تجارة الأعضاء: انحدار ينهش أجساد اليائسين والمهمشين

تجارة الأعضاء: انحدار ينهش أجساد اليائسين والمهمشين
الفقر

تجارة الأعضاء: انحدار ينهش أجساد اليائسين والمهمشين


18/10/2018

طالما تحدثت الأديان والمعتقدات والثقافات عن قدسية الجسد والمحافظة عليه باعتباره هبة الخالق للبشرية، ونصّت معظم الشرائع، حتى غير السماوية منها، على عقوبات تجاه من يعتدي على أخيه الإنسان ويلحق أي ضرر بجوارحه تصل حدّ القصاص بالمِثل.

ولعلّه في أوسع لحظات الخيال لم يكن ليخطر على بال في زمن مضى أن تتحول أعضاء الإنسان يوماً من الأيام إلى سلعة تُباع وتُشترى في سياق ما يُعرف بـ"تجارة الأعضاء"، لها سوق وتجار وسماسرة لا يعبأون بأي اعتبارات أخلاقية سوى الربح المادي بما يعكس وجهاً آخر من الانحدار الذي يتيحه التقدم العلمي في أحيان كثيرة.

شايلوك واللحم البشري

في واحدةٍ من أشهر مسرحيات الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير، يقوم التاجر اليهودي "شايلوك" بطلب رطلٍ من لحم التاجر الشاب "أنطونيو" في حال لم يرد له دَيْنه البالغ ثلاثة آلافٍ من الجنيهات وفوائدهما.

تجارة وصلت في عصر السلعة إلى أقصى ازدهارها وتعتبر من أكبر الأسواق غير القانونية في العالم

وببساطة، حاول شايلوك اقتطاع جزء من جسد أنطونيو، مستغلاً حاجته إلى المال. وتوضح القصة، لحظة تاريخية وأدبية، يمكن أن تشكل مثالاً على الفكرة التي قامت عليها تجارة الأعضاء فيما بعد، فهي ليست دوماً تقوم على عمل العصابات والخطف والقتل، من أجل بيع أعضاء الضحايا المهمة؛ كالقلب والكليتين؛ إذ توجد عقود ما للفقراء، تشترط دفع مبلغٍ من المال لهم، ليسدوا رمق حياة الضنك التي يعيشونها، مقابل أجساد سوف تتأثر، وتصبح بالكاد قادرةً على العيش، وهو ما يحصل كتجارة، وصلت في عصر "تسليع" كل شيء إلى أقصى (ازدهارها)، حيث تعتبر السوق السوداء للاتجار بالأعضاء من الأكبر في العالم، بدءاً من البرازيل المشهورة بها، وليس انتهاءً بمصر.

السوق السوداء لتجاءة الأعضاء توفر للزبائن أي شيء

ووفقاً لتقارير عالمية موسعة، كان من أبرزها ما كتبه "لاري روثر" في "صحيفة نيويورك تايمز" العام 2004، فإنّ تجارة الأعضاء تعتمد في كثيرٍ من الأحيان على سببٍ رئيسي، هو "الحاجة". ويشير روثر إلى حالاتٍ عاينها بنفسه في أمريكا منها؛ حالة شهيرة لرجل فقير يدعى "دا سيلفا"، وهو ابن لأم كانت مهنتها "الجنس مقابل المال"، ويذكر أنه حين كان طفلاً فقيراً جائعاً، نعت أمه ذات مرة أنها "امرأة تبيع لحمها"، ولكنه حين قبل عرضاً لبيع كليته بعد أعوام، وبعد أن سمع بأذنه مقدار المبلغ الكبير الذي سوف يجنيه، فكّر أنه هو الآخر "يبيع لحمه من أجل أن يعيش".

وفي أغلب جوانب هذه التجارة، غير القانونية، تقوم هذه العملية كأي سوق على العرض والطلب، لإنقاذ حياةٍ ما، والإنقاص من حياةٍ أخرى، فتستغل هذه التجارة الفقراء أو المنبوذين، خاصة بين صفوف المهاجرين، وتزدهر في حالاتِ الحروب والكوارث.

كيف تبيع أعضاءك؟!

سؤال مستهجن، لا بد أنّ له إجاباتٍ عديدة، وأمثلةً مختلفة، خصوصاً في العقدين الأخيرين؛ حيث يشكل الإنترنت وسيلةً أساسية، ومنصةً لا يمكن إغفالها في مسائل التجارة العالمية والاقتصاد، وهو ما وظّفته شبكات تجارة الأعضاء حول العالم في التواصل من أجل العرض والطلب.

اقرأ أيضاً: خروقات العمل الإنساني والإغاثي في الحروب والصراعات

وبالفعل، تنشط هذه الشبكات في بلادٍ عديدة، رغم عدم قانونية هذه التجارة على مستوى الدول، عدا "إيران" الدولة الوحيدة التي تعتبر فيها تجارة الأعضاء "قانونية"، ووفق صحف إيرانية، منها صحيفة "انتخاب"، التي تحدثت في تقريرٍ نشر بتاريخ 23 حزيران (يونيو) العام 2017، فإنه توجد إعلانات "على بعض الصحف، وأخرى يراها الناس كإعلانات معلقة على أشجارٍ أو أعمدة، لأناس مستعدين لبيع كلاهم مثلاً بسبب حاجتهم المالية، وآخرين يودون الحصول على أعضاء أشخاصٍ آخرين".

تقوم تجارة الأعضاء على العرض والطلب بإنقاذ حياة إنسان على حساب غيره من الفقراء أو المنبوذين

وفي دولٍ عربية أخرى تعتبر مستقرة أمنياً، كمصر، تتحدث تقارير وتحقيقات صحفية عالمية، وحسب زعمها، عن كون مصر أكثر بلد عربي تنشط فيه تجارة الأعضاء، وتحديداً في صفوف طالبي اللجوء السودانيين.

وبحسب تقرير نشرته "فرانس 24" العام 2017، ويستند إلى تحقيقاتٍ أجراها صحفي ألماني، يتتبع نشاطات تجارة الأعضاء في العالم العربي، فإن "هذه العملية، تبدأ بإقناع العميل ببيع أحد أعضائه، ليليها إجراء التحاليل الطبية اللازمة للتأكد من سلامة "البائع"، ومن ثم يقوم بالإقرار كتابياً أنه يتبرع بأحد أعضائه دون مقابل، للالتفاف على القانون الذي يجرم بيع الأعضاء البشرية بمقابل مادي، وهو ما يحدث كذلك، في أي مكان حول العالم وبذات الطريقة".

اقرأ أيضاً: هكذا تبتزّ ميليشيا الحوثي الفقراء ورجال الأعمال على السواء!

ويضيف التحقيق أنّ "البيع لا يتم دائماً بالتراضي مع البائع، وإنما يتم أحياناً "انتزاع" الكلية من الضحية دون موافقته عن طريق عصابات إجرامية مسلحة، أما المقابل إن وجد، فلا يتعدى 7000 دولارٍ في الغالب".

أرقام عالمية عن التجارة غير القانونية للأعضاء

وليس بعيداً عن مصر، وفي مسيرة تتبع "تجارة الدم"، كما تسمى في أغلب الأحيان، ، تحدثت تقارير عن ظهور هذه الظاهرة في سوريا كآثار متوقعة خلفتها الحرب هناك، وصلت حد التجارة الصامتة وانتزاع أعضاء أشخاصٍ عديدين، ولعل أبرز ما توضح بهذا الشأن، جاء في تحقيقٍ لوكالة أنباء "سبوتنيك" ونشر في العام 2016.

دول عربية غير مستقرة كسوريا وليبيا والعراق تعد أمكنة مفضلة لسرقة أعضاء البشر سواء كانوا أحياء أم أمواتاً

ويرِد في التحقيق ّأن "تجارة الأعضاء نشطت في مدينة حلب مثلاً، وعلى امتداد الحدود السورية التركية؛ حيث كان يمكن شراء أي شيء، بل كان ممكناً شراء امرأة أو طفلٍ مثلاً، من أجل المتاجرة بأعضائهم، وتهريبها من خلال مقاتلي جماعاتٍ إرهابية".

وبحسب التحقيق ذاته، تشير إحصائياتٌ غير رسمية، أنه "توجد 18 ألف حالة نقل أعضاء غير قانونية في شمال سوريا، وغالبية الضحايا الذين تعرضوا لهذا الأمر كانوا لا يجرؤون على الكلام عن هذا الموضوع خوفاً على أرواحهم".

في هذا السياق تحدثت تقارير عديدة غير رسمية أو دولية، من جهتها، عن تجارة الأعضاء من طرف ما أسمته "بالنظام السوري أو رجاله"، وليس فقط من جهة التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة تورط نادي برشلونة بتجارة الأعضاء البشرية؟

وهو ما حصل كذلك في ليبيا، التي تعتبر بؤرة للصراعات المسلحة بين الجماعات الإرهابية، وتعد وفقاً لتقارير نشرها موقع "إيوان ليبيا" في العام 2016 "ساحةً مفتوحة لتجارة الأعضاء بسبب انتشار الفوضى وانعدام الأمن، وغالباً ما تحصل عمليات خطف واستئصالٍ قسري وقتل أحياناً بحق الضحايا".

كل ما ذكر، يحصل في دولٍ أخرى أيضاً؛ كالعراق، الذي تأثر بالاحتلال الأمريكي، وكل ما تلاه من إرهابٍ وتردٍ اقتصادي وأمني، وفقر، لدرجة أن حالات من "سياحة الأعضاء البشرية" تم ضبطها هناك. وهي حالةٌ تقوم على سفر أثرياء لبلدان مختلفة، للعثور على أفرادٍ محتاجين أو فقراء مثلاً، ليتم شراء كِلاهم بمبالغ مالية، من أجل بيعها أو الاستفادة منها بشكلٍ شخصيٍ مباشر.

حيثما وجدت الحروب والهجرات القسرية تزدهر تجارة الأعضاء

بطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على المنطقة العربية؛ بل يمتد في الكثير من أنحاء العالم؛ حيث تشتهر البرازيل كذلك بتجارة أعضاءٍ غير قانونية، فيما يوجد الحال ذاته في إفريقيا والهند وغيرهما. كما تتحدث تقارير غير رسمية، عن أنّ "أمريكا وإسرائيل ودولٍ أخرى"، تستورد الأعضاء بالسر، وبصورة غير قانونية من خلال وسطاء.

الأمل إنساني وقانوني

وفق منظمة الصحة العالمية، وإعلانها العام 2008، أصبح دعم ونشر ثقافة "التبرع بالأعضاء" بين البشر في العالم حاجة إنسانية ضرورية، وذلك من أجل توفير حياةٍ أفضل وأقل خطراً، من قبل أولئك الذين "يموتون" ولا تعود لهم حاجة واعية بأعضائهم.

اقرأ أيضاً: الإرهاب ينافس تجارة الأعضاء في سيناء

ومما يجعل فكرة التبرع بالأعضاء أكثر انتشاراً، هو وجود قوانين في معظم دول العالم اليوم، تضبط عملية التبرع بالأعضاء، على أنها "عمل طوعي من شخصٍ بالغٍ أو عاقل، يقوم بمنح حق الاستفادة من أعضائه أو بعضها لأشخاصٍ آخرين في حال وفاته".

ومن الناحية الدينية، لم تحرم مؤسسات دينية مختلفة التبرع بالأعضاء؛ كالأزهر مثلاً، الذي اعتبر التبرع بالأعضاء "جائزاً"، دون انتهاك حرمة المتبرع الحي أو التسبب بموته، بينما ينتفي هذا الشرط تقريباً، في حال كان المتبرع شخصاً متوفياً.

تزدهر تجارة الأعضاء في بؤر الحرب والفقر والهجرات القسرية وتتولاها أطراف مقاتلة أو إرهابية أحياناً

وفي أوروبا ودولٍ أخرى، لا يشترط في كثيرٍ من الأحيان وجود "ورقة قانونية أو أي شيء"، يثبت طلب أو رضا المتوفى عن التبرع بأعضائه، في حال طلبت عائلته مثلاً أن يتم التبرع بأعضائه لآخرين.

الأمل الآخر في الحد من تجارة الأعضاء يتمثل في العلم والطب، ومدى قدرات علم زرع الأعضاء على سد حاجة البشر في المستقبل، وهو علم تطور كثيراً منذ بداياته العام 1837، ووصل العام 2010، حد زراعة قصبةٍ هوائية كاملة لإنسان، مقابل جهودٍ تبذلها مؤسسات أبحاثٍ عالمية، لتحسين تقبل جهاز المناعة البشري للأعضاء الطبيعية المنقولة من شخصٍ لآخر، وتلك الصناعية.

ويبقى الجانب الأخلاقي والإنساني، مرتبطاً حالياً في نشر ثقافة التبرع بالأعضاء، ومحاصرة الاتجار بالأعضاء قدر الممكن.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية