وثائقي "إزالة السواد": هل أشعلت قطر النيران في الوطن العربي؟

قطر

وثائقي "إزالة السواد": هل أشعلت قطر النيران في الوطن العربي؟


09/09/2018

لا تعد الأزمة السياسية بين دول الرباعية ودولة قطر أزمة مجانية، ولا أزمة هيمنة سياسية تستهدف الإضرار بقطر، لكنها تفاعلت منذ منتصف العام 2017، لأسباب خطيرة، منها اتهام الدوحة بدعم الفوضى في داخل دول "الربيع العربي" واتهامات أخرى من الدول الأربعة، شملت دعم قطر التطرف والتعاون مع دول تناصب العرب العداء؛ كإيران وتركيا.

قفزت جماعة الإخوان على ظهر معظم الثورات ولم تمانع الولايات المتحدة الأمريكية من حصول ذلك

دول؛ كالعراق واليمن وليبيا وسوريا، كانت الضحايا الأكبر للإرهاب، وتعرضت لدخول الجماعات الإرهابية والمتطرفة إلى أراضيها، ما أدى إلى هدم الدولة الوطنية في كل منها، وتركها عرضةً للطائفية والدمار.
ومنذ العام 2011، أخذ سواد الحرائق يخفي خريطة وتضاريس هذه الدول، وفي حال كانت الثورة ضد الفساد والاستبداد مشروعةً، فإنّ التهمة الرئيسية لدولة قطر، تتمحور، وفق دول الرباعي، حول تحويل مطالب الشعوب الشرعية، إلى نيران تحرق هذه الشعوب ومطالبها، وربما أصبح من الضروري، إزاحة الرماد، والبحث تحته، عن آثار الدور القطري، في حرائق الوطن العربي.

يطرح الوثائقي، مشروع المستشرق المعروف "برنارد لويس"

إزالة السواد

شهد العام 2010 اندلاع "ثورات" شعبية عارمة، تركز زخمها لاحقاً في ليبيا ومصر واليمن، بعد مرور ما سمّي بـ "ثورة تونس"، بكل سلاسة. ونتج عن هذه "الثورات"، صعود جماعات وأحزاب إسلامية إلى سدة الحكم، ما سلط الأضواء مباشرةً إلى الدولة التي ترعى بإمكاناتها وإعلامها هذه الجماعات.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الدور القطري في ليبيا؟

وفي برنامجٍ وثائقي بعنوان "إزالة السواد"، تظهر دولة قطر إلى الواجهة مباشرةً، بعد التطرف والخراب الكبيرين، اللذينِ سوف تمارسهما الجماعات الإسلاموية والجهادوية في ليبيا واليمن بمجرد انتهاء الثورة وابتداء الفوضى.
ويشير الوثائقي، الذي أنتجته شبكة "سكاي نيوز" ونشر في موقع يوتيوب بتاريخ 1 أيلول (سبتمبر) الجاري، إلى أنّ إعلام دولة قطر المتخم بـ "أعلام ومناصري جماعة الإخوان كالقرضاوي، وأحمد منصور"، إضافةً إلى "نشاط قناة الجزيرة القطرية منذ مطلع الألفية، في تصوير جماعاتٍ إرهابية كالقاعدة، والتركيز عليها وعلى نشاطاتها، يضع دولة قطر في دائرةِ الضوء. ولا يخفي التركيز الكبير، على دعم (الربيع العربي)".
وهنا، يظهر المفكر والكاتب عبد الحسين شعبان، ليقول إن ثورات الإصلاحات العربية "تم اختراقها بسهولة"، لكن، من فعل ذلك، ولأي مصلحة؟

تعاون الخميني مع أمريكا وإسرائيل في ثورته وقامت قطر بالممارسة ذاتها بعد انقلاب حمد بن خليفة على أبيه عام 1995

هذا السؤال يبادر بالإجابة عليه، مدير مركز التقدم العربي للسياسات، محمد مشارقة، قائلاً خلال الوثائقي "قفزت جماعة الإخوان على ظهر معظم هذه الثورات، ولم تمانع الولايات المتحدة الأمريكية حصول ذلك".
وهو ما يطرح تساؤلاً جديداً؛ هل تعاونت قطر مع أمريكا من أجل تدمير طموحات الشعوب في الوطن العربي؟
المعارض السوري، والناشط الحقوقي المعروف، هيثم مناع، حمل في ظهوره خلال الوثائقي إجابةً على هذا السؤال؛ إذ أوضح مناع قائلاً: "مشروع الحمدين، حمل في نواته، استلام الإخوان لمناطق الربيع العربي".
ويبدو أنّ الرضا عن دور الإخوان، كان مشتركاً بين أمريكا ودولة قطر، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع أمريكا. غير أنّ دولةً أخرى، استفادت من خراب الدول ورماد الشعوب، وصعدت هي ووكلاؤها وأذرعها، على حساب فساد الدول الوطنية ودمارها؛ إنها إيران، التي يركز الوثائقي، على "تباهيها الوقح بالسيطرة على خمس دولٍ عربية منذ بدء ما سمي بالربيع".

اقرأ أيضاً: العلاقة القطرية الإخوانية: الجماعة تركب موجة "الربيع العربي"

ويشرح البرنامج بالأدلة والوثائق والتواريخ، كيف "تعاون الخميني منذ الستينيات من القرن الماضي، مع أمريكا وفرنسا، ووعد بضمان المصالح الأمريكية بعد الثورة، إضافة إلى فضيحة الأسلحة الإسرائيلية عام 1981، حين أسقطت طائرة سوفييتية، طائرةً إسرائيلية كانت تحمل هذه الأسلحة إلى إيران كجزء من الدعم الأمريكي لنظام الخميني وثورته".

الوثائقي كاملاً:

 

 

وهو ما يفتح مجدداً الكثير من التساؤلات، وأهمها  "كيف ارتبط التمدد الإيراني والقطري ببعضهما البعض؟". وكيف أصبحت سنوات الربيع، هي السنوات الأكثر دمويةً في التاريخ العربي المعاصر؟.

رعاية الخراب

يطرح الوثائقي، مشروع المستشرق المعروف "برنارد لويس"، ومقالته الشهيرة المنشورة عام 1976، المسماة "عودة الإسلام"، وفيها يتحدث لويس عن "تفتيت الدول العربية إلى مناطق طائفية ومناطق أقليات، بحيث تكون إسرائيل الأقلية الوحيدة المتميزة؛ لأن باقي الدول تشكل خطراً على الحضارة الغربية".
ثم يأتي التطبيق لهذه الفكرة، بعد عامين فقط، من خلال "الخميني وثورته، ليستولي نظام إسلاموي طائفي شيعي على الحكم في إيران، وليبدأ الخميني بالقول أن إيران، نموذج فعال لما سوف يحصل في الدول العربية لاحقاً".

اقرأ أيضاً: أوهام الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا وقطر

وتكشف الباحثة في الشؤون الإيرانية "منى السيلاوي"، خلال الوثائقي، أن "الحرب العراقية الإيرانية، كانت أولى محاولات إيران تفتيت الوطن العربي، وكان الخميني حينها طالب بثورات شيعية طائفية في الوطن العربي، لإقامة جمهوريات إسلاموية".
ويتضح، أن دولة قطر، ووفقاً للوثائقي "التقطت الفكرة الأمريكية التي يمثلها لويس عن تفتيت المنطقة، فقام "حمد بن خليفة آل ثاني، بالانقلاب على أبيه، وسارعت أمريكا للمصادقة على الانقلاب دون جدال".
بعد ذلك، بدأت دولة قطر تتبع آثار الخميني، فسارع الحاكم الجديد لقطر، ببناء قاعدة "العديد"، أكبر قاعدة أمريكية في الوطن العربي، ثم "استقبل شمعون بيريز في قطر، وتم فتح أول مكتب تمثيل تجاري لإسرائيل في دولةٍ عربية إضافةً إلى البدء بتبنّي تنظيمي القاعدة والإخوان الإرهابيين".

ظهر مشروع تفتيت الوطن العربي لأقليات إسلاموية وطائفية منذ نهاية السبعينيات ويشير الوثائقي إلى تبني قطر لهذا المشروع

ويبدو مشروع دولة قطر "متناقضاً" بتحالفها المعقد مع "واشنطن وتل أبيب والإخوان والقاعدة في آنٍ واحد"، ومع حركة حماس وإيران لاحقاً، كما أنها تناقضت بدعمها حزب الله، وهو ذراع إيران في لبنان؛ حيث دعمته العام 2006، ثم وقف إعلامها ضده وضد النظام السوري خلال الثورة السورية، لتعود "وتتحالف مع إيران" بمجرد مطالبة دول التحالف العربي لها، بالعودة إلى الحاضنة العربية.
لكن ما يبدو تناقضاً في الظاهر، يتم كشفه من خلال الوثائقي، على أنه برنامجٌ مخطط، منذ العام 1998، الذي شهد "دراسةً لمركز الأبحاث (rand) الذي يوصي بتولية تنظيمات إسلاموية للحكم في الدول العربية، بدلاً عن الأنظمة الشرعية القائمة". وهنا يعلق مشارقة، أن "مركز راند تابع لوزارة الدفاع الأمريكية، ومدعوم من قبلها".

تدعم قطر الفلسطينيين لكنها تصافح الصهاينة!

وبخصوص هذا الدعم، ودور دراسات هذا المركز، يتحدث السفير الأمريكي السابق، روبرت فورد، عن "المحادثات المتكررة بين أمريكا وجماعة الإخوان في عدة دول عربية كمصر والعراق منذ ما بعد الألفية الثانية". وامتداداً إلى العام 2010.  الذي بدأ نفوذها يظهر فيه، من خلال "الربيع العربي"، وذلك لأن الأفكار الإخوانية "أفكارٌ قطبية تلغي الوطنية والعسكر والحدود، وتشيطن الدولة".
ولهذا، فإنّ الإخوان مثلوا الأداة الأفضل، لتنفيذ أي مشروع "تفتيتٍ" محتمل، ووفقاً للوثائقي أيضاً، فإنّ "دولة قطر، هي من رعت هذه الجماعة"، ولا يُنسى أن أول مشروع لتدمير الدولة الوطنية العربية، بدأ في العراق، العام 2003.

اقرأ أيضاً: هكذا ثبّت الإخوان المسلمون أقدامهم في قطر

ومن جديد، أسهم تفكك العراق، بدخول الهيمنة الإيرانية إليه، وهي مستمرة حتى اليوم، ويؤكد الوثائقي، وبحسب وصفه، أن "الجيش الأمريكي في العراق تلقى دعماً لوجستياً قطرياً أيضاً، فيما وزير الخارجية القطري الأسبق، حمد بن جاسم، تحالف بلاده القوي مع أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر".

اقرأ أيضاً: ما الذي كشفته وثائق "واشنطن بوست" حول الرهائن القطريين؟

ويتضح من خلال الوثائقي "أن دولة قطر أرادت لعب دور الأداة، التي سوف تبدل أنظمة الحكم في الدول العربية وفقاً لمشاريع خارجية، مستعينة بالإخوان والقاعدة، وجبهة النصرة، وتنظيماتٍ إرهابية أخرى".
ويجمع العديد من الباحثين الذين ظهروا خلال الوثائقي مدعمين بأدلة وآراء منطقية، أن "تركيا وقطر وإيران، اشتركت جميعاً في دعم هذه التنظيمات الإرهابية في الدول العربية وخصوصاً سوريا، التي كانت قطر تشتم نظامها تارةً وتعانقه تارةً أخرى".
ويرى مدير مركز الشرق للبحوث سمير التقي، أنه "حصل انكفاء لدور قطر بفعل انكفاء مشروعها الذي تأسست عليه" وأن فضائح "دعم الإرهاب" أخذت تتكشف منذ مقاطعة دول التحالف العربي لدولة قطر، خصوصاً فضائح الرهائن القطريين في العراق عام 2015، "والمبالغ الطائلة التي دفعت لجماعاتٍ إرهابية من أجل إطلاق سراحهم"؛ حيث يضيف الوثائقي معلومةً مهمة، عن كون الجماعات الإرهابية، صارت متخصصةً "بأخذ أموالٍ قطرية".

اقرأ أيضاً: اصطياد الصيادين.. القصة الكاملة لعملية صفقة الرهائن القطريين 

ويتطرق الوثائقي لهذا الشأن، من خلال  قصة الصحفي الأمريكي "ثيو بادنوس"، الذي اختطفته جبهة النصرة في سوريا العام 2012، وتحدث خلال الوثائقي عن تجربته، حيث أكد "أن خاطفيه تطرقوا لاسم قطر منذ البداية، واثقين أنها سوف تدفع مبلغاً ضخماً من المال لإطلاق سراحه". ويبدو أن التدخل في قضية الصحفي الأمريكي، يعود للعلاقات بين دولة قطر وجبهة النصرة، بحسب الوثائقي.

 متلازمة قطر إيران وتركيا دعمت بحسب الوثائقي الجماعات المتطرفة

وهو الدور ذاته، الذي يقول الوثائقي إنّ "قطر ضليعة به في اليمن، من خلال دعم جماعة الحوثي، حيث تأتي شهادة المنشق الحوثي علي البخيتي، لتؤكد أن قطر تدعم الحوثيين أكثر من إيران نفسها".

ومجدداً، وبالذهاب نحو ليبيا "يتبين دور تركيا وقطر بدعم الميليشيات الليبية بالأسلحة التي ضُبطت وهي محملة على السفن ومتوجهة إلى ليبيا أكثر من مرة، وكذلك الدعم المقدم للميليشيات التي أسهمت في تفتيت ليبيا". وغير بعيد عن ليبيا، دعمت قطر خلال وبعد الثورة، "استلام الإخوان للحكم في مصر، لتحقيق مكاسب خاصة، مدعومة أمريكياً" وفقاً لشهادة الباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي.

متلازمة قطر إيران وتركيا دعمت بحسب الوثائقي الجماعات المتطرفة في دول الربيع العربي ودمرت الدولة الوطنية

دولٌ ثلاث؛ تركيا وإيران ومصر، وفق فرغلي، "تقاطعت أدوارها من أجل دعم التنظيمات الإسلاموية وجماعة الإخوان ونشر التحريض والطائفية والفوضى"، في مصر وليبيا والعراق واليمن وسوريا، بالإضافة لفلسطين، التي شجعت "الدوحة فيها الانقسام بين فتح وحماس العام 2007"، من أجل مشاريع خطيرة وغامضة، ربما تراها أمريكا مشاريعاً تخدم مصالحها.
ومن الجدير بالقول، إن وقف هذه المشاريع تطلب مناقشة دولة قطر ومراجعتها من قبل دول الرباعي، في العام 2017، من أجل مواجهة مشروع تصفية الوطن العربي، الذي أخذت الحرائق تدب في جوانبه، فماذا ردت دولة قطر؟ التي رد حليفاها (تركيا وإيران) بالتعنت، والاستخفاف بالدول العربية.

اقرأ أيضاً: كيف فشل محور قطر-الإخوان-تركيا في سقطرى؟

غير أنّ ما يحصل اليوم، تمثل في أزمة اقتصادية وإنسانية ضخمة في إيران، التي انكشف زيف شعاراتها، وقمعها لشعبها، بينما تضطر تركيا اليوم، لمواجهة أزمة اقتصادية بدورها، وسط انكشافاتٍ متكررة لزيف شعاراتها؛ الإسلامية والسياسية، فيما تقف دولة قطر على الطرف العربي، بعيدةً، ولا خيار أوضح لديها، من مراجعة الذات، وترك الدور الانفرادي المتضخم، من أجل العودة إلى الحاضنة العربية، بعد الفشل الذريع لمشروع الإسلام السياسي، والمشروع الفوضوي التدميري، الذي استهدف الشعوب، والدول.

 

الصفحة الرئيسية