هادي يحمد يكشف لـ "حفريات" تفاصيل نكاح الجهاد وشروط زواج السبايا في داعش

هادي يحمد يكشف لـ "حفريات" تفاصيل نكاح الجهاد وشروط زواج السبايا في داعش


21/10/2018

أجرى الحوار: كريم شفيق


يسرد الكاتب والصحافي التونسي، هادي يحمد، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، في حواره مع "حفريات" العديد من العوامل السياسية والمجتمعية التي وفرت ملاذاً للشباب العربي، بوجه عام، والتونسي، بوجه خاص، للالتحاق بالجماعات الجهادية والتنظيمات المسلحة.

ويوثق صاحب "كنت في الرقة"، شهادة أحد الشباب التونسي، الذي جرى تجنيده للجهاد في سوريا، والمحطات التي عبر إليها، حتى انضمامه لتنظيم "داعش"؛ ويكشف من خلال تجربته عن الظروف المحلية والمعطيات الإقليمية، التي بعثت داخله الحالة الجهادية بهذه القوة. كما يكشف تفاصيل نكاح الجهاد وشروط زواج السبايا في "داعش".

اقرأ أيضاً: مأزق المؤسسات الدينية في مواجهة الظاهرة الجهادية

ويعرج الكاتب التونسي، على تجربة الإسلاميين في الحكم، وكيفية إدارتهم للسلطة، ومدى نجاحهم في تلبية احتياجات المواطنين؛ والتي اعتبرها بمثابة امتحان قوي لهم، كشف عن الهوة بين الشعارات التجييشية، مثل "الإسلام هو الحل"، التي وصفها بـ "الطوباوية"، وقدرتها على رسم سياسات واقعية، بدلاً من أن تكون مجرد محطة مؤقتة، لحصد أصوات انتخابية وتعبئة الأفراد لتنظيماتهم.

هنا نص الحوار:

تقصيت حالات عدد من الشباب المنضوي تحت راية الجهاد في كتابيك: "سلفيون جهاديون تونسيون" و"كنت في الرقة"؛ وانطلقت من حادث اغتيال القيادي اليساري، شكري بلعيد، بعد أن اكتشفت وجود أبعاد سياسية ودينية في عملية تصفيته. هل ثمة قاسم مشترك بين الأطراف التي حصلت على شهاداتها، في كونها متجانسة اجتماعياً أو وقعت تحت تأثيرات عوامل نفسية وسياسية وطبقية واحدة آلت بهم لهذا الحال؟

في الحقيقة، ينحدر الملتحقون بالجماعات الإسلامية، من مشارب اجتماعية وطبقية مختلفة؛ هم جاؤوا من مشارب ومسارات متعددة. في هذه المسارات الشخصية المتفاوتة، والمشارب المتباينة، من الممكن العثور على عناصر متحركة وأخرى ثابتة.

من العناصر المتحركة؛ مسألة الانتماء الاجتماعي والطبقي والمستوى التعليمي؛ حيث يبدو أنّ الانتماء إلى الطبقات المهمشة عامل مشترك، غير أنّ الأمر خلاف ذلك، فصحيح أنّ العديد من أفراد هذه الجماعات، ينتمون إلى الأحياء الفقيرة في العاصمة؛ مثل "حي التضامن" (أكبر الأحياء الشعبية في تونس)، كما ينتمي العديد منهم إلى حي "سيدي حسين"، في الضواحي الغربية للعاصمة، ولا يملكون مستوى تعليمياً جيداً، والعديد منهم غادر مقاعد الدراسة، في أوقات مبكرة، والبعض الآخر، ينتمي للمناطق والمدن الريفية، مثل، ضواحي مدينة بنزرت في الشمال، وتحديداً من بلدة "العالية"، أو بلدة "الوسلاتية"، إلا أنّ هذا الانتماء إلى الأحياء المهمشة، لا يعني أنّ كل المنتمين إلى الجماعات الإسلامية هم فقراء أو مهمشون اجتماعياً.

اقرأ أيضاً: الجماعات الجهادية...هل هي شكل جديد للاستعمار؟

ثبت من خلال العديد من النماذج أنّ المستوى الاجتماعي غير محدد، وكثير من العناصر التي انضمت إلى تنظيم أنصار الشريعة، قبل تصنيفه منظمة إرهابية، في تموز (يوليو) العام 2013، أو تلك التي هاجرت إلى سوريا والعراق، بغية الانخراط في الجماعات الإسلامية المسلحة (جبهة النصرة، تنظيم داعش)، كانت مترفة اجتماعياً، وتنتمي إلى أحياء ومناطق غنية.

كما ثبت أنّ العديد من أفراد الجماعات الإسلامية، لهم مستويات علمية معتبرة، وخاصة في الاختصاصات العلمية؛ فكليات التقنية والهندسة والإعلام في تونس العاصمة، على سبيل المثال، فرخت العشرات من القيادات التي كانت من قيادات الصف الثاني في تنظيم أنصار الشريعة. وانضم جل هؤلاء فيما بعد إلى تنظيم داعش، وأداروا العديد من دواوينه، وكانوا ذا كثافة كبيرة في "ديوان الجند"، وتقلدوا مناصب مهمة، كما أشرفوا على مصانع المتفجرات، وتجنيد الشباب، فضلاً عن دمجهم في المكاتب الإعلامية كمسوؤلين عن عمليات الاختراق الإلكتروني، وبث "البروباغوندا" الإعلامية للتنظيم، من خلال الشبكات الاجتماعية.

هل يعني ذلك أنه ليس ثمة قاسم مشترك يعد ركيزة لبناء وولادة أجيال تؤمن بالعنف والجهاد، ويتعرضون لحالة "العزلة الشعورية" التي تفتك بهم؟

إذا بحثنا عن عنصر جامع، وربما، تختلف درجته وعمقه بين جميع المنتسبين إلى الجماعات الإسلامية؛ فإننا سنعثر على عملية الشحن العقائدي، كعامل مشترك، حيث يعتقد هؤلاء أنهم أصحاب مشروع ديني، ومن المهم تمريره وفرضه بالقوة.

قام التيار السلفي الجهادي بالسيطرة على حوالي أربعمائة مسجد، استرجعت الدولة جلها بعد فوز حزب نداء تونس في انتخابات العام 2014

نحن أمام سلفيين تونسيين يؤمنون بمقولات عديدة؛ من أهمها "ضرورة تطبيق الشريعة" و"إقامة الدولة الإسلامية"، ويعيشون تحت هيمنة مقولة "المظلومية"، وكلها قيم رسخها الإسلام السياسي في تونس، منذ العام 1981، وهو تاريخ تأسيس أول فرع إخواني في تونس، تحت مسمى "الاتجاه الإسلامي"، الذي تحول فيما بعد إلى حركة النهضة. وقد تغذى الشباب الإسلامي في تونس، بمختلف انتماءاته من خلال هذه المقولات، لضرورة إعادة "وهج الإسلام" إلى تونس الذي اختطف في نظرهم، من قبل المشروع العلماني "البورقيبي".

ولهذا السبب بالذات، نجد أن هناك اليوم في تونس عداءً مشتركاً بين جميع مكونات الجماعات الإسلامية إلى الحبيب بورقيبة، مؤسس دولة الاستقلال في تونس.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة التونسية وجماعة الإخوان: هل تختلفان؟

وتأسست مقولة المظلومية بعنصرين؛ طغيان الحاكم تجاه الإسلاميين، والزج بهم في السجون، وعامل آخر خارجي، ارتبط باحتلال العراق، من قبل الأمريكان (2003)، وهي المظلومية التي انضافت للذهنية الشبابية التونسية، جنباً إلى جنب مع مظلومية أخرى، وهي "القضية الفلسطينية".

تبعاً لهذه العوامل، كيف يمكن توصيف الحالة التي تهيأت داخلها الحالة الجهادية في تونس، وما توافر لها من شروط وعوامل إبان الربيع العربي؟

كانت كل الظروف مواتية بعد الربيع العربي، لتفريخ جيل جهادي شرس، في تونس، حيث شهدنا الانطلاقة السلفية الجهادية، بعقد مؤتمر القيروان الاستعراضي في أيار (مايو) العام 2012، الذي ضم حوالي عشرين ألف شاب، في ساحة مسجد عقبة بن نافع، تحت عنوان الحرية الدينية، وأنّ الساحة تتسع للجميع، كما تساهلت حكومة الترويكا، التي قادتها حركة النهضة مع هذا المد الجهادي في تونس، وأقيمت الخيام الدعوية التي تحرض على الجهاد، في كل المدن تقريباً، وشهدنا انفلاتاً دينياً، غير مسبوق، وقام التيار السلفي الجهادي بالسيطرة على حوالي أربعمائة مسجد (استرجعت الدولة جلها بعد انتصار حزب نداء تونس في انتخابات العام 2014). وانتهت مرحلة حكومة الترويكا بأكبر موجة للهجرة التونسية الجهادية إلى سوريا والعراق، للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية. وقدرت مراكز الدراسات حوالي ستة آلاف جهادي تونسي في بؤر التوتر.

الصحافي والكاتب التونسي هادي يحمد

هؤلاء الشباب الذين التقيت بهم ووثقت ظروف التحاقهم بالجماعات الجهادية المسلحة، كان من بينهم الشاب "محمد الفاهم"، الذي يعد الشخصية الرئيسة في كتابك: "كنت في الرقة"، والذي هرب من تنظيم الدولة؛ لأنه رأى فيهم تهاوناً في تنفيذ "شرع الله"، وتطبيق أحكامه، وصار أكثر تشدداً من عناصر التنظيم الأكثر دموية.. صف لنا هذا المشهد المرتبك، وما يعكسه من الناحيتين السياسية والنفسية، التي تتحكم بوعي شاب كهذا؟

محمد الفاهم؛ هو نموذج لهذا الجيل التونسي، في فترة ما بعد الثورة، والذي نشأ وتغذى على مقولة "المظلومية"، وأنّ الإسلام مطارد ومنبوذ في تونس. فقد هاجر هذا الشاب الذي عرضت قصته في الكتاب، ووقائع هروبه من الدولة الإسلامية، وتسلله إلى سوريا عبر ليبيا وتركيا للانضمام لهم.

ففي كانون الأول (ديسمبر) العام 2014، عاش في الرقة؛ حيث وقع إدماجه في "كتيبة سيف الدولة"، التابعة لتنظيم داعش، بينما شارك في العديد من الغزوات، من بينها سيطرة التنظيم على مدينة "تدمر" الأثرية، كما شارك في معركة مطار كويرس، ومعركة سقوط تل أبيض، بيد قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

يعد أكبر انشقاق عقائدي عرفه تنظيم داعش وهو بروز ما يسمى بـ"جماعة الحازمية" نسبة إلى محمد بن عمر الحازمي

بيد أنّ قصة هذا الشاب تكشف لنا أشياء، غير معلومة، عما جرى داخل تنظيم داعش، ولا نملك عليها معطيات عديدة؛ مثل عمليات الانشقاق التي حدثت، مع بدايات العام 2015، وبلغت أوجها في نهايات العام ذاته، حيث لم تكن الانشقاقات، فقط، لمجرد خوف من مصير الموت في حروب داعش، إنما انشقاقات بالأساس عقائدية.

وكشف الفاهم في شهادته، عن أكبر انشقاق عقائدي عرفه التنظيم، وهو بروز ما يسمى بـ"جماعة الحازمية"، نسبة إلى محمد بن عمر الحازمي، وهو شيخ تكفيري. وكان الرأي عند أتباع الحازمي، في تنظيم داعش، أنه لا يجب أن نعذر سكان المدن والبلدات التي سيطرت عليها داعش بحجة جهلهم، وبالتالي، فإنّ الحكم الشرعي فيهم هو "الردة والكفر".

لم يتوقف الأمر لدى الحازمية، عند الغلو العقائدي والدموية، بل تعدى ذلك إلى تكفير قادة الدولة وأمرائها، ممن لا يؤمنون بهذا القول، وامتد التكفير إلى "البغدادي" ذاته؛ لأنه في رأي الحازمية يعذر بـ"الجهل"، وبالتالي، وقعت المواجهة بين الطرفين، وقام البغدادي بحملة كبيرة، مستعيناً بما يعرف بـ"الأمنيين" (الجهاز الأمني لداعش)، وقام باعتقال المئات وإعدام العشرات في محاكمات شرعية صورية.

اقرأ أيضاً: علي بكر: "داعش" قد ينقل "خلافته" حال مقتل البغدادي

وتقول الأرقام الواردة، إنّ داعش أعدم حوالي 700 فرد في التنظيم، في الفترة بين عامي 2015 /2017؛ لأنهم ينتمون إلى فئة الحازمية.

وضمن هذا السياق، قرر الفاهم الانشقاق، بعد أن تبنى آراء الحازمية، في عدم العذر بالجهل، بعد أن أخفى في البداية معتقداته.

بالغ تنظيم داعش في تكفير حتى أمرائه

أفادت عدة تقارير دولية أنّ تونس باتت المصدر رقم واحد في تصدير المتشددين إلى داعش، وغيرها من التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق.. كيف توافرت هذه البيئة الخصبة، التي ساعدت على الانتشار الهائل، وتنامي الحالة الجهادية، بالرغم من كون الشائع عن تونس انفتاحها ولو ظاهرياً في الفكر والثقافة؟

نحن أمام مفارقة تونسية عجيبة؛ كيف لبلد مثل تونس التي بلغ درجة متقدمة من العلمنة والتحديث، وكان رئداً في تحرير المرأة، عن طريق أول مجلة أحوال شخصية، تلغي تعدد الزوجات، وتستعد اليوم إلى إقرار المساواة في الميراث، أن يصدر كل هذا العدد الكبير من الجهاديين؟

اقرأ أيضاً: المساواة في الميراث بتونس جدل ديني على تخوم الصراع السياسي

في تقديري، الأمر يحتاج إلى فهم عميق للنفسية التونسية، وللسياق الذي أنتج الظاهرة الجهادية في تونس، حيث لا يمكن فهم المفارقة التونسية، دون الأخذ بعين الاعتبار السياقين الداخلي والخارجي للظاهرة، وما أعتقده أنّ تونس في المنطقة العربية والإسلامية بكاملها، هي ملتقى رؤيتين متصادمتين لمشروعين، وأنّ حدة التناقض الثقافي بين المشروعين الإسلامي والحداثي، بلغا أوجهما في تونس، بالشكل الذي لم يبلغه في بلد عربي وإسلامي آخر. وهذا ما يفسر حدة وشراسة الحالة الجهادية التونسية، مقارنة بغيرها، ويفسر دموية الجهادي التونسي، في سوريا والعراق، بخلاف غيرهم أيضاً.

هل التطبيقات العلمانية والمشروع التحديثي، في تونس، صنعا تصدعاً في وجدان المجتمع، وبين طبقاته المختلفة، التي شعرت بتغييب للهوية الإسلامية، كما ينطلق الإسلاميون؟

في الجيولوجيا، عندما تلتقي الصفائح الأرضية وتتصادم، تحدث اختلالات وهزات ورجات عنيفة، وقد يحدث زلزال. هذا ما عشناه في تونس في الأعوام الثلاثة الأولى للثورة؛ فقد حدث تصادم قوي بين المشروعين الحداثي والإسلام السياسي، وأعتقد أنه لم يعش أي بلد عربي آخر حدة التناقض بين المشروعين، كما حدث في تونس، والذي كان من نتائجه حدوث ردة فعل قوية، وهزة في مستوى تمثل الشباب التونسي لهويته.

اقرأ أيضاً: هل يمتلك التونسيون وصفة سحرية لاقتلاع شوكة الإرهاب؟

والإسلام السياسي بتشكيلاته كافة، خاض صراعه ضد القوى الديمقراطية والحداثية، وساهم في دفع الشباب إلى التطرف أكثر، عبر توفير الحاضنة الشعبية، والمسجدية، وحتى الرسمية للظاهرة الجهادية؛ كمثل (دروس دينية بإشراف الدولة في السجون، السماح للجهاديين بالسيطرة على المساجد، إقامة الخيام الدعوية..). في البيئة التونسية، ما بعد الثورة، تحولت البلاد إلى مصنع لتفريخ الجهاديين.

في سياق توثيقك لحالات الجهاديين التونسيين، لفتّ الانتباه إلى أنّ محمد الفاهم، الذي انضم لداعش في سوريا، كان ينتمي لأسرة عادية، تعيش في المجتمع الألماني، بيد أنك أشرت إلى عدم مقدرته على الاندماج في المجتمع الألماني، وشعوره بتغريبة مجتمعية وثقافية؛ هذا الشعور اختلط لدى الشاب التونسي، بنزعة دينية متشددة، آلت به لهذا المسار. هل هذا هو كل ما جعله ينتمي للفكر التكفيري؟

في جانب مهم من قصة الفاهم، وكما فصلتها في كتاب "كنت في الرقة"، ثمة فشل لمشروع اندماج الجاليات العربية في أوروبا، كما تعد نموذجاً مصغراً لهذا الفشل المعمم.

اقرأ أيضاً: 

في شهادته، أوضح الفاهم، أنّ أسباب العودة تتركز في خشية الأم على الأبناء، من الذوبان في المجتمع الألماني، وبالتالي، فقدان هويتهم، وهو ما قد يجره، على سبيل المثال، إلى حياة الحرية، التي يعيشها الشباب الألماني، بشكل عام.

تبقى وضعية "السبايا" في داعش الوضعية الأقرب لما يسمى بـ"جهاد النكاح" ولكنها تلبس لبوساً شرعياً وبتأصيلات عقائدية دينية

هذا الخوف من الاندماج والانطواء الهوياتي، جاء في سياق أوروبي، بدأت فيه جماعات الإسلام السياسي انتشارها وسيطرتها، على الكثير من المراكز الإسلامية فيها، بعد فشل العديد من الحركات الإخوانية، في عقديْ الثمانينيات والتسعينيات في بلدانها؛ فهاجر العديد من أتباعها إلى أوروبا، إما اختياراً أو لجوءاً، لنشر نفس أفكارهم وأدبياتهم في المدن الأوروبية. وكانت حركات الإسلام السياسي في الغرب معادية لمقولة الاندماج، وروجوا لما يسمونه بـ "التفسخ الحضاري"، وأرادت باسم مقولات الحرية الدينية، الاستفادة من أجواء الديمقراطية، بغية خلق المجتمعات الإسلامية الموازية، في الكثير من العواصم الغربية.

ومن المهم في هذا الإطار، التذكير بالدور اللافت الذي لعبه اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (الذراع الإخوانية في أوروبا)، في إعادة "أسلمة" الجاليات المسلمة في أوروبا.

وداخل هذه الظروف والعوامل المتعددة، نشأ الفاهم داخل صورة ضيقة تبعث لديه الخوف على "الهوية" من الاندثار، لذا قرر العودة النهائية إلى "دار الإسلام"، مقابل "دار الحرب"، التي وفرت، وللمفارقة، أسباب العيش الكريم للعائلة.

غلاف كتاب هادي يحمد: "كنت في الرقة"

إذاً، كيف لعبت رحلة العودة دورها في تعزيز مشاعر الشاب الهوياتية وتنمية أفكاره الجهادية؟

كانت "دار الإسلام" (تونس) التي عاد إليها الفاهم، عكس ما يتوقع، أو تتوقع والدته، صاحبة فكرة العودة، حيث سرعان ما انخرط في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، التي يسيطر عليها الشباب السلفي، حيث اعتقل بسبب تردده على هذه الحلقات، وعلى الرغم من إطلاق سراحه، فإنه منع من جواز سفره، بعد أن راودته فكرة العودة للعيش في ألمانيا مجدداً.

اقرأ أيضاً: ما مصير "أيتام الخلافة" بعد هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق؟

وعاش الفاهم تحت وطأة الشعور بالظلم السياسي، وساهمت مقولة "مطاردة المتدينين في تونس"، وخاصة، أتباع حركة النهضة في تنمية نقمته، ورغبته في الجهاد، وعندما جاءت الثورة، انخرط بشكل كامل وبحماسة، في كل نشاطات السلفية الجهادية، وأصبح أحد عناصرها حتى هجرته إلى الشام.

بمجرد وصول الشباب إلى التنظيم، ما هي طبيعة الدورات التدريبية والشرعية التي يخضع لها كل عضو جديد؟

يخضع أي منتدب جديد لجبهة النصرة، أو تنظيم داعش إلى نفس الجدول التكويني المعروف، والذي تم سنّه من قبل تنظيم القاعدة، أيام أفغانستان. ففي شهادته، ذكر الفاهم، أنه تلقى دورة شرعية، مدتها شهر واحد، عرف فيها أدبيات "التوحيد"، بالإضافة إلى دروس عقائدية في نواقض الإيمان؛ وهو باب مهم تركز عليه داعش، مثلاً، في مناهجها الدراسية والدينية. هذا يفتح الباب مشرعاً لكل أعمال القتل، ويبررها بغطاء عقائدي وديني. فنواقض الإيمان عند داعش عديدة، وهو ما يفسر كل تلك الدموية التي يتبناها التنظيم.

وبعد الدورة الشرعية، يأتي الدور على الإعداد العسكري، ومدته كذلك شهر، حيث يتلقى المتدرب خبرات لاستعمال جميع الأسلحة، وبالأساس الأسلحة الخفيفة، وكيفية تفكيكها وتركيبها، وإصلاح عطبها، وتنظيفها من حين إلى آخر.

ماهي طبيعة التنظيم من الناحية الحركية وتراتبيته الهرمية، كما كشف عنها الشاب التونسي، محمد الفاهم، وما هي فلسفة التنظيم، وإستراتيجيته في بناء هذا البناء التنظيمي؟

كان الفاهم مقاتلاً في صلب كتيبة اسمها "سيف الدولة"، وهي إحدى الكتائب التي تأسست في العراق، زمن أبو عمر البغدادي، أمير دولة العراق الإسلامية، قبل تأسيس تنظيم داعش.

ويكشف الفاهم من خلال شهادته في هذه الكتيبة، والتي يصفها بأنها من أقوى كتائب داعش، العاملة أساساً في العراق، بأنها مختصة في مقاتلة الجيش العراقي، كما أنّ التنظيم يملك عدة كتائب أخرى، عادة ما يطلق عليها أسماء قياداته الذين يقتلون، كما يسمي غزواته باسم قادته أيضاً. وكل الكتائب منضوية تحت ما يعرف بـ "ديوان الجند"؛ وهو ديوان من جملة اثني عشر ديواناً، يعدون بمثابة وزارات، تدير مختلف مناحي الحياة في "الدولة".

كشف محمد الفاهم في شهادته عن أكبر انشقاق عقائدي عرفه تنظيم داعش، وهو بروز ما يسمى بجماعة الحازمية

وتعمل الولايات من قبل الولاة، كما عينهم البغدادي، في مرحلة متأخرة، والذي أسماها بـ"اللجنة المفوضة"، حيث أصبح لها سلطات تفوق سلطات الولاة؛ وهي لجنة تنفيذية خاضعة مباشرة لأوامره، وتعتبر ذات سلطات مطلقة، كما تعمل بالتوازي مع مجلس الشورى، بالرغم من كون الأخير، يعتبر نظرياً، أعلى سلطة في الدولة، باعتباره الوحيد الذي بإمكانه عزل أبو بكر البغدادي، إلا أنّ هذا المجلس عمله صوري، وغير ذي جدوى، إلا في تزكية القرارات التي تصدر عن البغدادي.

ماذا عن الأجهزة الأمنية في التنظيم وحدود دورها في تأمينه وولاءات المعينيين فيها؟

هناك ديوان الحسبة، الذي يقوم بأدوار مختلفة، غير أنّ أحد أبرز إداراته هو الجهاز الأمني، أو ما يعرف بـ"الأمنيين"، الذي يعتبر أعلى سلطة أمنية في الدولة، وله سلطات مطلقة، وتبعيته مباشرة لـ"أبو بكر البغدادي".

اقرأ أيضاً: هل أوقفت هزائم داعش انضمام المقاتلين الأجانب إلى التنظيم؟

بيد أنّ هذا الجهاز وأفراده، لعبوا من ناحية أخرى، دوراً أساسياً في كل التصفيات الداخلية والاعتقالات بين أفراد التنظيم أنفسهم، كما يعتبرون بمثابة جهاز مكافحة التجسس داخل الدولة، فبمجرد دخول أي مهاجر جديد، عبر البوابات، مع تركيا، مثلاً، يتعرض لتحقيق خاص من عناصر "الأمنيين"، قد يصل لعدة ساعات أو أيام، كما يقوم هذا الجهاز باختبار المهاجرين الجدد، بغية التأكد أنهم غير جواسيس أو مندسين.

ترددت قصة ما عرف بـ "جهاد النكاح"، عدة مرات، واعتبرها البعض دعاية متهافتة وغير حقيقة.. ما الذي تكشفه سردية الشاب التونسي على ضوء تجربته في ذلك الأمر؟

من خلال شهادة الفاهم، لا تبدو مسألة جهاد النكاح ظاهرة جادة أو حقيقية، داخل تنظيم داعش، لكن من المهم الرجوع إلى مسألة وضع المرأة، وقضية الزواج داخل التنظيم، حيث أنه بمجرد قدوم "المهاجرة الجديدة"، من غير المتزوجات، فإنها تودع في ما يسمى "مضافة المهاجرات"، وتبقى في هذه المضافة فترة، وتخضع إلى الدورة الشرعية، ولا تغادرها إلا بزواجها من أحد المقاتلين.

اقرأ أيضاً: كيف نفهم أحكام السبايا وملك اليمين في القرآن الكريم؟

وبحسب شهادة الفاهم، فيكون مهمة السيدة المسؤولة عن "المضافة"، أن تقبل الاستمارات من قبل المقاتلين، وتحديد المواصفات التي يريدونها في الزوجة (الأصول، لون البشرة..)، وتقوم بعد ذلك، بتنظيم لقاء يسمى "النظرة الشرعية" بين المقاتل والمهاجرة؛ وإذا تم القبول من الطرفين يحدث الزواج، وفي حال رفضت المهاجرة؛ فإنها تظل في المضافة، حتى قدوم عرض آخر من مقاتل آخر.

إحدى مظاهرات التونسيات بهدف إقرار مشروع المساواة بين الجنسين

لكن ماذا عن مصطلح "جهاد النكاح" ومبرر انتشاره ورواجه؟

تبقى وضعية "السبايا" في داعش، هي الوضعية الأقرب لما يسمى بـ"جهاد النكاح"، ولكنها تلبس لبوساً شرعياً، وتأصيلات عقائدية دينية، لمعاني السبي، وحدوده، ومبرراته الدينية. وفي هذا الإطار، جاءت حالة "سبايا اليزيديات". ومن المهم في هذا الإطار، وطبقاً لشهادة الفاهم، القول إنّ "السبية" عندما يقع شراؤها، لا تحل لمقاتل غير مشتريها، ولا يمكن أن ينكحها "شرعياً" مقاتل آخر، إلا في حالة بيعها لغيره.

ما حكاية "أم المجاهدين" التي التقى بها الفاهم، في تركيا، أثناء رحلة عبوره إلى التنظيم في مدينة الرقة؟ ما وضعها التنظيمي وماهية دورها؟

من الواضح أنّ منزلها في أحد أحياء إسطنبول، في تركيا، كان بمثابة دار ضيافة للعابرين إلى سوريا، حيث كان لداعش في العديد من المدن التركية الحدودية مع سوريا مضافات كثيرة، وأعتقد أنّ بيت "أم المجاهدين"، في إسطنبول، هو محطة أولى، قبل العبور إلى الحدود.

لا نعلم بالضبط أي دور تنظيمي لهذه المرأة، ولكن من الواضح أنها عنصر في التنظيم، خاصة، وأنّ زوجها من أعضاء التنظيم، الذين قتلوا في مدينة إدلب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية