ليبيا: الميليشيات تنهب الثروات وتمزق العاصمة من جديد

ليبيا

ليبيا: الميليشيات تنهب الثروات وتمزق العاصمة من جديد


02/09/2018

وسط تحذيرات إقليمية حالية من وصول مرض الكوليرا إلى ليبيا بعد انتشاره مؤخراً في أجزاء من الجزائر وتونس، فوجئ المغرب العربي بسرطان الميليشيات المسلحة، الذي أخذ ينهب جسد ليبيا من جديد، وتحديداً في العاصمة الليبية طرابلس، التي يستمر القتال فيها منذ قرابة أسبوع، مخلفاً دماراً وضحايا ونازحين.

الميليشيات المتقاتلة، وهي "ثوار طرابلس"، "الكتيبة 301" و"كتيبة دبابات أبو سليم"، تقوم منذ أيامٍ بقصفٍ متبادل وعشوائي، طال منشآتٍ نفطية ومحيط مطار العاصمة الليبية، إضافةً إلى بيوت المواطنين، مسبباً عشرات القتلى والجرحى. بينما يحاول "اللواء السابع" الليبي التابع لحكومة الوفاق، مواجهة الميليشيات مجتمعة. بعد سقوط هدنةٍ مؤقتة عقدت نهاية آب (أغسطس) الماضي، ولم تصمد لأكثر من يومين.
الوفاق المزيف
تحت إطار حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دولياً، والمقامة منذ نهاية 2015، تنضوي ميليشياتٌ عديدة، من أبرزها الميليشيات التي تتصارع اليوم على أرض طرابلس، ويشير الأكاديمي والخبير بالشأن الليبي، عبد العزيز إغنية، إلى أنّ "المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق، لم ينجح في منع الجرائم  بحق مدينة طرابلس".

حكومة الوفاق تتأرجح بين ضم الميليشيات شكلياً ومالياً تحت مظلتها أو نعتها بالعصابات والتخلي عنها

ويتحدث إغنية، عن "تبعيةٍ شكلية ومالية لميليشيات ثوار طرابلس وكتائب أبو سليم، لحكومة الوفاق الوطني؛ حيث "يُعد السعي وراء السيطرة على المال العام" أحد أهم أسباب الصراع، الذي ولّد أكثر من 39 قتيلاً وعدداً غير معروفٍ من الجرحى حتى الآن.
ويتهم إغنية، في تقريرٍ لموقع "سبوتنيك"، حكومة الوفاق "أنها تمزق نفسها بنفسها من خلال عدم سيطرتها على الميليشيات المنضوية تحت مظلتها".
وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "فايز السراج" قال إنّه "يتواصل مع الأطراف المتنازعة في طرابلس لإنهاء المواجهات، مؤكداً أنّ اللواء السابع لم يعد تابعاً لحكومة الوفاق"، بحسب ما نقلته "روسيا اليوم" بتاريخ 30 آب (أغسطس) الماضي. وهو ما يثير التساؤلات بشأن حكومة الوفاق، التي كانت تبنت اللواء السابع كقوة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الليبية منذ نيسان (إبريل) 2017.

قصفٌ صاروخي لتمزيق العاصمة واقتسام الأموال

من جهته، كان اللواء السابع، تمكن من اقتحام طرابلس مؤخراً، وبصورة مفاجئة لجميع الأطراف، رافعاً شعار "تطهير العاصمة من دواعش المال"، وفقاً للمصدر ذاته، ما وضع حكومة الوفاق في موقفٍ صعب، بسبب التناقضات في تصريحاتها، ولأنها شهدت خلال العامين الماضيين خلافاتٍ عديدة اتسمت بالتعنت من جهتها في العلاقة مع الجيش الليبي الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر؛ حيث يعمل الجيش على مواجهة الميليشيات الإرهابية في ليبيا منذ 2015، بينما تتأرجح مواقف حكومة الوفاق بين حماية الميليشيات أو التخلي عنها بحسب ما كشفته أحداث طرابلس أخيراً.

اقرأ أيضاً: درنة: آخر معاقل التنظيمات المسلحة في شرق ليبيا
وغير بعيدٍ عن الوفاق الذي يبدو مزيفاً، ومحكوماً بالمال وتوزيع ثروات ليبيا على الميليشيات كحصص، أشارت صحيفة "العرب"  وفق أحد مصادرها خلال تقرير نشرته اليوم، 2 أيلول (سبتمبر) الجاري، إلى أنّ "هناك قوى غربية ربما تقف خلف القوات التي اقتحمت طرابلس، وربما تهدف إلى خلخلة الأوضاع الأمنية الراهنة والتخلص من الميليشيات التي أحكمت قبضتها على طرابلس، وتضخمت بصورة أصبح يصعب التعامل مع مطالبها المادية والسياسية المتزايدة".

اقرأ أيضاً: تحرير درنة من الإرهابيين يقود إلى استقرار ليبيا
أيضاً، تؤكد الصدامات الأخيرة، وعدم الالتزام الواضح بالهدنة أو أي وقفٍ مؤقت لإطلاق النار، أن كل طرف يدرك أن خسارته لهذه المعركة معناها خروجه من المشهد العام، بشقيه؛ العسكري والسياسي، وخسارة الجهات التي ربما تقف خلفه.
جهاديو المال والخراب
في ليبيا، تتصارع عشرات الميليشيات الجهادوية والإسلاموية والمختلطة من قوى عديدة، بحيث يصعب تحديد تبعياتها الداخلية أو الخارجية إن وجدت، أو التعامل معها على أساسٍ أيديولوجي أو سياسي، وتظهر حكومة الوفاق الوطني في حيرةٍ، بسبب محاولاتها السيطرة على نشاط هذه الميليشيات أحياناً، أو وصمها بأنها مجموعة عصاباتٍ خارجةٍ عن القانون أحياناً أخرى.

اقرأ أيضاً: جيش الصحراء.. عودة "داعش" الجديدة إلى ليبيا
وبالإضافة إلى التطرف، واتخاذ الدين غطاءً لأعمالٍ إرهابية تصب في مصالح هذه الميليشيات، فإن "هناك انتماءات جهوية ومناطقية تقود تحركات هذه الميليشيات وصراعاتها"؛ حيث ينتمي مقاتلوها لمدنٍ وضواحي مختلفة حول طرابلس، وتشكل بعض هذه المناطق ميليشيا تؤمن مصالحها المالية".

مشهد من العاصمة طرابلس ودمار يخلفه الإرهاب

وهو ما تؤكده تقارير موثقة لقناة "العربية"، نشرت بتاريخي 29 و 30 آب (أغسطس) الماضي. وتقول هذه التقارير، إنّ "قادة الميليشيات الإرهابية، مثل هيثم التاجوري وصلاح بادي وغيرهما، حاولوا دفع أهالي طرابلس للاشتراك معهم في المعارك الدامية التي يخوضونها ضد بعضهم البعض".
ويرفع كل من هؤلاء القادة، شعار "تحرير المدينة"، وهم قادمون كلٌّ من مدينةٍ مختلفة من ليبيا، ويقومون جميعاً، بتدمير ممنهج لها، باسم الحرية.

غياب توافق وإجماعٍ حول الجيش الوطني الليبي يسهم في الفوضى وفي تمزيق وانهيار ليبيا على يد الميليشيات

ووفق المصادر السابقة، فإنّ مطار طرابلس، وبعض منشآت المدينة النفطية، وأحياء مثل صلاح الدين وخلة الفرجان وقصر بن غشير وغيرها، تتعرض إلى قتال وقذائف صاروخية "تتبادلها الأطراف المتحاربة" وسط أحاديث غير مؤكدة بين الحين والآخر عن وقفٍ لإطلاق النار هنا وهناك.
المجتمع الدولي، ممثلاً بالولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، أكد بحسب التقارير ذاتها "أن الجماعات المسلحة التي قوضت أمن ليبيا ستحاسب".
ويأتي هذا التصريح، خجولاً، أو غير ذي معنى، في حال تم تتبع المسار الزمني للميليشيات المسلحة في ليبيا، ويعود تاريخ معظمها إلى حوالي 7 أعوام، بعد سقوط نظام معمر القذافي، وانتشار فوضى السلاح والجماعات الجهادوية.

اقرأ أيضاً: الإرهاب يعطل مبادرات المصالحة والمسار السلمي في ليبيا
وفي ظل غيابِ تفاهمات واضحة مع جيش ليبيا الوطني، الذي من شأنه أن يضع حداً للفوضى ويعمل كممثلٍ وحيدٍ للدولة الليبية، تبقى ليبيا مختطفةً من قبل هذه الميليشيات، ويبقى خطر انهيار وانقسام ليبيا قائماً، طالما السلاح بديلاً عن المؤسسات، وليس محصوراً بيد مؤسسة رسمية وطنية واضحة، وهي مؤسسة الجيش.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية