هل تعرف من رسم أول خريطة للعالم؟

هل تعرف من رسم أول خريطة للعالم؟


06/09/2018

عرف البشر الخرائط منذ آلاف السنين، وأخذت تكتسب أهميتها مع الزمن، في سبيل الاهتداء إلى الأراضي والبلدان البعيدة، ولمنح شكلٍ للكرة التائهة في الفضاء بلا وجهٍ يعرفونه، آنذاك، والمسمّاة بالأرض.


يُعدّ تاريخ أول خريطةٍ معروفةٍ للعالم، مرتبطاً بالعالم الجغرافي والمؤرخ المسلم "محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس"، والمشهور بـ"الشريف الإدريسي"، وتشير الأدلة التاريخية عموماً، إلى أنّ خريطته المرسومة العام 1154 تُعد أول خريطة معتمدة عالمياً.

من الأندلس إلى صقلية

وُلد الإدريسي العام 1100 في المغرب، ثم انتقل إلى الأندلس، واختفى بعد سقوطها، ليظهر في جزيرة صقلية، وتبقى معظم فترات شبابه وحياته غامضة وغير واضحة المعالم، بقدر ما قام هو بتوضيح الشكل الذي يبدو عليه العالم.

أول خريطة للعالم كانت مقلوبةً رأساً على عقب قياساً بخريطتنا اليوم

في صقلية، قام الإدريسي برسم أول خريطةٍ للعالم، بناء على أوامر من الملك الصقلي "روجر الثاني" الذي منحه المال اللازم للقيام برحلاته حول العالم من أجل رسم الخريطة.

بدأت رحلة الإدريسي في العام 1138، وانتهت بعد خمسة عشر عاماً (1153) إلى أن حل في مدينة باليرمو، المكان الذي نشر الإدريسي فيه أول خريطة للعالم، وقد تميزت هذه الخريطة بدقتها، واستخدام الإدريسي لخطوط الطول والعرض فيها؛ حيث قام بتقسيمها إلى 7 أقسامٍ مداريةٍ متساوية، وكان المميز فيها أنه وضع الجنوب في أعلى خارطة العالم، بينما جاء شمالها في الأسفل، وهذا مختلفٌ كلياً عن خريطة العالم اليوم.

الجنوب احتل أعلى خريطة الإدريسي

لكن، كيف رسم الإدريسي الخريطة رأساً على عقب؟

ربما تكون خريطتنا اليوم، هي المقلوبة رأساً على عقب، وربما يكون السبب ليس جغرافياً فقط، أو أنّ الإدريسي ارتكب خطأ والسلام.  فبعد وفاة الإدريسي في العام 1160، سوف تمر خريطة العالم بتحولاتٍ علمية وسياسيةٍ كثيرة.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم خرائط غوغل بدون الإنترنت في نظام الأندرويد؟

وبمرور أكثر من ثلاثة قرون على وفاة الإدريسي، جاء عالم الفلك والرياضيات الفرنسي "أورانس ڤين" (1494 - 1555) ليقدم رأياً آخر.

كان ڤين، أول رئيس لقسم الرياضيات بالكلية الملكية الفرنسية "كوليج دو فرانس حالياً"، وكان من أوائل العلماء الفرنسيين الذين عملوا في مجال رسم الخرائط، فرسم خريطة للعالم على شكل قلب، وهي تنتمي لمجموعة تتألف من 18 خريطة، جميعها على شكل قلب، نُشرت في الفترة بين عامي 1511 و1566. واستوحي هذا النظام الإسقاطي من الإسقاطات التي وصفها جغرافي القرن الثاني "بطليموس"،  الذي رسم خريطة العالم بعكس الإدريسي.

خريطة ڤين خالفت خريطة الإدريسي وأعادت آسيا لجهة الأسفل

تعكس خريطة "ڤين" الحالة المعرفية والافتراضات وأوجه الشك الجغرافية في ذاك العصر؛ حيث تم فيما بعد، ربط أمريكا الشمالية بآسيا، كما تم ضم القارة الكبيرة  المسماة "الأرض الجنوبية" إلى جهة الجنوب، وهي قارة افتراضية طرح الجغرافيون وجودها من أجل معادلة وزن الكتل الأرضية الشمالية.

وهو ما يقود إلى أنّ رسومات خريطة العالم منذ الإدريسي وحتى العام 1600 ميلادية، اتسمت بنوعٍ من الاختلاف والشك بين الجغرافيين الكبار، الذين ظلوا محتارين بشأن الجنوب والشمال، وهذا بالطبع، لم يقلل من أهمية خريطة الإدريسي، ولا من غموض أسباب بطليموس في جعل خريطة الإدريسي مقلوبةً رأساً على عقب.

اقرأ أيضاً: الخريطة الاقتصادية في القرن الإفريقي

فجميع هؤلاء لن يعودوا مهمين، حين يتم تحديد خريطة العالم فيما بعد من خلال السياسة، والأنانية التي تتمتع بها الإمبراطوريات.

الخريطة وجهاً للهيمنة

في العام 1507 ظهرت الأمريكيتان لأول مرة على خرائط العالم، عن طريق خريطة رسمها عالم الخرائط الألماني "مارتن فالدسميلر"، الذي استخدم لأول مرة اسم أمريكا المقتبس من اسم "أميركو فيسبوشي"، وهو بحّار إيطالي عمل تحت حكم مملكة البرتغال ومملكة قشتالة.

بعد هذا التاريخ بأربعمئة عام، تتطوع أمريكا في العام 1904، لتضع نفسها في أعلى خريطة العالم، في حين تضيق مساحة إفريقيا لتبدو دائماً أصغر، بينما تُزاح آسيا للأسفل ولجهة اليمين، لكل من سيضع الخريطة أمامه وينظر إليها.

اليابان لها خريطةٌ خاصة حيث تضع نفسها في قلب العالم وتبدو كل القارات بعيدة عنها ولا تمت إليها بصلة

وكان العام 1904، قد شهد ميلاد علم الجغرافيا السياسية، على يد العالم الإنجليزي "هالفورد"، حيث تظهر قارتا أمريكا وأوروبا مهيمنتين على الخريطة، نتيجة للهيمنة على أرض الواقع، كما يتصور علم الجغرافيا السياسية.


ووفقاً لهذا، سوف تتم دراسة خريطة العالم ورسم قاراتها، بناءً على بُعدها عن أوروبا، التي يفترض أنها "مركزية" بالنسبة إلى العالم، وكذلك سوف تفعل أمريكا بدورها، وربما لم يتحدَّ أحد هذه النظرة إلى شكل العالم وخريطته، سوى العالم الأسترالي " Stewart McArthur"، الذي سيرسم في نهاية السبعينيات من القرن الماضي خريطة العالم مقلوبة من جديد، من باب السخرية، ومن أجل القول إنه يمكن عدم التسليم بالأشياء دون الشك فيها، ولو أن هذا الشك ببناء الخرائط سياسياً، يحتاج إلى أدلة جغرافية تدحض السياسة.

اقرأ أيضا: خريطة الإرهاب في الشرق الأفريقي.. الدوافع والتحديات

ولن يكتفي العالم بأمريكا وأوروبا؛ فاليابان، لديها رؤيةٌ خاصةٌ بها عن خريطة العالم؛ حيث تقبع اليابان في وسط خريطة العالم، وفقاً لما يريده اليابانيون، وتكون القارات كلها، بعيدةً عنها، كأنها وحدها، ولا شيء يقترب منها أو يضاهيها.

اليابان وحدها وباقي القارات والدول أكثر بعداً وأقل أهميةً

وربما من الجدير بالقول، إنّ صاحب أول خريطةٍ معتمدة لهذا العالم، وصاحب كتاب الرحلات والجغرافيا الشهير "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، لم يضع في حسبانه أنّ الذين سيأتون بعده، سيستخدمون السياسة إلى جانب الحسابات الفلكية والرياضية، من أجل صراعٍ على مركزية العالم، أو على القارة التي سوف تبدو أكبر، أو أهم، حتى أنّ مَن يودّ أن يكون منصفاً بشأن خريطة العالم، يجب أن ينظر إلى كل قارة على حدة؛ بعد تطور الخرائط الرقمية اليوم، كأن قدر القارات ألا تجتمع بعدالة.

الصفحة الرئيسية