إعصار طهران القادم

إعصار طهران القادم


24/10/2018

د. حسن قايد الصبيحي

في منطقة ممتلئة بالأعاصير، ما أن ينتهي إعصار حتى يبدأ إعصار جديد أقوى وأشد. إنها منطقة الشرق الأوسط. العالم من حولنا ينعم بالأمن والأمان وتصطف شعوبه في طوابير العمل والإنتاج، ونتفاجأ بإحصائيات مذهلة عن معدلات التنمية في الهند والصين، بينما تمضي دوّل عديدة في الشرق الأوسط وقتها في إحصاء عدد أمواتها والمفقودين ونزلاء السجون من أبنائها بمئات الآلاف. ولا أملَ قريباً في تغير هذا الوضع طالما أن القدر وضع هذه المنطقة في جيرة مباشرة مع دولة إيران.. فليس هناك مفر من أن نظل نحن أبناء الشرق الأوسط مرتهنين لهذا الواقع المؤسف، وننتظر ما تأتي به الأيام من تحولات كبرى قد تعدل الوضع المختل الذي فرضته إيران ووضعت المنطقة بسببه في دائرة ملتهبة تحاصرها النيران من كل الجهات. على أن ما شهدته المنطقة من أعاصير لن يكون النهاية، فهناك أعاصير منتظرة أخرى، بما فيها إعصار طهران المنتظر والآتي لا محالة.
تذكرون أخبار الأعاصير العملاقة التي تضرب الشواطئ الأميركية من حين لآخر، وتذكرون إعصار مانكوت الذي ضرب مقاطعة كاغيان الفلبينية الشهر الماضي، وبعدها شق طريقه عبر بحر الصين الجنوبي في الطريق إلى هونج كونج، واتفقت كل أجهزة الرصد على أنه أقوى إعصار هذا العام، لكني أجزم بأنه أضعف بكثير من إعصار طهران القادم من الولايات المتحدة عبر القارات، ليستقر في الأراضي الإيرانية، ولا يعلم إلا الله مقدار الدمار الذي سيتركه في الأرض وعلى النظام الإيراني برمته.
لم تتبق إلا أيام قليلة لبدء الحصار الأميركي الشامل على إيران، وحتى تبدأ خطوات تصفير الصادرات البترولية الإيرانية، ولن يجدي الأوروبيين وإيران نفعاً حين يمعنون في ابتداع الوسائل الضعيفة لإنقاذ إيران، ولا محاولات روسيا الظهور بمظهر القادر على إنقاذ إيران. القوة الأميركية في إحكام الحصار على إيران وكل من يحاول إنقاذها من مصيرها المحتوم، أقوى مما نتصور. فإذا أمعنا النظر في تفاصيل وأبعاد إنزال هذه العقوبات، وتذكرنا كيف أن الاقتصاد الإيراني بدأ يترنح منذ الإعلان عن العقوبات الجديدة، وحتى قبل تطبيقها، فلنا أن نتخيل ما سيحدث للملالي حين يبدأ عملياً تنفيذ الحصار. إن أولى العقوبات منع إيران من شراء الدولار، وإيقاف الصفقات المبرمة بالريال الإيراني، وآخر العقوبات إيقاف صفقات النفط والحرمان من عائداته.. ومن ثم احتمال انهيار النظام السياسي برمته.
ولن تنجح إيران هذه المرة في ابتداع أساليب التهريب، وعقد الصفقات المشبوهة، والتهديد بالخردة العسكرية التي تهدد بها دول المنطقة.. ففي هذه المرة ستجد إيران نفسها وجهاً لوجه أمام أقوى دولة في العالم، وهي أميركا الترامبية وليست أميركا الأوبامية المتخاذلة. ولا ننسى أن قوة إيران في المرحلة الماضية اكتسبتها من ضعف أميركا الأوبامية، ولن يجديها نفعاً لا «حزب الله» ولا الحوثيين ولا أيٍّ من عملائها من العراقيين أو السوريين.. وربما نفاجأ بانهيار النظام الإيراني حتى قبل أن تبدأ أية مواجهة مباشرة مع القوة الأميركية، أو أن تتراجع إيران وتبتلع هزيمتها وتعود إلى حدودها الطبيعية. هي لن تكن أبداً أقوى من كوريا الشمالية التي أنهكها الحصار. وهي ليست صاحبة قوة عسكرية ضاربة مثل روسيا التي أصبح اقتصادها يتكبد خسائر كبيرة جراء تدخلها في سوريا.
عموماً هذا رصد للعقوبات الأميركية الأولى والثانية، حتى نستطيع أن نتخيل حال إيران بعد تطبيق العقوبات على أرض الواقع وتنفيذها أميركياً. ففي المرحلة الأولى يتم حظر التبادل التجاري لإيران باستخدام الدولار وحظر استخدام المعادن النفيسة كبديل، ومعاقبة الدول التي تتعامل بالريال الإيراني أو بالسندات الإيرانية. وكذلك حظر شراء أو توريد المعادن، كالألمنيوم والحديد، وفرض الحظر على صناعة السيارات فيها. ثم حظر تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالصناعة وما في حكمها.
أما المرحلة الثانية فهي أشد إيلاماً؛ لأنها تمنع استيراد النفط الإيراني وتنزل العقوبات على الدول والشركات التي تحاول اختراق الحظر، سواء أكانت حليفة للولايات المتحدة (كدول الاتحاد الأوروبي) أم عدوة لها (مثل روسيا). فالأوروبيون يقدمون الوعود لإيران، لكنهم لا يملكون فرض أي قرار حتى على شركاتهم صاحبة المصالح الكبرى مع أميركا. أما روسيا فنُقِل عنها أنها تشعر بالغضب من الموقف الأميركي وحسب!
إذا هبّ إعصارٌ على مكان ما تكون آثاره متباينة بين الريح المدمر في موضع والغيث الممطر في موضع آخر. ونحن في الخليج العربي على مسافة من إيران تكفي لاحتمال سقوط أمطار غزيرة هي خيرٌ وبركةٌ. وقد علمتنا الأيام أن ضعف إيران قوة لنا وأن قوتها مصدر خطر داهم علينا.. وتلك حقيقة لا نماري فيها ونحن في موقف الدفاع عن أنفسنا وأوطاننا.

عن "الاتحاد"

الصفحة الرئيسية