قمة طهران.. ماذا يخبرك تأجيل موعد المعركة الكبرى في إدلب؟

قمة طهران.. ماذا يخبرك تأجيل موعد المعركة الكبرى في إدلب؟


08/09/2018

ربما كانت النتيجة التي تمخضت عنها قمة طهران، التي عقدت أمس بين روسيا وتركيا وايران، هي تأجيل معركة إدلب، في إطار العمليات الواسعة والشاملة لمنح فرصة للخطة التركية، وجوهرها ممارسة الضغط على الفصائل المسلحة، وخاصة فصائل الجهاد "الإسلامي"، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام لتسليم أسلحتها الثقيلة، وتأمين ممرات آمنة لانتقال كوادر وعناصر تلك الفصائل إلى مناطق آمنة، وإعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم خارج سوريا، والقيام بعمليات عسكرية مركزة من قبل الجيش السوري وحلفائه، ضد الفصائل الرافضة لتسليم أسلحتها، وهو ما يعني التمييز بين مجاميع الفصائل المسلحة في إدلب بين متشددة وأخرى معتدلة.

اقرأ أيضاً: إدلب.. هل حانت معركة النهاية؟

القرار بتأجيل معركة إدلب الكبرى، رغم أنّه يتضمن في ظاهره استجابة من الطرفين؛ الروسي والإيراني، لمطالب الحليف والشريك الثالث "غير الموثوق"، وهو تركيا، بمنحها فرصة لإقناع الفصائل المسلحة بتسليم أسلحتها، إلا أنه في الوقت نفسه يرتبط باستجابة الطرفين؛ الروسي والإيراني، للضغوطات والتحذيرات الدولية، وخاصة من قبل الولايات المتحدة، التي حذرت من كوارث إنسانية على هامش معركة إدلب من جهة، وتبادلت، من جهة ثانية، اتهامات مع روسيا والحكومة السورية حول المسؤولية عن الاستخدام "المفترض" للأسلحة الكيماوية، في المحافظة التي تجمّع فيها حوالي مئة ألف مقاتل، يعيشون ضمن حوالي ثلاثة ملايين نسمة.

الموقف الأمريكي تجاه تركيا دفع الأخيرة لتقديم تنازلات تجلت في الترتيبات العسكرية والسياسية التي تجري على هامش التحضير لمعركة إدلب

غير أنّ الأهم في الترتيبات العسكرية والسياسية الخاصة بمعركة إدلب، هذا التحول في الموقف التركي، والذي أصبح يعبر عن اتجاهات جديدة، تشير، في مجملها، إلى أنّ تركيا أصبحت أكثر قرباً من الموقف الدولي في كشف الغطاء عن الفصائل الإسلامية من جهة، خاصة بعد قرارها باعتبار جبهة النصرة تنظيماً إرهابياً، وهو ما يعني وقف التنسيق مع التنظيم والقبول بتوجيه ضربات عسكرية له، ومقابل هذا الموقف حصلت تركيا على موقف يستجيب لإستراتيجيتها الخاصة بالحيلولة دون قيام كيان كردي على حدودها من خلال تأكيد القمة على تصميم الدول الثلاث "على الوقوف ضد أجندات الانفصال التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة".

اقرأ أيضاً: مواقع التواصل الاجتماعي: تركيا وإيران تقتل العراقيين عطشاً

القمة أظهرت ما كان مخفياً وما كانت الدول الثلاث تتجنب الإشارة إليه أو الاعتراف به، وهو حجم الخلافات بين أجندات روسيا وإيران وتركيا تجاه القضية السورية، والتي يتوقع أن تتضح أكثر، بعد انتهاء معركة إدلب، وبحث شكل ومضمون سوريا الجديدة، وخاصة بين إيران وروسيا، والتي بدأت ترجماتها منذ معركة الجنوب والتزام روسيا بالاتفاقات مع أمريكا وإسرائيل، بإبعاد ايران عن الحدود السورية الإسرائيلية، وربما تكون مساهمتها في معركة إدلب بالحد الأدنى، خاصة وأن تركيا تبدي "حساسية" من وصول المليشيات الإيرانية إلى حدودها، لا تقل عن حساسيتها تجاه تواجد الفصائل الكردية العسكرية على حدودها.

أردوغان صاحب مدرسة في البراغماتية السياسية الجديدة عنوانها الانتقال السريع من اليمين إلى اليسار

من المرجح أنّ ترجمة ما تم الاتفاق عليه في طهران ستظهر قريباً، في ضربات موجهة ومركزة، تستهدف فصيلي داعش وجبهة النصرة والفصائل والتشكيلات العسكرية "الجهادية" التي تدور في فلكهما، وبتنسيق مع الجيش التركي المتواجد في المنطقة.

لكن العملية أكثر من معقدة، فربما يفهم الجانبان؛ السوري والإيراني التنازل التركي على أنه إطلاق يدهما في إدلب، وما لم تضبط روسيا إيقاع المعارك لتحقيق هدفها الأول والأخير المتمثل باستعادة الجيش السوري السيطرة على إدلب وتحريرها من الإرهاب، فإن اتجاهات العمليات العسكرية ستكون محفوفة بمخاطر كبيرة، ربما تصل لاحتكاكات بين الجيش التركي مع الجيش السوري والمليشيات الإيرانية .

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب يعرقل "الإخوان المسلمون" توافق السوريين في إدلب

كما أنّ نقل المقاتلين إلى مناطق آمنة تحت الحماية التركية سيرتب على تركيا مسؤولية حماية هؤلاء المقاتلين المنسحبين من المعارك، مما سيجعلها طرفاً غير حليف، وهو ما يعني أنّ تركيا ستكون هدفاً لإرهاب قادم وضربات انتقامية، قد تشنها داعش والقاعدة داخل الأراضي التركية، خاصة وأنّها نفذت عمليات سابقاً في أنقرة واسطنبول .

فيما تعتبر قضية تسليم المقاتلين الأجانب لبلدانهم مسألة غير مضمونة، في ظل عدم رغبة كثير من الدول، وخاصة الأوروبية، بعودة هؤلاء المقاتلين إليها، وعدم وجود بدائل حقيقية وقابلة للتعامل معها في غالبية الدول التي يقاتل من يحملون جنسياتها في سوريا.

تعتبر قضية تسليم المقاتلين الأجانب لبلدانهم مسألة غير مضمونة في ظل عدم رغبة كثير من الدول الأوروبية بعودتهم

إن الموقف الأمريكي تجاه تركيا والذي تضمن تصعيداً غير مسبوق، أسهم، في دفع القيادة التركية لتقديم تنازلات، تجلت في الترتيبات العسكرية والسياسية التي تجري على هامش التحضير لمعركة إدلب، إلا أن تلك التنازلات لن تكون إلى ما لا نهاية؛ فالإدارة الأمريكية تراقب عن كثب التحولات التركية، وربما تسهم أية زيادة في الضغوط على الرئيس أردوغان، في الالتفات نحو الولايات المتحدة وإسرائيل، على الطريقة الروسية، خاصة إذا ما تبين أنّ حجم المكاسب في التقارب مع أمريكا أكبر منها بالاستمرار في التحالف مع إيران وروسيا، ورغم أنّ هذا الخيار يبدو أنه غير محتمل في المرحلة الحالية، إلا أنه غير مستبعد في المدى المنظور، خاصة وأنّ أردوغان صاحب مدرسة في البراغماتية السياسية الجديدة، عنوانها الانتقال السريع من اليمين إلى اليسار.

 

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية