هل يدافع فيلم "الآباء والأبناء" عن التطرف؟

الإرهاب

هل يدافع فيلم "الآباء والأبناء" عن التطرف؟


23/10/2018

قُتل خلال هذا الأسبوع بطل الفيلم الوثائقي "الآباء والأبناء"؛ الحائز على عدة جوائز عالمية، إثر انفجار قنبلة كان حاول تفكيكها تحت إحدى السيارات، في محافظة إدلب، شمال سوريا، وهو حسين حبّوش، عضو تنظيم القاعدة، الخبير في تفكيك الألغام، الذي تحوّل إلى نجم وُلد بالصدفة، بعد ظهوره في هذا الوثائقي الطويل.

الفيلم حاز على 3 جوائز منها جائزة أفضل وثائقي من مهرجان "صن دانس" 2018

عضو النصرة "القاعدة" الراحل، حسين حبّوش، ظهر في الفيلم طيلة مدته البالغة 99 دقيقة، بعد تركيز المخرج السوري،  طلال ديركي، على مدى عامين ونصف العام عاشهما معه وأسرته على حياة الجهاديين السلفيين، الذين قرروا "الجهاد" حتى بناء "الدولة الإسلامية"، وعن أطفاله الذين تحوّلوا إلى مقاتلين بالصدفة، ليصل في الختام إلى آباء وأبناء لم يعودوا كذلك، وكيف صنع جيلاً يحاكي العنف والتطرف، وأطفالاً لم يعرفوا إلا الحروب.

الفيلم فاز بجائزة أفضل وثائقي من مهرجان "صن دانس" العام 2018، إضافة إلى جائزتين؛ هما نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي طويل، والنجمة الفضية لأفضل فيلم وثائقي طويل، في مهرجان الجونة السينمائي، بدورته الثانية، أيلول (سبتمبر) الماضي.

سياق أجيال تتوارث العنف

منذ البداية، يتعرف المشاهد على سياق الفيلم؛ حيث ينطلق الصوت: "في صغري، علّمني أبي أن أكتب كوابيسي كي لا تعود إليّ مجدداً"، وتقوم الكاميرا بتصوير الأطفال وهم يلعبون لعبة كرة القدم في ساحة ترابية في البلدة، التي اختارها المخرج ليصوّر فيها فيلمه التسجيلي، وهي بقعة خاضعة لجبهة النصرة، في إشارة إلى عالم الأطفال البريء، الذي يلعب الكرة تحت القصف، وفوق الألغام!

تخترق الكاميرات منزل البطل مقاتل جبهة النصرة حسين حبّوش خبير المتفجرات ومعتقل سجن صيدنايا السابق

تدور الكاميرا، وتبتعد عن الأطفال، وتذهب إلى المنطقة الشاسعة ذات السكون الرهيب المظلم، وكأنّ الفيلم ترك الأطفال إلى مصيرهم في هذه المنطقة المرعبة، وذهب المخرج ليبحث عن جذور المشكلة، لتظهر البلدة، وانفجار عظيم يملأ الشاشة، ثم أطفال آخرون يتدربون على حمل السلاح، ويصبحون على ما عليه آباؤهم أعضاء النصرة اليوم.

تخترق الكاميرات منزل البطل مقاتل جبهة النصرة، حسين حبّوش، خبير المتفجرات، ومعتقل سجن صيدنايا من قبل، وفي صور إنسانية مثيرة، تصور حياته مع أطفاله وزوجته، التي لم تظهر طوال مدة الفيلم سوى مرة سُمع صوتها وهي تصرخ، حينما انفجر لغم في قدم زوجها.

يطلق حبّوش على أبنائه أسماء قادة القاعدة وطالبان؛ أسامة وأيمن وخطاب ومحمد وعمر، وهم أبطال الفيلم الحقيقيون؛ أحدهم يسميه والده على اسم أسامة بن لادن، ويدفعه للقتال، لكنه كان يحب الدراسة، والثاني أيمن، على اسم أيمن الظواهري.

يطلق حبّوش على أبنائه أسماء قادة القاعدة وطالبان

الإرهابي الطيب والشرير

يبني الفيلم أحداثه على علاقة الأب بأبنائه، وكيف يقدمهم قرباناً للحرب، وهم دون العاشرة، ويجعلهم يتوارثون العنف، فيقول في أحد المشاهد: "سبحان الله، لو أنّ سيدنا إبراهيم لم يفْدِ ابنه بكبش لكان على كلّ منا أن يذبح أحد أولاده، إنّ تقديم الولد كقربان أمر مسلّم به".

يبني الفيلم أحداثه على علاقة الأب بأبنائه وكيف يقدمهم قرباناً للحرب وهم دون العاشرة

وجه حبّوش البشري المأساوي يظهر طوال الـ99 دقيقة، وهو معنى مهم أراد المخرج أن يبينه؛ في أحد المشاهد يصوّب بندقيته من فتحة بين أكياس الرمل، ويتحدث بتلقائية عن أنّه، وهو سجين، كانت تنقله سيارة الترحيلات، فشمّ رائحة ابنه أسامة بالطريق، وقبل أن ينهي الكلمة الأخيرة، أطلق الرصاصات من الفتحة على شخص يقود دراجة بخارية، فأرداه قتيلاً، ولم يفكر لحظة واحدة أنّ هذا الشخص له ابن مثل ابنه أسامة، وأنه سيفقده للأبد بفعل هذه الرصاصات.

يجلس الأب مع أبنائه الصغار، ويدعوهم للعبة أخرى؛ حين يمسكون عصفوراً، فيعلمهم كيفية ذبحه، لأنّ القتل، وفق رأيه، راحة له عن إمساكه عن حريته.

اقرأ أيضاً: فيلم "داعش سيناء" يكذّب "الإخوان" ويهدد بنسف المقرات الانتخابية

الأطفال في الفيلم يحاولون صناعة قنبلة، كما يلعبون ببقايا أخرى بالطريق، ويتعاركون وهم يتقاذفونها، ثم يهجمون بالحجارة على إحدى الحافلات، ويضربون البنات بالحجارة، وفي الوقت ذاته؛ يعلمهم والدهم الوضوء والصلاة، ويدربهم على السلاح، ليجدوا أنفسهم فجأة بساحة المعركة، ويودّع أسامة أخاه، ويتعانق معه قبل ذهابه للجبهة في مشهد محزنٍ.

تريلر الفيلم:

https://vimeo.com/242724621

أطفال بلا خيار

مخرج الفيلم السوري، طلال ديركي، خريج المعهد العالي للسينما في أثينا، العام 2003، يقول في تصريحات صحافية: "زرت سوريا 6 مرات، وعلى مدار عامين ونصف العام نجحت في صناعة هذا الفيلم"، وفي تصريح آخر يقول: "هربتُ كغيري إلى شمال الأرض، وبينما بدأنا ببناء وطن جديد في المنفى، كانت السلفية الجهادية تعيش عصرها الذهبي خلفنا، حصدتْ خلف الجميع".

اقرأ أيضاً: فيلم "فتح واشنطن 2" .. داعش يبحث عن وهم الانتصار

وأضاف "أركّز في الفيلم على ثقافة العنف، كيف ينتقل العنف من جيل إلى جيل، كيف لطفل لا يدرك شيئاً في الدنيا ألا يكون أمامه خيار سوى أن يصبح مقاتلاً، لم أحاول الخوض في السياسة، لكنّ القضية الحقيقية كانت بالنسبة إليّ العلاقة بين الأب والابن".

هل دافع الفيلم عن القاعدة؟

اتُّهم الفيلم بأنّه قدّم صورة ليست سيئة للجهادي، لكن المخرج في ندوة صحافية بمهرجان الجونة قال: "الجهادي السلفي، في النهاية، بشر مثلنا، ليس شريراً خالصاً، خارجاً من قصص الرعب التقليدية، هو شخص لديه مبادئ يؤمن بها، تقوده في اتجاهات ذات تأثير مرعب عليه، وعلى مجتمعه، وعلى من حوله، لكن من الطبيعي أنَّه في منزله شخص عادي، لا يعذّب أولاده لمجرد أنَّه متشدد دينياً".

الأطفال في الفيلم يحاولون صناعة قنبلة ويلعبون ببقايا أخرى في الطريق

وقال ديركي في مناقشة مع الجمهور، بعد عرض الفيلم، في 25 أيلول (سبتمبر) العام 2018، في مهرجان الجونة: "الفيلم لا يتناول الشأن السوري فحسب، ما قد يفعله الشخص المتشدد دينياً في ابنه يمكن أن يحدث في أفغانستان، أو ليبيا، أو أيّة دولة، الفيلم هدفه تربوي وليس سياسياً".

اعترض الفنان السوري، جمال سليمان، في تصريحات نقلتها صحيفة "المصري اليوم"، قائلاً: "هذا الوثائقي أعتبره مضللاً، لأنه يُظهر الإرهاب والتطرف بمعزل عن السياق العام الموجود في سوريا، فمن المعروف أنّ النظام هو من أخرج الإرهابيين المتشددين من السجون لمحاربة العراق؛ فحزب البعث الاشتراكي هو من يحكم هذا البلد بشكلٍ حصري، منذ العام 1963، وهو المسؤول عن التعليم والاقتصاد والحياة الاجتماعية، وتبرئته مما يحدث في سوريا الآن، ليست إلا تجنّ واضح!".

تخلص المشاهد الأخيرة من الفيلم إلى رسالة مفادها لماذا أصبح هؤلاء الناس الذين كانوا يهتفون بالديمقراطية والحرية يؤمنون بمبادئ راديكالية إسلامية، وخلال معاشرة البطل في رحلته هو وأطفاله، يدرك المشاهد أن القضية لدى هؤلاء أنّهم يؤمنون أنَّ الحرب لا نهاية لها، وفي سبيل ذلك لن يفني بطل الفيلم نفسه فقط، لكن سيقدّم أولاده ليكملوا هذا المشوار من بعده.

الصفحة الرئيسية