جسر عبدون: رمزية اقتصادية أم استكمال لمشهد الانتحار في الأردن؟

الانتحار

جسر عبدون: رمزية اقتصادية أم استكمال لمشهد الانتحار في الأردن؟


28/10/2018

لم يكن في الحسبان حين دُشّن جسر عبدون، أو جسر كمال الشاعر، في العام 2006، أنه سيكون خياراً مفضّلاً لكثرين ممّن يرون في الانتحار حلاً لمشاكلَ تواجههم.

عشرات حوادث الانتحار كان مسرحها هذا الجسر، الذي بدأ العمل عليه في العام 2002، والذي حمل اسم الشاعر الذي كان أكاديمياً سلطياً في لبنان والذي دشّن شركة دار الهندسة، التي تعهّدت ببناء الجسر، الذي يبلغ طوله 450 متراً وبارتفاع يبلغ 45 متراً، وفقاً لأدنى عمق في وادي عبدون.

حصر الحالات التي تنتحر سقوطاً من جسر عبدون قد يبدو صعباً في مرات، ولعلّ الأصعب حصر محاولات الانتحار عن طريق هذا الجسر؛ إذ تنتهي في الغالب بالعدول عن الفكرة بعد سماع مطالب من يهمّ بإنهاء حياته ومنحه وعداً بالمساعدة. لكن بالعودة لسجلّ العام 2018 وحده، فإنّ هناك ما يزيد على سبع حالات تنوّعت بين انتحار ومحاولة انتحار عبر هذا الجسر.

اقرأ أيضاً: متى أصبح الانتحار شهقة اليائسين ونظاماً راقياً للحزن؟

د. كمال الشاعر (1930-2008) سياسي ومهندس أردني

بل لعلّ الغرابة في الأمر أنّ منتحرين من جنسيات عربية باتوا يقصدون جسر عبدون، كما حدث مع رجل عراقي هذا العام، عدا عن محاولات الانتحار الجماعية التي تجري فوق الجسر من قبيل الأم التي اصطحبت أطفالها في محاولة انتحار جماعية من هناك، وفق ما تناقلته أخبار محلية.

قد يتساءل البعض عن رمزية جسر عبدون، وتحديداً لأولئك الذين ينتحرون أو يهدّدون بالانتحار بذريعة الظروف الاقتصادية المتردّية. يصل الجسر بين منطقتين في عمّان تشهدان تبايناً اجتماعياً واقتصادياً فاقعاً؛ إذ في العلوّ تكمن منطقة عبدون التي ترمز للطبقة البرجوازية في العاصمة التي يبلغ تعداد سكانها ما يقارب 4 ملايين نسمة، فيما يقبع وادي عبدون في النقطة المنخفضة، وهو الوادي الذي يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة برغم شبكة الطرق الضخمة التي تصله بأحياء عمّان.

حصر الحالات التي تنتحر سقوطاً من جسر عبدون قد يبدو صعباً في مرات، ولعلّ الأصعب حصر محاولات الانتحار عن طريق هذا الجسر

الجسر، الذي بُنيَ بتكلفة قاربت 15 مليون دينار والذي يضمّ أربعة مسارب، يقع في الحي ذاته الذي تقع فيه السفارة الأمريكية ببنائها الضخم، إلى جانب سفارات أخرى عربية وعالمية، بيد أنه لم يتخذ طابعاً سياسياً في يوم، وإنما ارتبط بأجواء أكثر ما تكون احتفالية في مرات، كما في أعياد رأس السنة الهجرية والميلادية، وإن كان هذا الطابع لا يتجاوز الأضواء والزينة؛ لصعوبة تدشين فعاليات فوق الجسر بسبب حركة السيارات المستمرة، بل إنّ قلة هم من يختارون المشي في المسربين المحيطين بالجسر والمخصصين للمشاة.

كثيرون من باتوا يربطون حالات الانتحار في الأردن بظروف اقتصادية متردية، لا سيما أنّ معظم من يهمّون بالانتحار يفصحون عن أسباب من هذا القبيل. وتتوارد أنباء في هذا السياق عن نية الحكومة الحديث عن نسب الفقر بشكل أكثر وضوحاً في نهاية العام الحالي؛ ذلك أن تعتيماً جرى على هذا الموضوع عقب المسح الذي أجرته في 2013 – 2014.

وفي وقت يربط فيه الاستشاري النفسي في مستشفى الرشيد للطب النفسي د. تيسير إلياس بين الانتحار والحالات المتقدمة من الاكتئاب، فإنّه يرى أنّ للظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية أثرها أيضاً.

يجب الانتباه لسلوك المنتحر قبل أن يهمّ بذلك، مثل التهديد بإنهاء حياته أو دخوله في مرحلة ملحوظة من الاكتئاب

يلفت إلياس، في حديثه لـ"حفريات"، لضرورة الانتباه لسلوك المنتحر قبل أن يهمّ بذلك، من قبيل التهديد بإنهاء حياته أو دخوله في مرحلة ملحوظة من اليأس والاكتئاب والأفكار السوداوية، مكملاً أنه في حال كان هناك إبلاغ عن وجود محاولة انتحار ما، فإنه يجدر توجّه المختصين لموقع الانتحار، "من قبيل الاستشاري النفسي والمرشد الاجتماعي وأفراد الأمن المكلفين بمتابعة الحالة، فيما يأتي دور الإعلام لاحقاً وليس خلال عملية منع الانتحار".

يتحدث إلياس هنا عمّا يصطلح عليه "التهويل الذي يقع فيه الإعلام"، موضحاً "لربما من الأفضل نقل الخبر من دون تهويل؛ ذلك أنّ كثيراً من المراهقين باتوا يتّبعون هذا الأسلوب للفت الانتباه"، ليسوق المثال عن "محاولات القفز عن مبانٍ مرتفعة والتلويح بالانتحار على مرأى ومسمع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي".

فيما يقول مدير المركز الوطني للطب الشرعي د. أحمد بني هاني إنه لا يستطيع التصريح بالتفاصيل كلها حتى وإن حاول صحافي ما التواصل، معللاً "ثمة ما لا نتحدث عنه بسبب الخصوصية والحقوق الجزائية، عدا عن كون بعض هذه الحالات لم يُبتّ فيها قانونياً، وقد يؤثر النشر على سير التحقيق".

اقرأ أيضاً: بريطانيا تعيّن وزيرة لمكافحة الانتحار.. هذه مهامها

كثيرون من باتوا يربطون حالات الانتحار في الأردن بظروف اقتصادية متردية

ويردف بني هاني في حديثه لـ"حفريات"، أنّ دور المركز الوطني للطب الشرعي "ينحصر في معاينة الجثة والإصابات التي تظهر عليها وتحديد ما إذا كانت هناك علامات عنف أو أي علامات جسدية مصاحبة لفرضية الانتحار مثل؛ وضعية الأصابع بعد الانتحار بإطلاق الرصاص مثلاً، ومن ثم يُعهَد للجهات الأمنية بالبتّ في الأمر وفقاً للتقرير".

ويكمل: أنّ المحقق الجيد هو من يحسم حالة الانتحار من خلال التحقيق مع المتواجدين في الموقع ومع من يحيطون بالضحية ويعزّز هذا بتقرير الطبيب الشرعي، الذي يتناول الجوانب السابقة.

اقرأ أيضاً: هؤلاء أكثر عرضة للاكتئاب والانتحار

ووفق دراسة أجراها بني هاني في العام الحالي، فإنّه أحصى 82 حالة انتحار في الأردن، 7 حالات منها تتعلق بالأطفال، وبقيّتها ترتبط بالراشدين، لتكون النسبة الأعلى من المنتحرين عن طريق الشنق ومن ثم الإحراق، فالتسمم الدوائي ثم الأعيرة النارية، فالسقوط من مكان مرتفع، وحالة واحدة باستعمال أداة حادة.

يتحفظ بني هاني على جزئية المناطق الجغرافية وجنس المنتحرين؛ عازياً ذلك إلى أنّ "ثمة تفاصيل لم تنكشف بعد، كما أنّ النتائج النهائية تصدر في نهاية العام وليس الآن"، مردفاً أنه يصعب حصر محاولات الانتحار؛ "لكون بعضها يتم في الخفاء ولا ينجح، فيما البعض الآخر يحمل مسميات أخرى".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية