متشددون يتحرشون بالأزهر لنشره صور نساء غير محجبات

الأزهر

متشددون يتحرشون بالأزهر لنشره صور نساء غير محجبات


12/09/2018

حالة من الجدل في الآراء والمواقف، حصدتها أزمة غلاف مجلة الأزهر، الصحيفة الرسمية، الصادرة عن مشيخة الأزهر، قبل أيام قليلة؛ حيث ظهرت على غلافها صور لعدد من السيدات، بعضهن بدون حجاب، ما أثار ردود فعل متفاوتة؛ اعتبرها طرف خطوة جيدة من جانب الأزهر، لتغيير الصورة النمطية حول المرأة، وتغيير خطابه حولها، غير أنّ الطرف الآخر، شن هجوماً عنيفاً، حول ما اعتبره مخالفة صريحة لآيات وأحاديث نبوية، تقر الحجاب وتفرض وجوبه.

غلاف مجلة صوت الأزهر

وبالرغم من تباين المواقف التي رافقت صدور عدد مجلة الأزهر، إلا أنّ العنصر المشترك الذي ينطوي عليه موقف كلا التيارين، يبرزه الظهور غير المسبوق الذي دشنه الأزهر لحوالي ثلاثين امرأة، كتبن شهاداتهن وآرائهن حول ظاهرة التحرش، في عدد "خاص" تحت عنوان "الإمام السند، في إشارة للإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، بالإضافة إلى مخالفته للصورة الذهنية العامة والسائدة عن طبيعة المؤسسة الدينية ورؤيتها المحافظة.

الغلاف الأزمة بين ضدين

وجاء عدد المجلة في سياق تصدي الأزهر، منذ أسبوعين، لظاهرة التحرش الجنسي، وحملته المتواصلة ضد عملية الاعتداء اللفظي والبدني على الفتيات، المنتشرة مؤخراً في المجتمع المصري، ومحاولته فض الشرعية عن الأصوات التي تبرر حدوثه، نتيجة ملابس وسلوك بعض النساء، اللائي لا يلتزمن بـ "الزي الشرعي"، كما يردد البعض .

اقرأ أيضاً: صحيفة الأزهر تثير غضب المتشددين!

وكان الأزهر أصدر بياناً، أكد فيه أنّ "التحرش -إشارة أو لفظاً أو فعلاً- هو تصرف محرم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعاً، كما أنه فعل تأنف منه النفوس السوية وتترفع عنه، وتنبذ فاعله، وتجرمه كل القوانين والشرائع"، واعتبر أنّ "تبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلاً عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات".

الوزير: أكبر عامل وراء التحرش الجنسي هو الخطاب الديني، وهو ما يظهر في  تبريرات المتحرشين أنفسهم

وتكرر الصخب حول أعداد سابقة لمجلة الأزهر، من قبل متشددين وقطاعات متباينة، داخل الأوساط الدينية المحافظة وغيرهم، وذلك في واقعتين سابقتين؛ ففي كانون الثاني (يناير) الماضي، صدر عدد يحتفل بمولد السيد المسيح، ويهنئ المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، حيث جاء على غلاف العدد عنوان: "سلام عليه يوم ولد". كما هاجم الأزهر في ملف كامل له، بعدد آخر، زواج القاصرات، واحتوى على تصريح للإمام الأكبر، أحمد الطيب، الذي اعتبر أنّ زواج النبي من السيدة عائشة، كان في إطار أعراف وقوانين المجتمع وقتها.

شيخ الأزهر أحمد الطيب

هل حرّك الأزهر الماء الراكد حول صورة المرأة؟

ومن جهتها، تشير الباحثة في الفكر الديني، شاهيناز الوزير، إلى أن الجانب الإيجابي في الأمر؛ هو أن نرى على غلاف مجلة صوت الأزهر، صوراً لنساء غير محجبات، كدعوة لتقبل التنوع في مظهرهن، وأن تُعطى المساحة الأكبر للنساء عند الحديث عن قضاياهن، وهذا لا ينفي احتمالية وجود نساء يقمن بالالتفاف على تلك القضايا، مع تصديرهن كواجهة نسائية.

اقرأ أيضاً: انفتاح الأزهر على الفن.. تحرك جريء نحو الإصلاح الديني

لكن على الجانب الآخر، كما تستدرك الوزير في تصريحها لـ"حفريات" فإنّ غلاف المجلة " لا يقدم فكرة فعالة أو دعوة صريحة للشارع المصري للتعامل مع الأزمة؛ حيث إنّ معظم "المانشيتات"، جاءت في مدح الإمام والمؤسسة، وقد خُصص أحدها لاتهام منتقدي الأزهر بالتربح من وراء انتقادهم، استناداً إلى مواجهة الإمام الطيب للتحرش، وهو رابط غير واضح أو مفهوم في الأساس".

وتشير الوزير، إلى أن المانشيت الأكبر "الإمام السند" يصور ولو ضمنيا المرأة كتابع ضعيف، تبدو وكأنها في حاجة "للسند"، والذي يروج عادة في المجتمع للرجل، فيما كان من الأفضل تقديم أفكار أخرى، تعزز من ثقة المرأة بنفسها، وتركز على موقعها باعتبارها ند له، بدلاً من تمرير فكرة الولي، الذي قد ينحيها جانباً، وتبقى في حاجة لتبعيته، ما يكرس المشهد التقليدي نفسه.

"الحرية والعقل مناط التكليف"

وبرأي الباحثة في الفكر الديني، فإنّ "أكبر عامل وراء التحرش الجنسي، اليوم، هو الخطاب الديني؛ حيث نستطيع التأكد من ذلك، بمجرد سماع تبريرات المتحرشين أنفسهم، أو أفراد المجتمع المتخاذلين في دفاعهم عن الضحايا، والذين يدينونهن عوضاً عن المتحرشين، بالاستناد إلى آراء دينية، لا تكف عن مطاردة وتأنيب المرأة، وقلب الآية ضدهن؛ فيكون سلوك الجاني رد فعل، تُلتمس له الأعذار". لذلك تأمل الوزير "الاشتباك مع تلك المبررات الموجودة في الفقه، ومواجهة تلك الآراء الدينية الشائعة بأخرى تدحضها".

تلاحقت الاتهامات بدون مبرر أو سند ضد مؤسسة الأزهر وكأن  نشر صور نساء بدون حجاب هو دعوة لخلعه

وفي تعليقه على الهجوم الذي تعرض له غلاف مجلة الأزهر، أوضح الدكتور عصمت السيد، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أنّ منتقدي الغلاف اعتبروا ظهور نساء بدون حجاب، في الجريدة الصادرة عن المشيخة، هو دعوة رسمية منه لما أسموه "تبرجاً" أو "سفوراً"، وبالتالي، تلاحقت العديد من الاتهامات، بدون مبرر أو سند ضد مؤسسة الأزهر، وكأن ذلك الأمر، بمثابة فتوى بخلع الحجاب.

وأضاف أنّ الأزهر على العكس من ذلك، وقصده تناول قضية التحرش، عبر منصته الإعلامية، من خلال هذه الصورة الكلية، التي تبرز التنوع في المجتمع، أي مجتمع، والذي قصده الله في خلقه، ومن ثم، لا يحق لأحد أن يتعدى على خصوصية هؤلاء الأفراد، في شتى اختياراتهم، وممارسة الحرية التي منحها لهم، بدون أن تكون سبباً في العدوان عليهم؛ لأن الحرية كما العقل، كلاهما مناط التكليف.

الصفحة الرئيسية