أشهر 10 شعراء مديح في التاريخ الإسلامي

الشعر العربي

أشهر 10 شعراء مديح في التاريخ الإسلامي


16/09/2018

تتخذ الأنظمة السياسية، في بعض الأحيان، أبواقاً إعلامية تعبر عنها، ومع متغيرات العصر، والطبيعة الأنثربولوجية للمحكومين تتخذ الأبواق أشكالاً متباينة، فدولة الخلافة منذ صعود الأمويين إلى العباسيين مروراً بالعثمانيين، اتخذت مديح الشعراء لتأريخ أعمالها، فقدم الشعراءُ الحكامَ باعتبارهم ظلال الله على الأرض. واعتبر هذا المديح الشعري مصدر رزق الشعراء، فالخليفة يُمتدح بقدر عطاياه، وعطاء الخليفة يتوقف على جماليات مديحه.

"حفريات" رصدت عشرة من أشهر شعراء المديح في التاريخ الإسلامي:

أولاً: جرير (33هـ/133هـ)

جرير بن عطية الكلبيّ اليربوعيّ التميميّ، أشعر أهل زمانه وأكثرهم فصاحة، اقترن اسمه بالفرزدق والأخطل لما استمر بينهم من شعر الهجاء قرابة أربعين عاماً. ولد في نجد وعاش فيها حتى وفاته، وعانى من الفاقة في العيش، وقد امتدح بني أمية متغزلاً بصفاتهم الحميدة من الجود والكرم والشهامة، ووصفهم بأهل الرجولة والشجاعة، وقربه إليه الحجاج بن يوسف الثقفي بعدما امتدحه بالكثير من الشعر وأغدق عليه العطايا، تميّز شعره عن أقرانه بسهولة الألفاظ وقوة المعاني، وقد بلغ صيته أرجاء الدولة الإسلامية واحتفت به دواوين الأدب والنقد، ومن أشهر مديحه ما قاله للخليفة عبدالملك بن مروان:

ألـَسْتُم خَيْر مَنْ ركب المطاياوأندى العالمين بطونَ راحٍ

ومن شدة بلاغته قال فيه أبو مهديّ الباهليّ وهو من علماء المسلمين، "لا يزال الشعراء موقوفين يوم القيامة حتى يجيء جرير فيحكم بينهم".

اشتهر النابغة الشيباني بكثرة المدح للخليفة عبدالملك بن مروان

ثانياً: الفرزدق (30هـ/114هـ)

أبو فراس (همام بن غالب بن صعصعة التميمي)، أشهر شعراء عصره، وكوّن مع الأخطل وجرير صداقة شعرية نادرة الحدوث في زمانهم، وقد برع في شعر المدح والهجاء والرثاء، إلّا أنّ حبه لآل البيت ومدحه لهم، أثار حفيظة بني أمية، مع أنّه مدحهم بعد انتقاله إلى الشام، قبل أن ينتقل إلى البصرة التي مكث فيها حتى الموت.

اقرأ أيضاً: الشعر في الاحتجاجات العراقية يسجّل وقائع الفقر والعنف

اصطحبه هشام بن عبدالملك في رحلة الحج، فأبى الحجيج أن يفسحوا الطريق للخليفة، ولما قدم الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي، هرع الناس مفسحين له الطريق حتى بلغ الحجر الأسود، فلما سأل الخليفة من هذا؟ أجابه الفرزدق:

هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُوَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

اشتهر شعره بقوة المعاني والألفاظ، وحفاظه على ألفاظ من العربية كادت أن تندثر، ففيه قال أهل اللغة "لولا الفرزدق لذهب ثلث اللغة العربية"، ومن أشهر ما مدح به بني أميّة في خلافة سليمان بن عبدالملك:

أنت الذي نعت الكتاب لنافي ناطق التوراة والزبرِ

ثالثاً: الأخطل (19هـ/69هـ)

أبومالك (الأخطل التغلبي)، شاعر العرب النصرانيّ، نشأ في قبيلة تغلب العربية، ونظم الشعر صغيراً، وتقرّب إلى خلفاء بني أمية بعدما انتقل إلى الشام، وتميزّ شعره بقوة الأسلوب، ورصانة اللغة، فيما وصفه بعد النقاد بالتكلف في شعره، والإغارة على ألفاظ سابقيه من الشعراء، وعلى مدار أربعين عاماً تبادل الهجاء مع الثنائي (جرير والفرزدق)، مدح الخلفاء والخمر، وكان معجباً بشعره، امتدح بني أمية خير المديح، ومن أشهر ما قال عن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان:

إلى امرئٍ لا تعدّينا نوافلهُأظفرهُ اللهُ، فليهنا لهُ الظفرُ
الخائضِ الغَمْرَ، والمَيْمونِ طائِرُهُخَليفَة اللَّهِ يُسْتَسْقى بهِ المطَرُ

رابعاً: النابغة الشيباني (125هـ/743مـ)

نابغة بني شيبان، عبدالله بن المخارق بن سليم بن قيش الشيبانيّ، لم تذكر المصادر سنة ميلاده، ولكنه توفيّ في العام 125 من الهجرة المحمدية، وهو من شعراء الطبقة الأولى من البادية، وقد اشتهر بكثرة المدح للخليفة عبدالملك بن مروان، حتى إنّ الواقعة السياسية الأشهر وهو خلع لأخيه عبدالعزيز من الحكم، زينّها الشيباني للناس في قصيدة نظمها مدحاً في عبدالملك قائلاً:

أزحتَ عنا آل الـزبيـر ولـوكانـوا هـمُ المالكين ما صلُحـوا
إن تلق بلوى فأنت مصطبـروإن تلاقـي النعمى فلا فـرحُ

خامساً: بشار بن برد (96هـ/168هـ)

أبومعاذ (بشار بن برد بن يرجوخ العقيليّ)، إمام الشعراء المولدين، ويعد حلقة الوصل الشعرية بين نهايات العصر الأموي، وسطوع نجم بني العباس، ويعد نجم شعراء عصره، فقد ولد أعمى، وهو ما دفعه لسرد الشعر مبكراً، فكان غزير الشعر قليل التكلف في ألفاظه، وقد قال عنه الجاحظ "وليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلّا وبشّار أشعر منه، وقد مدح الأمويين، ومن بعدهم العباسيين، وقد مدح الخليفة المهدي بن المنصور، فامتنع عن أعطيته، فاغتاظ بن برد وهجاه ببيته الشهير:

خليفَـة يزنِي بعَمَّاتِـهيلعبُ بالدبوق والصَّولجانْ
أبْدَلَنا اللَّه به غَيْرَهودسّ مُوسى في حِرِ الخَيـزُرَانْ

فكان ذاك البيت سبب مصرعه، ليتهمه المهدي بالزندقه ويأمر برجمه حتى الموت.

سادساً: أبو العتاهية (130هـ/213هـ)

أبو إسحاق (إسماعيل بن القاسم بن سويد العينيّ)، وقد لُقِبَ بأبي العتاهية لما كان يمارسه من مجون في شبابه، لكنّه تصوفّ بعد ذلك ومالت حياته إلى الزهد والتنسك، انتقل من عين التمر (مسقط رأسه) إلى الكوفة وعمل ببيع الجرار، ولكنه مال إلى الشعر والأدب، وانتقل إلى بغداد فأنشد الشعر بعدما عرف طريق قصر المهدي، الذي أعجب بشعره، إلّا أنّه أحب جارية من جاريات القصر، فأنشد فيها قصيدة غزل، ليأمر المهدي بحبسه، فاستجداه بنظم من المديح فأطلق سراحه، وقد امتدح المهدي وأولاده الهادي والرشيد، حتى أنّه لما تصّوف امتنع عن نظم الشعر فأمر هارون الرشيد بسجنه وهدده بالقتل إن لم يقل الشعر، فعاد إلى سرد الشعر، ومن أشهر أبياته في نظم الشعر العربي ما قاله عن الشباب:

عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاًكمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيب
فيَا لَـيتَ الشّبـابَ يَعُودُ يَوْماًفـأُخـبرَهُ بما فَعَـلَ المَـشيـبُ

سابعاً: أبو نوّاس (145هـ/199هـ)

شاعر الخمر (أبوعلى الحسن بن هانيء الحكمي المذحجيّ)، ولد لأب دمشقي وأم كرديّة، انتقل مع أمه إلى البصرة، ثم إلى الكوفة بعد خلافة العباسيين، حيث رافق مجموعة من شعراء البادية وأخذ اللغة من منابعها، ثم عاد إلى البصرة مرة أخرى، ولم يكد يبلغ الثلاثين حتى ملك ناصية اللغة والعلوم الشرعية، وعاد إلى بغداد وتقرب من الخليفة الأمين بن الرشيد، وأصبحا صديقين مقربين، ولما كان من ضعف شخصية الأمين، أوعز إليه الفضل بن الربيع بالابتعاد عنه وأوقع الفتنة بينهما، فسجن أبو نوّاس على يد خليله، ولمّا كانت الفتنة بين أبناء الرشيد، التي قتل فيها الأمين رثاه أبو نواس بأبياتٍ من الشعر تعكس صدق عاطفته تجاه صاحبه فقال:

طوى الموت ما بيني وبين محمدوليس لما تطوى المنية ناشر
فلا وصل إلّا عبرة تستديمهاأحاديث نفس مالها الدهر ذاكر

ثامناً: أبو الطيب المتنبيّ (303هـ/354هـ)

نادرة زمانه وأعجوبة عصره (أحمد بن الحسين أبو الطيب الكنديّ الكوفي)، المنتسب إلى قبيلة كندة في الكوفة، عاش أعظم ملاحمه الشعرية في بلاط سيف الدولة الحمداني، ولعله الوحيد بعد بشار بن برد الذي قتله شعره، فبعد الصداقة التي جمعت بينه وبين حاكم حلب (الحمداني)، حقد عليه أقرانه من الشعراء، ولكن غرور المتنبي كان دوماً ما يدفعه إلى مدح نفسه قبل السلطان الذي يمنحه العطايا، واستمر طموحه في التعالي، حتى انقلب عليه الحمداني فلجأ إلى الإخشيدي في مصر، واتسمت حياته بالاضطرابات الشديدة، كما جمعت شخصيته بين عدة متناقضات، فبين غروره وتعاليه، يكمن كرمه وشجاعته، لما هجا ضبّة بن يزيد الأسدي بقوله:

مَا أنصَفَ القَومُ ضبّهوَأمــهُ الطرْطبّه
وإنّما قـلتُ ما قُـلترَحمَة لا مَحَبه

وكان في طريقه إلى الكوفة، فلقيّه فاتك الأسدي خال ضبة، فقتله هو وابنه وغلامه، ومن أشهر طرافات موته، أنّه حين حاول الهرب من فاتك، قال غلامه: أتهرب وأنت القائل"الخيل والليل والبيداء تعرفني"، فقال: قتلتني قتلك الله.

غرور المتنبي كان دوماً ما يدفعه إلى مدح نفسه قبل السلطان

تاسعاً: أبوتمام (188هـ/231هـ)

أمير البيان (حبيب بن أوس الطائي)، ولد بأرض سوريا، ثم انتقل إلى مصر، ومكث بها لسنوات، حتى استقدمه المعتصم إلى بغداد وقربه منه، فأقام ببغداد وتوفي بعدها بعامين، تميز حبيب بجمال صوته، فأنشد شعره بين أيدي الأمراء الذين أغدقوا عليه العطايا، وحفظ أكثر من أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب، وتميزّ شعره بالقوة والجزالة، واختلف في تفضيله عن المتنبي والبحتري، وفي عام 2014 كشفت مؤسسة جائزة البابطين عن العثور على 348 قصيدة للشاعر في تبريز الإيرانية، إلّا أنّها لم تنشر حتى اليوم، ومن أشهر ما أنشد في الشعر العربي:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوىما الحب إلّا للحـبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتىوحنيـنه أبـداً لأول منزل

عاشرا:ً مطيع بن إياس (169هـ/785م)

أبو سلمى (مطيع بن أياس بن مُسلِم بن أبي قرعة سلمى بن نوفل) أحد شعراء المحدثين، وعاصر الأمويين والعباسيين، وعرف بمجونه وخلاعته، وكان حلو المعشر، جميل الطلّة، يحب الخمر واللعب، والشطرنج، والغناء، قرّبه إليه الوليد بن يزيد لما سمع من جميل شعره، وقد تسبب في البيعة للمهدي بن المنصور، حين أنشد الشعر في حضرتهم، فرضي المنصور للبيعة لإبنه لما استطاب من شعر بن إياس، ولقد عرفه بحبه للحياة والنساء، وكان ينشد الغزل الصريح، دون التخفي، ومن أشهر ما قال في الغزل، ما قاله في جوهر جارية المنصور والمغنية:

أما والله يا جوهـرْلقد فُقت على الجوهرْ
فلا والله ما المهـديُّأولى منك بالمنبرْ
فإن شئت ففي كفيكخلعُ ابن أبي جعفر

اقرأ أيضاً: القدس.. ملهمة الشعراء والفنانين

الصفحة الرئيسية