هشام عشماوي.. رحلة السقوط في الهاوية

الإرهاب

هشام عشماوي.. رحلة السقوط في الهاوية


11/10/2018

كانت الأفكار المتطرفة التي زرعها عبود الزمر، وعصام القمري، في عدد من أفراد الجيش، قد حُوصرت إلى حدّ كبير، بعد اغتيال الرئيس الراحل، أنور السادات، إلا أنّ مصر، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، شهدت التحاق عدد من أفراد الجيش والشرطة بتنظيمات الجهاد المصرية، منهم: الضابط طارق أبو العزم، الذي أسهم فيما بعد بانضمام وليد بدر، وعماد عبد الحميد، وغيرهم إلى تنظيم القاعدة، كان من بينهم ضابط الصاعقة هشام عشماوي الذي سيصبح أخطر مطلوب في مصر.

البداية مع "أبو العزم"

قضى أبو العزم بعثة للتدريب في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يعرف سبباً واضحاً جعله يشتري كتب سيد قطب، ويبحث في الإنترنت عن كلمات بن لادن، وأبو محمد المقدسي، وأبو مصعب السوري.

أبو محمد المقدسي

عقب عودته بدأ أبو العزم في نشر أفكاره، وتواصل مع ضباط آخرين، كان من بينهم هشام عشماوي، إلا أنّ المخابرات الحربية كانت قد رصدته، فعاقبته بالفصل من الجيش، ومعه آخرون، إلا أنّه أصرّ على استكمال مسيرته، فأسس تنظيماً أطلق عليه "جند الله"، خطّط لاستهداف السفن الأمريكية المارة في المجرى الملاحي لقناة السويس، وما لبثت أن اكتشفته قوات الأمن، فألقت القبض عليه، وزجّت به في السجن.

اقرأ أيضاً: لحظة بـ 10 أعوام.. البحث في عقل هشام عشماوي؟

في السجن؛ توطّدت علاقة (أبو العزم) بأعضاء الجماعات التكفيرية، وبعد فراره إثر ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) العام 2011، شكل مجموعة أطلق عليها فيما بعد "خلية مدينة نصر"، برفقة عدد منهم كان أبرزهم: كريم أحمد عبد السلام، الذي لقي حتفه بعد أن فجّر نفسه خوفاً من أن تحصل أجهزة الأمن على معلومات تمكّنها من معرفة الهيكل التنظيمي للجماعة.

في العام 2007، قررت المحكمة العسكرية طرد عشماوي من الجيش

نقطة التحوّل

انضم عشماوي إلى خلية طارق أبو العزم، بعد أن حدثت نقطة تحوّل في حياته، العام 2006، وفق أقوال زوجته نسرين، الأستاذة بجامعة عين شمس بالقاهرة، أمام نيابة أمن الدولة العليا، العام 2014، حين اعتقل صديق له وتوفَّي في الحجز بعد مزاعم بتعرضه للتعذيب، وبعدها؛ بدأ في إلقاء المواعظ الدينية في مصلَّى بنته عائلته في مدينة نصر.

في العام 2007، قررت المحكمة العسكرية طرد عشماوي من الجيش، فعمل بعدها بالتجارة لفترة في القاهرة، وكان يجتمع مع ضباط سابقين في مصلى عائلته.

بدأت رحلة عشماوي مع الإرهاب خلال خدمته العسكرية بعد انضمامه لخلية طارق أبو العزم العام 2006

بعد اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي، كان المصريون من السلفية الجهادية على موعد مع رفقاء السلاح في بنغازي ودرنة، ولم يكن ثمّة ما يعيق ذلك في الداخل المصري، وفي الصحراء الغربية الشاسعة؛ حيث الحدود الليبية المصرية، مترامية الأطراف، كانت هناك شبكة محكمة لنقل الأسلحة، أعدّها محمد جمال الكاشف (أبو أحمد)، الذي كان ما يزال خارجاً لتوّه من عنابر سجن العقرب، بعد أحداث 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، في موجة إطلاق سراح السجناء، ومعه التونسي علي سعيد ميرغني.

نجح الكاشف، في وقت قصير، في تأسيس أخطر شبكة إرهابية، ومعه هشام عشماوي، خطّطت لاستهداف السفن المارّة في قناة السويس بالزوارق الحربية، ووقتها نقل عن اختصاصيين في مكافحة الإرهاب قولهم إنّ "أجهزة المخابرات الغربية المكلفة بمكافحة الإرهاب، تعدّ "أبو أحمد" أحد الأشخاص الأكثر خطورة في المنطقة منذ الربيع العربي".

في البداية لم يكن معروفاً حتى لأعضاء خليته الأولى بسبب استخدامه العشرات من الأسماء الحركية

لم يتم القبض على هشام عشماوي في تلك الشبكة، وظلّ متوارياً عن الأنظار؛ إذ رغم أنّه كان عضواً في خليّة مدينة نصر، وفي "شبكة الجمال"، إلا أنّه لم يكن معروفاً حتى لأعضاء خليته، بسبب استخدامه العشرات من الأسماء الحركية.

بعد مشاركته في الحرب ضد قوات القذافي، وارتباطه بقادة القاعدة في شمال إفريقيا؛ ذهب إلى سوريا، للمشاركة في الحرب هناك، إذ في ٢٧ نيسان (أبريل) العام ٢٠١٣ خلال فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، تمكن عبر مطار القاهرة من السفر إلى تركيا، ومن ثم تسلّل عبر الحدود السورية-التركية إلى سوريا، ليعود بعدها إلى مصر، وينضم إلى تنظيم بيت المقدس في سيناء، قبل أن يتركه، ويتخذ من ليبيا مقراً لإدارة عملياته المسلحة.

اقرأ أيضاً: عشماوي .. ضابط الصاعقة في وحل التكفير

اندلاع ثورة 30 من حزيران (يونيو) العام 2013، والإطاحة بنظام مرسي، دفعا عشماوي للعودة إلى القاهرة مجدداً، والتنسيق مع قادة جماعة أنصار بيت المقدس.

تولّى عشماوي عملية رصد تحركات وزير الداخلية، مع عماد الدين أحمد، الذي أعدّ العبوات المتفجرة، بالاشتراك مع وليد بدر، منفّذ العملية، العائد من سوريا، كما شارك في "مذبحة كمين الفرافرة"، في 19 تموز (يوليو) العام 2014، وهي العملية التي قتل فيها 22 مجنداً، ومذبحة "العريش" الثالثة، في شباط (فبراير) العام 2015، التي استهدفت "الكتيبة 101"، وقُتل فيها 29 عنصراً من القوات المسلحة، كما اشترك في التدريب والتخطيط لعملية اقتحام الكتيبة العسكرية.

ظل على ولائه لمحمد الظواهري والقاعدة في الشمال الإفريقي

الانفصال عن "داعش"

انحياز "بيت المقدس" لأبو بكر البغدادي، ومبايعة تنظيم داعش، أغضب عشماوي، الذي ظل على ولائه لمحمد الظواهري والقاعدة في الشمال الإفريقي، فقرّر الانفصال، ثم ظهر بعد ذلك بكونه أميراً لكتيبة جديدة تحت اسم "المرابطين"، التي أعلن عن تشكيلها في 21 تموز (يوليو)  العام 2015.

عقب "25 يناير" نجح الكاشف وعشماوي بتأسيس شبكة إرهابية خطّطت لاستهداف السفن المارّة في قناة السويس

و"المرابطون" في الأصل؛ جماعة إقليمية، يقودها، الآن، الجزائري مختار بلمختار، المكنّى بخالد أبو العباس، وهي تابعة لتنظيم القاعدة، وكان مركز نشاطها في جنوب الجزائر، وشمال مالي، إلا أنّ مركز قيادتها الآن أصبح في ليبيا.

بداية تشكيل "المرابطين"، كانت من مدينة درنة، شرق ليبيا، وهي التي عُقد فيها اجتماع لبحث الردّ على إعلان أبي بكر البغدادي تنصيب نفسه "خليفة" للمسلمين.

استمر هذا الاجتماع المفصلي، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس بريس"، نقلاً عن صحيفة ألمانية، 3 أيام، وناقش إستراتيجية جديدة إقليمية قائمة على التنسيق والوحدة بين الجماعات، ورفض مبايعة البغدادي، والاستمرار في التحالف مع تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، والتصدي للحكومات العلمانية في المنطقة، وتدفّق المقاتلين الإسلاميين إلى مصر وتونس.

كما بحث إعلان قيادات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، و"المرابطون"، وحركة "التوحيد والجهاد"، والفريق المنشقّ عن بيت المقدس المصرية، وحدتهم وتشكيلهم جماعة واحدة، لتكون نواة لجماعة كبرى، ستسيطر على إمارة الصحراء الشاسعة، شمال مالي، حتى الحدود الموريتانية، مع أجزاء من النيجر، وليبيا، وجنوب الجزائر، وبعدها تتوجّه إلى مصر، على أن تكون المدينة نفسها، التي عُقِد فيها الاجتماع، المقرّ الجديد لقيادة القاعدة في إفريقيا، لاعتبارات عدّة، أوّلها: أنّ أنصار الشريعة (جماعة حلّت نفسها فيما بعد) يُحكمون سيطرتهم على المدينة، وثانيها: أنّ كلّ الجماعات في المدينة تعتنق فكر القاعدة، وظهر ذلك جلياً في الملتقى الأول للتنظيم، الذي انطلق تحت شعار "خطوة لبناء دولة الإسلام".

ظلّ عشماوي هارباً في جنوب درنة، حتى رصدته قوات الجيش الليبي

المطلوب رقم واحد

ظلّ عشماوي هارباً في درنة، يقود عسكرياً مجلس شورى المجاهدين، وبها وقع قتال كبير بين التنظيمات الموالية لداعش والقاعدة، انتهى بإعلان داعش جائزة مالية لمن يدلي بمعلومات عنه، وعن نائبه عمر رفاعي سرور، الذي قتل، ووجدت زوجته معه عقب القبض عليه.

انتهى تنظيم "المرابطين" عقب تصفية خلية الواحات فظلّ عشماوي هارباً جنوب درنة حتى إلقاء القبض عليه

 

خطط عشماوي لإحياء تنظيم القاعدة بمصر، الذي أعلن وقف عملياته بمصر، لعدم القدرة، منذ العام 1995؛ لذلك كلّف نائبه عماد عبد الحميد بالدخول لمنطقة الواحات المصرية الوعرة، عبر الحدود، وإقامة معسكر فيها، لكنّ العملية فشلت، بعد معركة قتل فيها أكثر من 50 شرطياً، وقضي فيها على المجموعة بالكامل، يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر) العام 2017.

عملياً، انتهى تنظيم "المرابطين" عقب تصفية خلية الواحات، وظلّ عشماوي هارباً في جنوب درنة، حتى رصدته قوات الجيش الليبي، وألقت القبض عليه، لتطوى بذلك صفحة أخطر إرهابي في مصر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية