ما قصة صناديق النذور في مصر ولماذا تثير الجدل؟

مصر

ما قصة صناديق النذور في مصر ولماذا تثير الجدل؟


06/11/2018

تعدّ أموال صناديق النذور الوسيلة الأنجع لتمويل الطرق الصوفية، وبأيّة حال من الأحوال؛ لم يكن تحريم وجود الأضرحة داخل المساجد، أو إباحته، مانعاً من أن تكون الأموال المجموعة هي الأكبر على الإطلاق؛ إذ يصل ما يدخل من مساجد آل البيت والأضرحة المشهورة إلى حوالي 20 مليون جنيه شهرياً، وأحياناً يصل إلى 30 مليون جنيه، وفق ما أعلنته وزارة الأوقاف المصرية عام 2017.

اقرأ أيضاً: وزير الأوقاف المصري: الإلحاد الوجه الآخر للتطرف

والرقم، الذي أعلنته وزارة الأوقاف، لا يمثّل أية مشكلة؛ فهو يدخل ضمن إطار رسمي، لكنّ الأزمة تكمن في دخل المساجد والأضرحة غير المسجّلة، الذي يصل إلى ملياريّ جنيه سنوياً، ويقسم هذا العائد على خمس جهات وهي: الأوقاف، والأزهر، ووزارة التنمية المحلية، ووزارة الثقافة، ووزارة الداخلية، إضافة إلى جهة غير حكومية هي "المجلس الأعلى للطرق الصوفية"؛ الذي يحصل على 10% من هذه الأموال.

اقرأ أيضاً: ماذا يريد الغرب من الأزهر؟

إشكالية أخرى تتعلق في مسألة صناديق النذور؛ أنّ بناء أضرحة جديدة، وادّعاء أنّها لأولياء الله، عز وجل، أو لنسل آل البيت، أصبحت وسيلة للعاطلين عن العمل، فهم إما يسيطرون بالقوة على الضريح، ويحتكرون أموال النذور، أو يقومون ببناء مساجد وأضرحة ليجمعوا من خلالها الأموال، وهناك حكاية شعبية مصرية مشهورة، لا يُعرف مدى دقتها، تتحدث عن اثنين من العاطلين مات حمارهما، وهما في الطريق لأحد الموالد والحفلات الدينية، فانفتق ذهنهما على دفنه وبناء ضريح عليه، ومن يومها، أصبح هذا المكان مزاراً مشهوراً له صندوق لجمع النذور!

اقرأ أيضاً: صحيفة الأزهر تثير غضب المتشددين!

وزارة الأوقاف المصرية تؤكّد أنّها بدأت تسيطر على هذه المسألة، ولا تسمح لأيّ كان بممارسة دور هو من اختصاص الحكومة المصرية في المقام الأول؛ فوفق القرار رقم 52 لعام 1998؛ تُفتح صناديق النذور التابعة لوزارة الأوقاف، كلّ أسبوع أو شهر أو عام، بحسب المسجد، عن طريق مديريات الأوقاف.

الأزمة تكمن في دخل المساجد والأضرحة غير المسجّلة

الأزهر يؤيّد ويمنع

وفق قرار وزارة الأوقاف؛ يتمّ منح شيخ المسجد أو الإمام حصة ونصف الحصة، بما لا يزيد عن 300 جنيه، من النذور، وأمين المكتبة، وكاتب النذور، ومقيم الشعائر، ورئيس العمال، حصة واحدة (حوالي 100 جنيه)، مع صرف نصف حصة لقارئ السورة والحرفيين، بما يعادل 80 جنيهاً.

هناك أضرحة بنيت لغرض جمع الأموال، بحجة أنها تحتضن شخصيات قريبة لأهل البيت إلا أنّه لا توجد ضوابط لجمع النذور أو صرفها

ووفق القرار نفسه؛ يحصل شيخ مشايخ الطرق الصوفية على 150 ألف جنيه، سواء كلّ أسبوع أو شهر أو عام، بحسب موعد فتح الصندوق، ويكون في لجنة فتح الصندوق مندوب من وزارة الداخلية ويحصل أيضاً على نسبة.

أما عن المسجد الأحمدي في طنطا، وهو أكبر المساجد التي يتم جمع النذور منها، فيحصل خليفة المسجد على نسبة 3% من حصيلة النذور، بما لا يزيد عن 20 ألف جنيه، أما حامل مِفتاح مقصورة الضريح فيحصل على 2%، وبحدّ أقصى 10 آلاف جنيه.

وقد أثارت هذه الكيفية في توزيع النذور على المشايخ ومقيمى الشعائر والعمال، غضب المعارضين للمسألة برمّتها.

اقرأ أيضاً: علماء شكلوا علامة فارقة في تاريخ الأزهر..هل تعرفهم؟

فقد نقل السلفيون فتوى قديمة للأزهر الشريف، حرّم فيها أموال النذور وتوزيعها على العمال والأئمة، أفتاها الشيخ عبد المجيد سليم، في 25 كانون الأول (ديسمبر) 1944، قال فيها: "النذر لأصحاب الأضرحة والأولياء والصالحين باطل بالإجماع؛ لأنّه نذر لمخلوق، وهو غير جائز؛ لأنّ النذر عبادة، وهي لا تكون لمخلوق أبداً، ولأنّ المنذور له ميّت والميّت لا يملك، وإذا ظنّ الناذر أنّ الميت يتصرف في الأمور دون الله - سبحانه وتعالى – واعتقد بذلك، فإنّه غير جائز".

اقرأ أيضاً: مَن يسيطر على منابر المساجد في مصر؟

ورفضت وزارة الأوقاف التعليق على هذه المسألة؛ لأنّ صناديق النذور بالمساجد الكبرى تدرّ دخلاً شهرياً يتراوح ما بين 15 و42 ألف جنيه شهرياً، وهو ما يعني أنّ متوسط إيرادات صناديق النذور في مصر يتراوح ما بين 2 مليار و647 مليون جنيه، و7 مليارات و140 مليون جنيه تقريباً، كما بلغ رصيد صناديق النذور لأكبر 179 مسجداً على مستوى الجمهورية، بنحو 66 مليون جنيه خلال العام الماضي.

أزهريّون يؤيدون النذور

أستاذة العقيدة في جامعة الأزهر، الدكتورة آمنة نصير، رفضت الفتوى التي ساقها السلفيون، والتعليق على قرار وزارة الأوقاف، في حديث خاص لــ "حفريات"، إلّا أنّها قالت: "النذور جائزة من ناحية الشريعة، ويجب الإيفاء بها، حتى لو كانت تذهب لجهات أخرى؛ لأنّ الله تعالى، بحسب قولها، يحاسب على النية".

يثار الجدل بين السلفية التي تهاجم المسألة برمّتها، والأزهر الذي ينافح ويردّ تارة، وينتقد تارة أخرى

من جهته، ذكر أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، الدكتور أحمد كريمة، في حديث هاتفي لـ "حفريات": أنّ "النذر أمر مشروع في الإسلام وإن كان مكروهاً؛ حيث قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ (الإنسان 7)،  كما أنّ الوفاء بالنذر عبادة من العبادات وقربة من القربات، كما قال رسول الله ﷺ: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، كما أنّ النذر يأخذ مساحة طيبة في التشريع الإسلامي، تحديداً في كتب الفقه المعتمدة.

اقرأ أيضاً: أئمة المساجد بالجزائر يواجهون خطر سيطرة السلفية

وأضاف كريمة "هناك شبهة كبيرة حول صناديق النذور الموجودة داخل الأضرحة، باعتبارها مصدراً للشرك"، مقترحاً نقل الصناديق بعيداً عن الأضرحة ووضعها خارج المسجد، والكتابة عليها أنّها ليست للضريح بل للتبرع للمسجد، ووزارة الأوقاف، التي تنفق على الدعوة الإسلامية.

رفضت وزارة الأوقاف التعليق على هذه المسألة

السرقات نذير خطر

في ملخص دراسته التي نشرتها صحيفة "الوطن"، في تاريخ 16 أيلول (سبتمبر) 2016، يقول الدكتور عادل عامر: "السرقات التي تتعرض لها صناديق النذور في مصر لا يستطيع أحد إحصاءها"، مؤكداً أنّ هناك تحقيقات موسعة تجريها مباحث الأموال العامة، والنيابة العامة، والجهات الرقابية حول سرقة أموال النذور؛ منها البلاغ رقم (592) لعام 2010، الخاص بسرقة صناديق النذور بمسجد الحلوجى بالإسكندرية، والبلاغ رقم (13213) جنح قسم أول طنطا لعام 2016، الخاص بسرقة صناديق النذور الخاصة بالسيد البدوي، والمأساة نفسها في صندوق نذور الحسين والسيدة زينب والسيدة نفسية والمرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية.

الهاشمي: آلاف الأضرحة الوهمية تحولت لقبلة دائمة للبسطاء بفضل حملة دعائية ضخمة روّجت لها الجهة القائمة عليها

بسبب السرقات؛ سعى البرلمان المصري إلى ضمّ أموال صناديق النذور الخاصة بالمساجد والأضرحة للموازنة العامة للدولة، في إطار حلول الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تواجه البلاد؛ حيث تقدمت النائبة بالبرلمان، شادية ثابت، بطلب إحاطة لوزير الأوقاف بشأن تلك الصناديق، للمطالبة بضمّها إلى الموازنة العامة للدولة، مثل باقي الصناديق الخاصة.

من جانبه، طالب شيخ الطريقة الهاشمية، ونقيب الأشراف بالبحيرة، السيد الطاهر الهاشمي، في تصريح خاص بـ"حفريات" بالإعلان عن أموال ومصارف صناديق النذور، لتحقيق الشفافية، مشيراً إلى "آلاف الأضرحة الوهمية، التي تحولت لقبلة دائمة للجهلة والبسطاء، بفضل حملة دعائية ضخمة، روّجت لها الجهة القائمة عليها".

اقرأ أيضاً: من يملك المنبر ويسيطر على المساجد؟

ومما سبق يمكن الإشارة إلى أنّ هناك أضرحة بنيت لغرض جمع الأموال، بحجة أنّها تحتضن شخصيات قريبة لأهل البيت، وتجمع هذه الأضرحة ملايين الجنيهات، وتقسم بطريقة تضمن للموظفين والعاملين عليها أخذ نسبة منها، كما تستفيد الدولة من عوائدها، إلا أنّه، حتى هذه اللحظة، لا توجد ضوابط صحيحة لجمع النذور، وصرفها في مصارفها الطبيعية، في وقت يثار الجدل؛ ما بين السلفية التي تهاجم المسألة برمّتها، والأزهر الذي ينافح ويردّ تارة، وينتقد مستدلاً بفتاوى قديمة عفا عليها تارة أخرى، لتظلّ المشكلة قائمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية