أيّة مسارات تشكّل سياسة واشنطن حيال النفط الإيراني؟

أمريكا وإيران

أيّة مسارات تشكّل سياسة واشنطن حيال النفط الإيراني؟


04/11/2018

انخفض إنتاج النفط الإيراني إلى أدنى مستوى له خلال عامين ونصف العام، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قبل أيام من الموعد النهائي للمرحلة الثانية، والقاطعة، من العقوبات الأمريكية، في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

وفيما تباينت مقاربة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في كبح جماح إيران مع أسلوب سلفه باراك أوباما، عملت كلتا الإدارتين على إنهاء تطوير طهران للأسلحة النووية، ووقف محاولتها في أن تصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، لكنّ التحرك الحالي للبيت الأبيض، بفرض عقوبات اقتصادية على شركاء إيران التجاريين، يؤدي إلى التأثير المطلوب في واشنطن: تخفيض صادرات إيران من النفط الخام وعرقلة اقتصادها.

عملت كلتا إدارة ترامب وأوباما على إنهاء تطوير طهران للأسلحة النووية

سؤال مهمّ وآخر أهم

ثمة من يتساءل في واشنطن: "كيف ستردّ الشركات الأوروبية على سياسات الاتحاد الأوروبي الجديدة التي تهدف إلى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه إدارة ترامب؟"، وكذلك السؤال الأهم: "هل ستخاطر الشركات بفرض عقوبات على الولايات المتحدة من خلال تبنّي سياسات الاتحاد الأوروبي، والتي من الواضح أنّها مصممةٌ لتحدّي مطالبة واشنطن بأن يتوقف شركاؤها التجاريون عن التعامل مع إيران؟".

تحاول تركيا، التي تستورد ما يقرب من 7% من النفط الإيراني، الحصول على إعفاءات من واشنطن للتهرّب من العقوبات

ويعرض تقرير نشره معهد "الشرق الأوسط" في العاصمة الأمريكية، أول من أمس، مواقف الاتحاد الأوروبي؛ الذي "اتخذ نهجاً ذا شقّين للتعامل مع التهديد بالعقوبات: الأول؛ إصدار قانون يسمح لشركات الاتحاد الأوروبي، التي تضرّرت بفعل عقوبات الولايات المتحدة، بمقاضاة من أفقدها عملها في إيران. والثاني: إنشاء وحدة نقدية خاصة لتسهيل التعامل بين شركات الاتحاد الأوروبي وإيران بهدف تجاوز عملة التجارة العالمية "الدولار"".

وعززت تحركات الاتحاد الأوروبي آمال إيران في تخفيف آثار العقوبات على اقتصادها الذي يعاني بالفعل، ومع ذلك؛ من المرجح، أن ترفض معظم الشركات الأوروبية التجارة مع طهران؛ حيث هددت إدارة ترامب بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة إذا فعلت ذلك، ومن المشكوك فيه أيضاً؛ أنّ الوحدة النقدية الخاصة بالاتحاد الأوروبي ستحدث فرقاً كبيراً، طالما ظلّ الدولار مهيمناً على تجارة السلع العالمية، وظلّت شركات التأمين والشحن الرئيسة في العالم تمتثل للمطالب الأمريكية".

نفى وزير الطاقة الروسي تقارير عن إعادة تصدير النفط الإيراني بين موسكو وطهران

ورغم أنّ إدارة ترامب قالت إنّها ستصدر إعفاءات لثمانية من المستوردين الأساسيين للنفط الإيراني، بما في ذلك كوريا الجنوبية والهند؛ فإنّ المزيدَ من الانخفاض في الصادرات الإيرانية قد يكون وشيكاً، وما تزال الصين، أكبر سوق للنفط في إيران، وتجري مناقشات بين بكين وواشنطن للحصول على إعفاءات مماثلة، ولتجنب أيّة تعقيدات؛ قررت الحكومة الصينية وقف استيراد النفط الإيراني، مؤقتاً، عن طريق شركة "البترول الوطنية الصينية"، كما قررت شركات نفطية أخرى عدم شراء الخام من إيران، اعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وقررت الهند، التي تعدّ ثاني أكبر مشتر للنفط الإيراني، وقفَ الصفقات، اعتباراً من الشهر الجاري، وفق شركة النفط الوطنية الإيرانية.

اقرأ أيضاً: العقوبات الأمريكية متلاحقة.. هل ينهار الاقتصاد الإيراني؟

وفي الوقت نفسه؛ فشلت جهود طهران الرامية إلى توحيد الدعم للمساعدة في مكافحة العقوبات، فروسيا التي دعمت الاتفاق النووي، شجبت العقوبات، لكنّها لم تفعل شيئاً لمواجهتها، ونفى وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، تقارير عن اتفاقية إعادة تصدير النفط الإيراني بين موسكو وطهران، رغم تأكيده أنّ المفاوضات جارية بشأن مقايضة 100 ألف برميل يومياً من الخام الإيراني بالسلع الروسية، لكنّ خبراء يعتقدون أنّ روسيا سوف تحاول الاستفادة من العقوبات الأمريكية عن طريق الاستيلاء على حصة في السوق سوف تخسرها إيران.

رغم معارضة أوروبا وروسيا تقريباً لإلغاء واشنطن الاتفاق النووي فقد تمكّنت أمريكا من شلّ صادرات النفط الإيرانية بالأشهر الأخيرة

وتحاول تركيا، التي تستورد ما يقرب من 7% من النفط الإيراني، الحصول على إعفاءات من واشنطن للتهرّب من العقوبات؛ فقد خلق الطلب التركي، بالاستثناء من العقوبات، معضلة لإدارة ترامب، التي تدرك أنّ الكثير من النفط الإيراني تمّ تهريبه عبر تركيا، في التفاف واضح على عقوبات سابقة فرضتها إدارة أوباما.

وهناك عامل جيوسياسي آخر؛ هو أنّ المملكة العربية السعودية قد تعهّدت بمواصلة زيادة إنتاجها من النفط الخام، لتعويض النقص العالمي في الإمدادات، بسبب الانخفاض في إنتاج إيران وبلدان أخرى.

ورغم أنّ ترامب قد أعرب عن انتقادات لاتفاق "أوبك" وروسيا، للحدّ من إنتاج النفط الخام، من أجل إبقاء الأسعار مرتفعة؛ فإنّ إدارته تبدو مرتاحة للشراكة السعودية-الروسية، للتعويض عن خسائر التصدير الإيرانية.

عززت تحركات الاتحاد الأوروبي آمال إيران بتخفيف آثار العقوبات على اقتصادها

وهناك تطور آخر في سيناريو العرض؛ هو أنّ صادرات الولايات المتحدة إلى مشتري الخام الإيرانيين، ساعدت في تعويض العجز العالمي أيضاً، وقدمت الولايات المتحدة كمية قياسية من النفط إلى الصين، في حزيران (يونيو) الماضي، ما ساعد في تهدئة مخاوف إمدادات المصافي الصينية.

سياسة طهران خارج التأثير

رغم معارضة أوروبا وروسيا تقريباً لإلغاء واشنطن للاتفاقية النووية مع إيران؛ فقد تمكّنت الولايات المتحدة من شلّ صادرات النفط الإيرانية في الأشهر الأخيرة، نظراً إلى الجهود التي بذلتها طهران لجذب الآخرين للمساعدة، التي لم يكن لها أيّ تأثير.

خبراء يعتقدون أنّ روسيا ستحاول الاستفادة من العقوبات الأمريكية عن طريق الاستيلاء على حصة في السوق ستخسرها إيران

لقد حققت إدارة أوباما هدفاً في العقوبات؛ يتمثل في خفض الصادرات الإيرانية إلى مليون برميل يومياً، وهو انخفاض ضرب الاقتصاد الإيراني، بينما تهدف إدارة ترامب إلى إيصال صادرات إيران للصفر، لكن في نهاية المطاف، تعدّ العقوبات وسيلة للسياسة الخارجية، فهل تريد واشنطن إجبار طهران على إبرام معاهدة نووية جديدة؟ وهل تأمل من العقوبات تغيير النظام؟

أيّاً كان الهدف النهائي؛ فإنّ "المواجهة المطولة مع إيران لن تضرّ سوى إدارة ترامب، وستكون إطالةُ أمدها هدفاً رئيساً لطهران، وكلّما كانت المواجهة سريعة تمكّن ترامب أن يحقق خاتمة ناجحة لسياسته حيال إيران"، تختم الدراسة الأمريكية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية