مواجهة جماعات الإرهاب وسردياتها القاتلة

مواجهة جماعات الإرهاب وسردياتها القاتلة


15/08/2018

تظاهر ولَم يملك سوى حنجرته، اقتادته المخابرات فعذبته حتى مات. نمي إليهم بأنه جاء إلى عيادته جريح أصيب برصاصة في ساقه أثناء قمع المظاهرات المناهضة للاستبداد والفساد، فمارس واجبه العملي والأخلاقي. اعتقل وعذّب وفارق الحياة. عدد من قضوا بهذا الأسلوب عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف.

تجمهر الأطفال أمام المخبز للشراء، شاهدهم طيار من أبناء جلدتهم وألقى عليهم برميلاً متفجراً فأبادهم.

يدخل مسلم الى مسجد وهو دار العبادة الاسلامي، وداخله مسلمون يتعبدون الله ويتلون في صلاتهم آيات من القرآن الكريم، الكتاب المقدس للإسلام، وأحاديث عن الرسول الكريم، ويفجر نفسه المسلمة بينهم، فيقتل إخوته في الدين الإسلامي .

من المهم مواجهة كل جماعات القتل وسردياتها القاتلة إلى جانب اتخاذ الموقف الأخلاقي الذي يليق بالإنسان

شيعي يفجّر سيارة قرب مسجد سني، وسني يفجرها قرب مسجد شيعي، وسني قرب مسجد سني.

داعشي يخطف من خلق الله الآمنين في قراهم والمسالمين، ثم يجزّ بالسكين رقابهم، بكل برودة أعصاب، كأنه يذبح شاة في عيد الأضحى.

ناهيك عن أنّ جرائم حزب الله وجرائم الحوثيين وجرائم القاعدة بحق إخوانهم  المسلمين.. جرائم تتم باسم الوطن، باسم الممانعة، باسم الإسلام .

لاشك في أنّ الإدانة الأخلاقية لمثل هذه الجرائم موقف ضروريّ جداً، ومحاكمة المجرمين بمحاكم داخلية ودولية أمر واجب .

ولكن كيف تأتى أن تولد هذه الطقوس من القتل، من قبل بشر ينتمون إلى بلد واحد، وعاشوا عمرهم معاً أزيد من ألف عام؟

اقرأ أيضاً: إياد غالي: ثائر يساري صادقَ القذافي وتحالف مع القاعدة

المستبد وزبانيته يعرفون حق المعرفة بأنّ وجودهم في السلطة جاء من طريق الغلبة العسكرتارية الفاشية. إذاً الاحتفاظ بها لا يكون إلا باستمرار الغلبة. لكنّ استمرار الغلبة لا تقود إلى فعل إبادة جماعية لسجناء لم يعد لهم حول ولا قوة، بل صاروا عزّلاً من الأصوات التي أعلنت "الّلا".

إذاً هناك مكبوت لا شعوري من الحقد والكره سرعان ما ظهر عند أول إحساس بالخطر. فنفي الآخر جسدياً داخل السجن أمر يحصل في سجون كل مستبد، ولكن على نحو جد ضيق. فمايزال الإخوان المسلمون يتحدثون عن مجزرة سجن طرة في مصر عام 1959، والتي راح ضحيتها ستة عشر قتيلاً، واثنان وعشرون جريحاً. عدد الذين قتلهم القذافي في سجن أبو سليم العام 1996 ألف ومئتان وتسعة وستون قتيلاً، وعدد الذين توفوا في سجون بن علي نتيجة التعذيب والإهمال خمسون ونيف. أما أن يتم تصفية السجناء بهذه الصورة من القتل الجماعي التي تمت في سجون المستبد الحاكم لدمشق، فهذا لا يفسره الاستبداد وحده أبداً، بل المكبوت العنفي ضد الآخر المختلف والمتكون تراكماً عبر سنوات طوال.

اقرأ أيضاً: "من أنتم": من القذافي إلى أردوغان!

أما الأصولية العنفية، سواء كانت شيعية أم سنية، فلديها من الموروث الثقافي العنفي ما يكفي لارتكاب هذا النمط من قتل المختلف. فسرديات قتل الكافرين والمختلفين والحروب المتنوعة على السلطة بين الجماعات الإسلامية تشكل مخزوناً ما قبل شعوري يحتاج إلى مناسبة تذكير فقط. فالداعشي يعتقد بأنه المسلم الحقيقي، وإسلامه وحده هو الإسلام الحق، أما الآخر غير الداعشي فهو إما كافر أو مرتد أو فاسق أو زنديق أو باطني، وبالتالي فإنّ حياة هؤلاء جميعاً لا تعني له شيئاً، وأصحاب الأديان الأخرى عليهم أن يلتزموا بما يفرض عليهم، وإلا فشأنهم شأن الآخرين.

تصفية السجناء بالقتل الجماعي التي تمت في سجون المستبد الحاكم لدمشق لا يفسره الاستبداد وحده بل المكبوت العنفي

والشيعي عندما يصرخ: لبّيك يا حسين، فإن القتل بالنسبة له لأهل السنة انتقاماً من قتل الحسين على وجه الخصوص .

هذه الذهنيات المختزنة بمبررات قتل الآخر، وإن كانت ذهنيات عدد محدود وقليل بالنسبة لعدد السكان، فإنها مع ذلك ذات خطر كبير على الحياة والعيش المشترك .

من هنا تبرز أهمية مواجهة كل جماعات القتل وسردياتها القاتلة، إلى جانب اتخاذ الموقف الأخلاقي الذي يليق بالإنسان بوصفه غاية .


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية