدى المشاركات في تأسيس منظّمة "مرحباً باللّاجئين" في إيطاليا)، عن ذلك؛ حيث أكّدت أنّ الموقع الإلكتروني لمنصّتها شهد استقبال طلبات انضمام عديدة إبان إصدار الحكومة الجديدة في إيطاليا، قراراً بإغلاق الموانئ في وجه السفن التابعة للمنظّمات غير الحكومية التي تنشط في إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط.

وتبرز كونسولاتو: "اعتقدنا في البداية أنّ إعلان إغلاق الموانئ وتدفّق طلبات التسجيل أمران حدثا معاً، من قبيل المصادفة البحتة، لكنّ الظاهرة استمرّت فيما بعد؛ ففي غضون أسبوع واحد فحسب، انضمّت إلى مشروعاتنا 50 عائلة جديدة، مقارنة بمتوسّط عائلة واحدة كانت تطلب التسجيل كلّ يومين"، مع الإشارة إلى أنّ مشروعات كونسولاتو الهادفة لتشجيع إيواء اللاجئين بمنازل الإيطاليين، ليست هي الوحيدة من نوعها في هذه البلاد.


تقرير للصحافية إيريني سابيو، نشر بالنسخة الإسبانية من مطبوعة "فورين بوليسي"

المصدر: https://goo.gl/U2bQPA



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية