مسرحية "ليلك ضحى": من ينتصر أخيراً الفن أم "داعش"؟

مسرحية "ليلك ضحى": من ينتصر أخيراً الفن أم "داعش"؟


09/10/2018

في محاولة منه لاستعادة أمجاد المسرح العربي، يقرر المخرج الأردني غنّام غنّام تسخير فنه لخدمة قضيته الوطنية، وهي قضية إنسانية بالمقام الأول، محاولاً رصد تأثيرات الإرهاب على المجتمع السوري، وما يحدث في مختلف المجتمعات العربية. ويقدم غنّام هذه الرؤية من خلال مسرحيته "ليلك ضحى"، التي استضافها، أخيراً، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر في دورته الخامسة والعشرين، وعرضت بمسرح الهناجر في دار الأوبرا المصرية.

اقرأ أيضاً: مسرحية "ليلة سقوط طيبة": جدليات القمع والجماهير المُسبّحة بحمد الأنظمة

وكانت المسرحية عرضت لأول مرة في معهد الشارقة للفنون، وكان العرض الدولي الأول لها بالقاهرة، لتنتقل عروضها بعد ذلك إلى فاعليات أيام الشارقة المسرحية الشهر الجاري، ثمّ ترحل إلى تونس في أيام قرطاج المسرحية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

مسرحية ليلك محاولة لتجسيد حالة المعاناة العربية جراء الإرهاب

قصة المسرحية تدور حول الفنان المسرحي ومدرس الفنون بمدرسة في إحدى قرى الريف السوري، وزوجته "ليلك" معلمة الموسيقى بنفس المدرسة؛ حيث تخضع قريتهما لاجتياج إرهابيي داعش. يأخذنا المخرج في رحلة حوارية بين البطلين عن حالة الكبت التي يحياها سكان القرية بعد التدمير الذي لحق بها، إثر سيطرة الإرهابيين، وهو ما رسمه المخرج بدقة في أصوات التدمير وطلقات الرصاص التي يسمعها الشخصيتان خارج منزلهما؛ حيث حُكم عليهما بالبقاء في بيتهما خوفاً من نشرهما الفساد بفنهما، بحسب رؤية الإرهابيين.

"ليلك ضحى" للمخرج غنّام غنام تجاوزت الخطوط الحمراء في التماس مكمن الأزمة العربية وصراعها مع الإرهاب

من خلال موسيقى فيروز، وقصة الحب التي يعيشها البطلان، يحاول المخرج تصوير الحياة في سورية قبل الحرب. وباستخدام الحكي والرقصات الإيقاعية لبقية الأبطال، الذين يجسدون التحولات الاجتماعية الخطيرة التي مرَ بها المجتمع السوري، وخصوصاً الريف الذي يجسد قلب المجتمع النابض، وروح البشر الحرة، تتحول المسرحية إلى لوحة متقنة الصنع، لآلية قتل الحياة في محراب الإرهاب. وفي هذا الشأن قال غنّام لـ"حفريات": "حاولت تجسيد حالة المعاناة العربية جراء الإرهاب، وسوريا لم تكن إلّا نموذجاً، وجاء اختيار الحدث الواقع في الريف؛ لأنّه الأشد تضرراً من الحرب بعد سيطرة الإرهابيين على الكثير من الأراضي السورية، وهو الشاهد الأكبر على الحرب وما فعلته بالبشر، وهشاشة الريف أمام الأفكار المتطرفة، وهذا ليس لشيء إلّا لأنه لا يحظى باهتمام الأنظمة السياسية كما المدن". وأضاف "القصة حقيقية، وقد أتتني الفكرة بعد قراءة خبر في جريدة ربما لم يلتفت له الكثيرون عن انتحار زوجين في قرية سورية بعد سيطرة داعش على البلدة، وحاولت تخيل ماذا يمكن أن يدفع زوجان لمثل هذا الفعل سوى أنهما يمتلكان روحاً شاعرية للغاية لا يمتلكها إلّا فنان، لذلك قررت أن يكون الزوج مسرحياً والزوجة موسيقية".

المخرج الأردني غنّام غنّام مخرج مسرحية ليلك ضحى

المسرح شهادة على المجتمع

المسرح بوصفه أحد الأجناس الأدبية، أكثر الفنون ارتباطاً بالحياة؛ فهو نشاط إنتاجي جماعي جدلي تتحول فيه الممارسة الإبداعية إلى ممارسة اجتماعية معرفية، عبر عملية الإرسال والتلقي وإعادة إنتاج الدلالة بصورة مستمرة، وقد بدأ هذا الاتجاه في التجلي منذ القرن التاسع عشر؛ حيث بدأ المسرح في الحديث عن عناصر الصراع بوجه عام، بوصفه المقوم الأساسي للعمل، فشمل كل أنواع الصراعات، السياسي والاجتماعي والشخصي، لذا هناك الحديث عن صراع متعدد الأوجه مع الإرهاب، فهناك الصراع السياسي الذي يتمثل في سيطرة قوانين عفا عليها الزمن من قِبل الدواعش، والصراع الاجتماعي الذي يطال الناس كشهود عيان على التحولات الإنسانية التي تداعب جوهر المجتمع وتعيد تشكيل البناء البشري، طبقاً لأولويات الأجندة الأيديولوجية للفكر المسيطر على السلطة، والصراع الشخصي الذي يتمثل في التحولات النفسية على المستوى الفردي انتقالاً للمستوى العام، باعتبارات سيكولوجية العقل الجمعي الذي يقود التجمعات البشرية في مختلف الثقافات.

غنّام: حاولت تجسيد حالة المعاناة العربية جراء الإرهاب، وسوريا لم تكن إلّا نموذجاً لأنّها الأشد تضرراً

في الانتقال بين مشاهد المسرحية، يرصد المخرج حالات إنسانية تشبعت بروح الهزيمة والانسحاق أمام القوة السطحية التي يبدو عليها الإرهاب، وتتجلى في قصة حب موازية بين الشاب حمود وفاطمة، وهما تلميذان لضحى وليلك، وقد انسحقا تحت سطوة السلاح، ففاطمة أخذها الدواعش سبيّة، لتنطفأ زهرة صباها، وتتشح السواد، في رمزية واضحة يربطها المخرج بين تباين الأبيض في ثياب بطلات المسرحية، إلى الوشاح الأسود الرامز للظلامية التي عمّت أرجاء سوريا، بعدما تغطت نساؤها بالأسود.

بعد ذلك ينتقل العمل من جسد فاطمة، إلى قلب حمود وروحه، الذي خطف الإرهاب أبويه ومحبوبته، فتفسد حيّل عقله، وتحول بينه وبين إدراك الواقع، ملتحقاً بصفوف أعدائه وتباغته الصدمة حين يقع معلماه أسيرين تحت قبضته، ليتلاشي وشاح الإرهابي الذي ارتداه، ويحاول خداع أمير الجماعة، لتهريبهما، بعد أن تذكر برؤيتهما نفسه الحقيقية، ومحبوبته التي ضاعت بلا رجعة، وبآلية الاسترداد، يسرد حمود قصة تحوله، التي تعكس في حوار لغوي منمق، كيف قتل التطرف والظلامية الآف الشباب العربي حتى من ظل منهم قيد الحياة، إلّا أنّ الهزال الذي أصاب العقول أحلك وأشد وطأةً من القتل نفسه.

المسرح بوصفه أحد الأجناس الأدبية فهو أكثر الفنون ارتباطاً بالحياة

سيكولوجية الظلامية

تتخلل مشاهد العمل صورة الرجال العاديين في القرية الذين يدندون أغنيات أم كلثوم، وكلمات عبدالحليم، ويتغزّلون بالنساء، وخضوعهم منسحقين للإرهاب الغاشم، فتظهر محاور اهتماماتهم بعد التحول التي تتركز حول اشتهاء النساء ومفاتنهم. في هذا السياق يذكر الفنان محمد جمعة أحد أبطال العمل لـ"حفريات" كيف أنّ الفكر المتطرف، "يحول بعض الرجال لحيوانات متحركة، تتمحور أدمغتهم حول اشتهاء النساء، الذين يمثلون بالنسبة لهم أدوات متعة ليس إلّا، ونحن نحاول من خلال هذا العمل، تسليط الضوء على سيكولوجية الإرهابي، لأنّها الأهم في تفكيك الصراع بين المجتمعات الإنسانية والعقل الإرهابي المضطرب بدوره".

اقرأ أيضاً: مخرج مصري شاب يجابه التيارات التكفيرية بسلاح المسرح

وعلى الرغم من التعثر الذي لحق بالمسرح العربي وفترات خفوته الطويلة، إلّا أن "ليلك ضحى"، قد تجاوزت الخطوط الحمراء في التماس مكمن الأزمة العربية وصراعها مع الإرهاب، وهو ما آمن به أبطال العمل بشكل جماعي، مشكلين بسرديتهم أنشودة تندد بالإرهاب وصرخة استغاثة لاستعادة حيوات الشعوب المكلومة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية