مصر: الإخوان والإرهاب من تراث الماضي

مصر: الإخوان والإرهاب من تراث الماضي


12/11/2017

صحيح أنّ الإرهاب ظاهرة عالمية ضربت دولاً عدة واستفحلت في العقود الثلاثة الأخيرة؛ لكن تبقى الظروف المحلية لدى دول بعينها تؤثر في ظهور جماعات وتنظيمات إرهابية جديدة، وتقوية ورسوخ التنظيمات القديمة أو العكس.

وتشير خريطة توزيع الإرهابيين في العالم، وبفعل التطورات السياسية والأمنية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، إلى هزائم فادحة مُني بها تنظيم داعش وجماعات أخرى صغيرة مرتبطة به، فالأحداث في العراق وسورية واليمن وليبيا، والنجاحات التي حققتها أجهزة الأمن المصرية في سيناء، كلها أمور تؤكد أنّ داعش يفقد قلاعه وحصونه ومنصاته، ولأنه ظل التنظيم الأكثر حضوراً على الساحة الدولية في الأعوام الأخيرة، فإنّ سقوطه سيضرب بشدة مكانة الإرهاب معنوياً وحضوره عمليّاً.
لكن ذلك لا يعني أبداً أنّ الظاهرة في طريقها إلى الزوال، أو أنّ الإرهاب سينتهي؛ وإنما ربما تتغير أنماطه وأشكاله والأماكن التي يتسرطن فيها والجماعات والتنظيمات التي تقوم به وتنفذه.

تماسك المجتمعات العربية ونجاحها بتنظيف مدنها من سرطان الإرهاب المحلي يجعلها أكثر قدرة على التفرغ لمواجهة الخطر الإيراني وتوابعه

وليس جديداً القول إنّ مصر تجاوزت مرحلة الإخوان وأنّ الدولة تسير، رغم المعوقات والصعاب والأخطاء، في طريق لا يمثل الإخوان فيه سوى نتوءات لا تعيق السير وإن تسببت في بعض العراقيل؛ لكن الأهم أن مصر التي خاضت حرباً ضروساً طويلة ضد الإرهاب باتت على مقربة من طيّ صفحة من صفحاته؛ ليس فقط لأن وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء أو العاصمة أو باقي المحافظات المصرية الأخرى خفت كثيراً؛ ولكن أيضاً لأنّ المجتمع المصري صار يتعاطى مع الظاهرتين: الإخوانية والإرهابية باعتبارهما من تراث الماضي، ويتعامل مع ما تبقى من الشظايا التي لا تزال تتناثر والألغام التي تتفجر. يموج المجتمع المصري بالحركة في كل الاتجاهات دون اكتراث بحادثة إرهابية هنا أو صياح للإخوان هناك. تجاوزت مصر مرحلة كانت الدولة نفسها مهددة بالسقوط بفعل مؤامرات الخارج وتواطؤ الداخل وعمليات إرهابية متلاحقة، كانت تهدف إلى خلخلة المجتمع وضرب تماسكه وإبقاء المواطنين في حال خوف دائم وفزع مستمر. لاحظ هنا أن "داعش" الذي احتل مساحات واسعة من الأراضي في سورية والعراق وليبيا وحقق حضوراً بارزاً في دول أخرى لم يسيطر على متر واحد من الأراضي في سيناء أو غيرها، وظلت عمليات التنظيم، رغم فداحتها، تعتمد أسلوب الضرب ثم الفرار والانخراط والذوبان بين الناس، علماً بأنّ تنظيمات أخرى كالجماعات الإسلامية أو جماعة الجهاد مثلاً كانت تسيطر في ثمانينيات القرن الماضي على أحياء بأكملها في قلب القاهرة وكذلك في الصعيد.

ضجيج الإخوان خارج مصر بدعم من وسائل إعلام قطرية وتركية يزيد إصرار الشعب المصري على إبعاد الجماعة عن المشهد لاعتقادهم أنها تريد هدم الدولة

صحيح أنّ الإخوان مازالوا يتلقون دعماً قوياً من تركيا وقطر وينشطون في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وحقيقي أنّ أجهزة استخبارات في أكثر من دولة مازالت تستخدمهم للضغط على الحكم في مصر أحياناً، أو لخدمة أجندات تخص دولها في أحيان أخرى، لكن ضجيج الإخوان خارج مصر وترويج وسائل إعلام قطرية وتركية له وتضخيمه وتصويره على أنّه عاكس للأوضاع في مصر وفعاليات البكاء أو الشماتة وأنشطة الإساءة إلى مصر وسب رموزها، كلها أمور صارت تزيد إصرار الشعب المصري على إبعاد الإخوان عن المشهد، وترسِّخ الاعتقاد بأنّ الجماعة تريد هدم الدولة المصرية على من فيها وليس إصلاح خلل أو علاج مرض.
أما الإرهاب، فرغم تبرير عملياته عبر وسائل الإعلام التي تُبث من الخارج والدعم الذي تتلقاه بقايا عناصره في سيناء، أو هؤلاء المتسللون من الصحراء الغربية عبر الحدود مع ليبيا من قطر، وفق السلطات المصرية، فإنّ كل الأدلة تشير إلى انحساره بالمقارنة بنوعية العمليات وعددها في سنوات سابقة. حتى تنظيم "حسم" الذي يعد جناحاً عسكرياً للإخوان، فإنّ خبرات عناصره الضعيفة والحصار الذي تفرضه السلطات المصرية على الإخوان وتدهور سمعة الجماعة على المستوى الدولي، كلها عوامل جعلت عمليات التنظيم غير مؤثرة وسقوط عناصره سهلاً. لا يعني ذلك أنّ الإرهاب في مصر انتهى وإنما عاد إلى معدلات طبيعية تماماً كدول أخرى يضربها الإرهاب بفعل انتشار الظاهرة، وعدم اتخاذ المجتمع الدولي الإجراءات التي تحول دون استخدامه بواسطة دول، والتستر على كيانات تدعمه بدوافع مصالحية، أو لتورط أجهزة ومؤسسات في التعامل مع جماعات وتنظيمات وشخصيات إرهابية لفترات طويلة، يُخشى من أن تفضح الأدوار التي اضطلعت بها على مدى سنوات.
دعك هنا من الآلة الإعلامية الضخمة للإخوان التي تروج لصورة لا توجد إلا في أذهان أعضاء الجماعة، وتخدم التنظيمات الإرهابية ذاتها وتسعى لترسيخ مشاهد لا يراها المواطن أو الزائر لمصر، وكأن سيارات الجيش والشرطة تجوب الشوارع وتطلق النار على الناس أو تصطاد الأبرياء، أو أن الجثث تملأ الميادين والشوارع والحارات والقيود تكبل الأبرياء، فالناس أدركوا إلى أي مدى وقعوا لفترة ضحايا أكاذيب وسائل إعلام الإخوان وتقارير منظمات حقوقية تسرطنت بعناصر إخوانية، أو يجري تمويلها بواسطة أطراف قطرية. صحيح أنّ المنطقة العربية تموج بأحداث تحمل كثيراً من المخاوف خصوصاً تلك المتعلقة بالإصرار الإيراني على التوسع والامتداد والتدخل والتأثير في المجتمعات العربية، لكن تماسك المجتمعات العربية ونجاحها في "تنظيف" مدنها وأحيائها وشوارعها من سرطان الإرهاب المحلي يجعلها أكثر قدرة على التفرغ لمواجهة الخطر الإيراني وتوابعه!!

الصفحة الرئيسية