المسكوت عنه عربياً وإسلامياً في الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية

المسكوت عنه عربياً وإسلامياً في الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية


31/07/2018

تطرح البرامج الاجتماعية وكثافة الغوص في تفكيك مقولات المسكوت عنه في فضائيات الإعلام الأجنبي الناطقة باللغة العربية، ضخامة إشكالية المحتوى في الفضائيات العربية، التي تأخذ السياسة الحيز الأكبر منها، على حساب قضايا اجتماعية وفكرية أصبحت أكثر إلحاحاً، في ظلّ التطورات التكنولوجية، وحالة السيولة الهائلة في المعلومات والصور المتدفقة التي تحمل معها محمولاً ثقافياً واجتماعياً، جعل ما يعرف بالثوابت الاجتماعية والقيمية  المرتكزة على تأويلات "مغلقة"، تقع في باب المقدس الديني والاجتماعي "المغلق"، تقف أمام مواجهة صعبة وامتحان عسير، من غير الواضح مآلاتها ونتائجها، خاصة أنّ أدوات المواجهة مشكوك بقدرتها على تحقيق نتائج تذكر بهذه المواجهة، في ظلّ موازين قوى ليست بصالحها، خاصة مقولات الغزو الثقافي، واستهداف الآخر لثوابت الأمة.

المحتوى الإعلامي المطروح في مثل هذه البرامج يقابل بموقف عدائي تقوده الفضائيات العربية المنافسة

ويصعد إلى الواجهة في المحتوى الإعلامي، الذي تطرحه فضائيات أجنبية في باب المسكوت عنه، على سبيل المثال لا الحصر، البرنامج الذي تبثه فضائية "فرانس 24"، "في فلك الممنوع" في حلقات أسبوعية، تتناول بالتفكيك قضايا المسكوت عنه: الدين والجنس والسياسة، في طيف واسع من العناوين التي تتناول هذا المقدس الممنوع "شرعاً" تناوله أو الاقتراب منه؛ كالخمور، والجماعات الدينية كالعلويين والشيعة والدروز، وقضايا مرتبطة بالأقباط والأكراد والأمازيغ في الدول العربية، والعلاقة بين المسيحي والمسلم في الدول العربية، والتمييز القائم على العرق والدين، وقضايا الزواج المختلط والمثليين، إضافة إلى قضايا الزي الإسلامي والحجاب والبوركيني، وتعدد الزوجات والميراث وقائمة طويلة من قضايا حقوق المرأة، وحقوق العمال كنظام الكفالة المعمول فيه في بعض دول الخليج، وغيرها من القضايا.

اقرأ أيضاً: خبراء وباحثون: الإعلام العربي فشل في تحليل أزمات المنطقة

ربما تتميز منهجية القائمين على البرنامج في أنّ المتحاورين مختصون في قضايا موضوع البحث، ويمثلون وجهات النظر المتعددة والمتناقضة تجاه موضوعاته، وهو ما يقدم فرصة للمتابعين للاطلاع على أفكار جديدة، يخضع التعامل معها، قبولاً ورفضاً، للقدرة الحجاجية والإقناعية لدى المتحاورين، وثقافة المتلقي ووعيه، من خلال فتح مساحة واسعة لطرح المزيد من الأسئلة اللامتناهية لتضييق الفجوة في حالة الانفصام، التي يعيشها بين مخرجات خطابات مغلقة عدمية، ومخرجات واقع بمحتوى ومضامين وأفق مفتوحة بلا حدود.

هناك من يدّعي بأنّ محتوى تلك البرامج إنما يقع في باب الغزو الثقافي واستهداف المسلمين في دينهم ومعتقداتهم

المحتوى الإعلامي المطروح في مثل هذه البرامج، يقابل بموقف عدائي تقوده الفضائيات العربية المنافسة، ارتباطاً بسياساتها الإعلامية القائمة على الدفاع عن أيديولوجيا الإسلام السياسي والممانعة والمقاومة العربية والإسلامية، إضافة إلى الفضائيات الدينية المدافعة عن المشروع والأيدولوجيا الدينية، بشقّيها؛ السني والشيعي، بمبررات أنّ محتوى تلك البرامج إنما يقع في باب الغزو الثقافي واستهداف المسلمين في دينهم ومعتقداتهم، دون تقديم حلول عملية للقضايا المطروحة إلا في إطار الأجوبة المعلَّبة، التي تشكّل مخرجاتها أدوات غير قابلة للتطبيق والترجمة، وترفض طرح برامج مماثلة، أو تطرح برامجها المشابهة من وجهة نظر واحدة، في إطار الإملاء وامتلاك الحقيقة المطلقة.

اقرأ أيضاً: لماذا شيطن الإعلام المقرب من قطر "حراك" الأردن؟

وبموازاة ذلك، هناك تيار من الاجتماعيين والمثقفين الذين يرون أنّ هناك وجاهة في طرح مضامين المسكوت عنه، بتابوهته الثلاثة: الدين والجنس والسياسة، في إطار اعتراف شامل بأهمية مناقشة تلك القضايا، وألّا تبقى حبيسة أدراج المكتبات الجامعية في إطار الأطروحات التي تتناول هذه القضايا؛ في كليات الشريعة والأديان المقارنة والتربية وعلم الاجتماع.

لم تعد الجزيرة محجّة للمعارضين في ظلّ إنشاء فضائيات عربية وإسلامية في غالبية الدول العربية والإسلامية

إنّ تفكيك مقولات المسكوت عنه، التي يتم التعبير عنها في فضائيات ووسائط إعلامية أجنبية ناطقة باللغة العربية، تستثمر حجم مساحة الحرية المتوفرة لها في الدول غير العربية والإسلامية، إضافة إلى كونها جزءاً من معركة التحولات الكبرى التي تمر بها البلدان العربية والإسلامية، وعلى كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ...إلخ، ستبقى معركة مفتوحة تتحدد اتجاهاتها وآفاقها  المستقبلية بإنجاز عدة شروط، لعلّ في مقدمتها مآلات التنافس في الشأن الديني بين مؤسسات الإفتاء التي تمثل الإسلام السياسي، متشدداً وأقلّ تشدد من جهة، والمؤسسات المماثلة في الدول العربية والإسلامية، خاصة أنّ مواقف الإفتاء الرسمية؛ عربياً وإسلامياً، تلتقي في مخرجات فتواها، عن قصد أو بدونه، مع فتوى الإسلام السياسي، في إطار تنافس محموم ومفهوم الأسباب لاستقطاب الجمهور العربي والإسلامي، ثم مآلات واتجاهات التعامل مع فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت فرصاً غير مسبوقة من الحرية في التعبير من قبل الفاعلين، والخوض في قضايا المسكوت عنه.

اقرأ أيضاً: "منتدى الإعلام العربي" والرقمنة الموضوعية

من المؤكد أنّ ضغوط التغيير التي تفرضها مقاربات حقوق الإنسان والديمقراطية تندفع بقوة، تأخذ شكل البركان أحياناً، أو الفيضان أحياناً أخرى، أو الأعاصير التسونامية، وإسقاطاً لهذه الصورة، كانت الدوحة وقناة الجزيرة الفضائية قبلة المعارضين العرب والإسلاميين، لطرح أفكارهم ومقارباتهم التي لا يستطيعون الإعلان عنها في بلدانهم، أما اليوم فلم تعد الجزيرة أو الدوحة محجّة للمعارضين، في ظلّ إنشاء فضائيات عربية وإسلامية في غالبية الدول العربية والإسلامية، يستطيع المعارضون والموالون طرح أفكارهم ومقارباتهم من خلالها، وربما ستنسحب هذه الصورة عما قريب على كلّ الفاعلين في فضائيات الإعلام الأجنبي الناطق باللغة العربية، بحيث يغوصون ويكشفون ويفككون هذا المسكوت عنه في بلدانهم، وبذلك يقطعون الطريق على مقولات الغزو الثقافي، التي تحوم اليوم حولها شبهات كثيرة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية