تونس: من أزمة الدولة إلى أزمة الحزب الحاكم

تونس

تونس: من أزمة الدولة إلى أزمة الحزب الحاكم


22/07/2018

تعيش تونس أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة يمارس فيها الدينار التونسي سقوطاً حراً أمام الدولار منذ أربعة أعوام، كما تتصاعد أزمة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته، إضافة إلى تدهور المقدرة الشرائية والتحاق ما كان يسمى سابقا بـ"الفئات المتوسطة الدخل" بالفئات الأكثر فقراً. غير أنّ هذه الأزمة لم تكفِ أصحاب القرار كي تبلغ تونس أبشع درجات الهوان، فأضافوا إلى أزماتها مأزقاً سياسياً تعيه كل الأطراف السياسية سلطة ومعارضة، بيْد أنّ إمكانيات تغييره وصلت إلى نفق مظلم قد تدفع البلاد ضريبته غالياً.

 خرجت لجنة خبراء بخريطة طريق تتضمن 64 نقطة لوثيقة قرطاج 2

وثيقة قرطاج 2 والبحث عن الخلاص

أمام الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد آخر لم يجد رئيس الجمهورية في كانون الثاني (يناير) 2018 بداً من الدعوة إلى اجتماع أشرف عليه وحضره كل من أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي وأمين عام اتحاد الفلاحين، عبد الحميد الزار ورئيسة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (حينها)، وداد بوشماوي، إلى جانب الرؤساء والأمناء العامين وقياديين من حركة نداء تونس وحركة النهضة وحركة مشروع تونس وحزب المسار وحركة الشعب وحزب آفاق تونس وحزب المبادرة والاتحاد الوطني الحر. وانتهى الاجتماع إلى ضرورة حلحلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي تحت تهديد انفجار الشارع التونسي أمام تردي الأوضاع على المستويات كافة.

في ظل تمسك كلّ طرف بموقفه يواصل الشاهد ترؤس الحكومة رغم مطالبته ضمناً أو صراحة بتقديم استقالته

وتمخضت سلسلة الاجتماعات عن لجنة خبراء خرجت بخريطة طريق تتضمن 64 نقطة لوثيقة قرطاج 2. ولكن النقطة الأخيرة المتعلقة بطبيعة التغيير الذي سيطال الحكومة مثلت خلافاً حاداً بين الأطراف السياسية المعنية بتوقيع الوثيقة.

ففي حين دعا شق من حركة نداء تونس (المكتب التنفيذي بزعامة المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الحالي) والاتحاد العام التونسي للشغل إلى ضرورة رحيل الحكومة برمتها، تمسكت حركة النهضة وعدد كبير من أعضاء الكتلة البرلمانية لحركة نداء تونس بزعامة سفيان طوبال بالاستقرار الحكومي وضرورة إجراء تعديل على التشكيلة الحكومية الحالية.

اقرأ أيضاً: انتخابات تونس: في ظلّ عزوف الشباب.. "النهضة" و"نداء" تحصدان أغلب المقاعد

ورغم سلسلة النقاشات والمشاورات، فإنّ وجهات النظر لم تتقارب؛ بل إنّ الأزمة تعمقت، عندما هاجم رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح إعلامي المدير التنفيذي لحزبه نداء تونس المتهم بتصدير أزمة داخلية في الحزب وصراع أجنحة داخله إلى عمق الدولة.

يوسف الشاهد ابن حركة نداء تونس الذي دعمها في الحملة الانتخابية للبلديات، والذي جاء به مؤسس نداء تونس الباجي قائد السبسي تحول بين عشية وضحاها إلى رمز من رموز الفشل تستغل حركة نداء تونس قربها من القناة الإعلامية الخاصة "نسمة" للإطاحة به.

هل فقد الرئيس السيطرة؟

في الوقت الذي يطالب فيه التونسيون بسياسة اقتصادية وإصلاحات كبرى تعيدهم إلى الحياة وإلى الأمل من جديد، تطفو أزمة نداء تونس الذي يحكم البلاد بتوافق مع حركة النهضة على السطح، وتحتل صدارة الاهتمامات وتقحم التونسيين في حرب ليسوا أطرافاً فيها سوى من موقع الضحية.

أما رئيس الجمهورية، الذي يصفه أنصاره برجاحة العقل وحسن التدبير السياسي وربط التحالفات، فقد بدا مؤخراً فاقداً لكل سيطرة على الأمور.

اقرأ أيضاً: هكذا يتحوّل الشباب العاطل عن العمل في تونس إلى "قنبلة موقوتة"

ومثل ظهوره في حوار تلفزيوني، الأحد الماضي، على شاشة قناة "نسمة" المملوكة لنبيل القروي أحد داعميه إعلامياً منذ تأسيس الحركة بطلب من الرئيس نفسه، حسب ملاحظين انتصاراً لشق نجله على حساب شق يوسف الشاهد وداعميه من الكتلة البرلمانية دون تقديم أي جديد بالنسبة إلى التونسيين الذين ينتظرون حلاً للمأزق الذي تعيشه البلاد.

وفي ظل تمسك كلّ طرف بموقفه، يواصل الشاهد ترؤس الحكومة، رغم دعوات كثيرة تطالبه ضمناً أو صراحة بتقديم استقالته، أو بطرح ثقة حكومته على البرلمان للتصويت على تزكيتها أو إسقاطها، مثلما حصل مع سلفه رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد الذي تمت إطاحته وحكومته بهذا السيناريو.

وإثرها مباشرة وقعت تسعة أحزاب، وثلاث منظمات تونسية، في 13 تموز (يوليو) 2016، بقصر قرطاج في تونس العاصمة، وثيقة اتفاق قرطاج، وتم على أساسها تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة يوسف الشاهد، هي الثامنة في تونس بعد ثورة 2011.

لم يتضح إذا كان السبسي ينوي الترشح لانتخابات 2019 أم لا

رئاسيات 2019 على الخط

لم يتضح حتى الآن ما إذا كان الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي (91 سنة) ينوي الترشح للانتخابات القادمة في 2019 أم لا، غير أنّ السباق نحو كرسي الرئاسة قد دخل مرحلة العد التنازلي في الخفاء على ما يبدو، بما أنّ عدم ترشحه، إن ثبت، سيفتح الباب أمام تنافس داخلي لحركة نداء تونس المهددة بمزيد من الانقسامات حسب محللين. يمكن استخلاص ذلك من خلال دعوات حركة النهضة ليوسف الشاهد إعلان عدم ترشحه لرئاسيات 2019.

"ولدك في دارك"

وبما أنّ للشعب التونسي بوصفه مكوناً من مكونات الأمة العربية المعنية بقوة بمسألة التوريث على سدة الحكم وحكم العائلات، فإن هناك حساسية سلبية ضد هذا الموضوع بالذات، لذلك ارتفعت أصوات حملة تحت شعار "ولدك في دارك" (ابنك في منزلك) التي استلهمها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من النائب عن الجبهة الشعبية بالبرلمان عمار عمروسية الذي توجه إلى رئيس الجمهورية بالعبارة ذاتها تحت قبة البرلمان. ومازال صداها يتردد إلى حد اللحظة مصحوبة بتعليقات ساخرة وانتقادات لتدخل نجل الرئيس في المشهد السياسي التونسي واتهامه بتدمير حزب نداء تونس بإقصاء كل من يمكن أن ينافسه على خلافة والده سواء على رأس الحزب أو على السباق نحو كرسي الرئاسيات.

السباق نحو كرسي الرئاسة دخل مرحلة العد التنازلي وسيفتح الباب أمام تنافس داخلي في حركة نداء تونس

يؤكد ذلك أنّ حزب نداء تونس الذي فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2014 صار الآن خمسة أحزاب تنذر بالمزيد: حركة نداء تونس لحافظ قائد السبسي (مدير تنفيذي) وحزب حركة مشروع تونس لمحسن مرزوق وحزب المستقبل للطاهر بن حسين وحزب بني وطني لسعيد العايدي وحزب تونس أوّلاً، في انتظار ما قد تسفر عنه السياقات القادمة.

في انتظار الحسم

وفي انتظار حسم المشهد السياسي وتوجيهه إلى السكة الأصوب اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً تبقى أنظار التونسيين مشدودة إلى ضوء بعيد في النفق يشترط الوصول إليه إلغاء للمكاسب الشخصية التي يلهث وراءها الجميع، في ظل تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، وتعثر اجتماعات قرطاج التي كان آخرها الأحد الماضي دون نتيجة تذكر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية