هل تجتمع "العائلة الإبراهيمية"..تحت "حلف فضول" جديد؟

هل تجتمع "العائلة الإبراهيمية"..تحت "حلف فضول" جديد؟


07/11/2018

أحدث الإعلان التاريخي الذي أصدره نحو 400 عالم ومفكر من علماء وقادة من كل الديانات، قبل نحو شهر في واشنطن، بقيادة العلامة الكبير عبدالله بن بيه ورابطة العالم الإسلامي، مفاجأة إيجابية للمتابعين، خصوصاً المهتمين منهم بجانب تفعيل قيم الأديان عبر المنظمات والمنابر الأممية، بعد إقرار إنشاء مؤسسة "حلف الفضول" تعنى بالاضطلاع بتطوير وتفعيل مبادئ ومقاصد إطلاق حملة إنسانية لإطعام مليار جائع على مستوى العالم، خصوصاً من يعاني أثر الحروب والصراعات الدموية.

اقرأ أيضاً: المسلمون بين السماحة والتسامح.. لماذا تناسينا قيم الإسلام الحقيقية؟

وهي دعوة، كما قال من أطلقوها، مفتوحة للغداء على مائدة "العائلة الإبراهيمية" بمناسبة لمِّ شملها، مُوجّهة لكلّ المعوزين من بني الإنسان، بلا تمييز بينهم بالدين أو العرق أو الوطن، وتبدأ هذه الحملة بمرحلة أولى بتوفير مليون وجبة غداء.

بل إنّ المجتمعين في وثيقتهم الختامية، فوق ذلك، دعوا إلى تكوين "مجلس دولي متعدد الديانات" يضم قيادات بارزة من رجال الدين، لدعم الوساطات والمصالحات والتدخل السريع لإطفاء حرائق الحروب والفتن الأهلية.

الدعوة مُوجّهة لكلّ المعوزين من بني الإنسان بلا تمييز بينهم بالدين أو العرق أو الوطن

وربما من هذا الباب نفسه بوسع العرب أن يبرموا صلحاً مع اليهود في فلسطين، على رغم تاريخ فشل المحاولات السابقة، لكن التطور الجديد الذي كشفت عن أولى خيوطه زيارة بنيامين نتنياهو مسقط، لعله أن يكون تحولاً مغايراً لا مناص منه حتى وإن قيل إنه غير مضمون النتائج.

ومهما يكن فإنّ مبادرة جمع "العائلة الإبراهيمية"، تحت عباءة "حلف فضول" جديد، يبرز وعياً إسلامياً نادراً بما تشكله المنظمات الدولية من فرص ومنابر إذا تم توظيفها بذكاء للتعاطي مع مختلف القضايا التي تهم مصالح المجتمعات والشعوب، خصوصاً إذا تم تسويق المثل والقيم الدينية المشتركة عبرها، بوصف تلك القيم تجد ترحيباً من تلك الشعوب والأمم تلقائياً.

وعلى الرغم من الانتقادات القاسية والموضوعية أحياناً إلى تلك المنظمات الدولية نحو تعاطيها مع عدد من الملفات خصوصاً المتعلقة بمنطقتنا الشرق أوسطية والعربية، فإنها تبقى هي الباب المفتوح الذي يمكن عبره التحرك، والولوج إلى أبواب أخرى متفرقة.

اقرأ أيضاً: التسامح: كيف تتحرر من الحكم على الآخرين؟

ولعلّ أهمية هذه المنظمات ودورها المحوري على مستوى العالم هو الذي دفع دولاً عظمى مثل؛ أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ودولاً أخرى عريقة في المنطقة العربية مثل؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى تمويلها بسخاء نظير ما تتمتع به من مصداقية، خصوصاً في الجانب الإنساني والاجتماعي والتنموي.

اقرأ أيضاً: وزير التسامح الإماراتي: نجاحنا يتحقق حين يختفي التطرف

فدولة مثل؛ الإمارات تبوّأت المركز الأول عالمياً كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم 2017، وذلك وفقاً للبيانات التي أعلنتها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والإمارات بذلك تحافظ  للعام الخامس على التوالي على مكانتها ضمن أكبر المانحين الدوليين في مجال المساعدات التنموية الرسمية قياسا بدخلها القومي بنسبة 1.31 في المئة، وهو رقم يقترب من ضعف النسبة العالمية المطلوبة، وهي 0.7 في المئة التي حددتها الأمم المتحدة بمثابة مقياس عالمي لجهود الدول المانحة.

اقرأ أيضاً: التربية على التسامح: مفتاح الحكمة في موسوعة السلم

ووجه الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي كلمة بتلك المناسبة قائلاً:"إنه لمن دواعي فخرنا وسرورنا ونحن في عام زايد أن تتصدر دولة الإمارات تلك المكانة العالية بين دول العالم كأكثر الدول عطاء والذي يعبر عن جهود إماراتية مضنية تبذل لخدمة البشرية أينما كانت وتستمد جذورها من الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه"، وهذا ما يمكن استعارته على لسان الأمير أيضاً في مناسبة إحياء قيم "حلف الفضول" بدعم إماراتي، يسير على خطى الأب المؤسس.

اقرأ أيضاً: التسامح السلطوي والتسامح التعددي

من هنا كان تفعيل "القيم الدينية" عبر تلك المنظمات الدولية الفعالة مهماً، وهي الخطوة التي أقدم عليها "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" بدعم إماراتي، غير مستغرب بقيادة العلامة العربي المرموق الإمام عبدالله بن بيه الذي كان رسول سلام، وأيقونة الحكمة والتعايش والإيجابية عبر تاريخه الفقهي والفكري الأصيل.

استعادة جوهر الإسلام من "قطاع الطرق"

إنّ تفعيل معاني "حلف الفضول" ونظائرها من القيم الدينية والروحانية، فوائدها لا تقتصر فقط على تحصيل المنافع المباشرة، مثل؛ إغاثة الملهوفين، وإطعام الجوعى ونصرة المستضعفين، وإنهاء الشقاق الديني بين اليهود والمسلمين، على سبيل المثال، وإن كانت تلك مبادرات حميدة.

اقرأ أيضاً: التسامح السلطوي والتسامح التعددي

لكن آثار تلك المساعي أبعد؛ إذا تمكّنت من تحرير بعض طابع الديانات الإبراهيمية السلمي من خاطفيه ومجاميع "قطاع الطرق" من الإرهابيين والمتطرفين والحركيين المتناسلين من "الإخوان"، الذين أقاموا بأفعالهم المضادة لجوهر الإسلام في الإحسان والرحمة والسلم والتعايش، سياجاً من العنف والدماء والأسر والسبي والغدر والمتاجرة بالدين، وهتك الحرمات في سبيل الوصول للسلطة بأي ثمن ولو على حساب تشويه كل قيمه ومعانيه، مما طبع صورة الإسلام في الأذهان – يا للأسف – بمنكر الأفعال والتصرفات التي جاء الإسلام ابتداء لمناهضتها، في قول رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقل مثل ذلك وأشد عن متطرفي اليهودية والمسيحية.

الإمارات تبوّأت المركز الأول عالمياً كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم 2017

وإذا ما تحقق ولو جزء من هذه الغاية، بأن تنجح منظمات موثوقة مثل "منتدى السلم" في إغناء الهيئات والمبادرات والمشاريع الدولية ذات الصلة، وتطعيمها بأفكار ومواد وقيم مستقاة من الأديان السماوية مثل؛ الإبراهيمية والثقافات العالمية ذات التاريخ المشهود في الاعتدال كالبوذية، فإنّ ذلك يبرز معنى آخر للعلاقات بين الشعوب والاتصال الإنساني، بما يوفر أرضية أوسع للتعايش والتفاهم والتلاقى على المصالح المشتركة، مثل؛ مشكلة التقلب المناخي، ومشكلات الهجرة، أو سيادة القانون والسلام بين الدول والشعوب.

وفي هذه الحالة يمكننا أن نرى أفكار العلامة عبدالله بن بيه، ومبادرات منتدى السلم بما فيها مشروع "حلف الفضول" الذي صُنف على أنّه أول جمعيةٍ لحقوق إنسان في التاريخ قبل 1400 سنة، يدافع عنها الأمريكيون والصينيون والفرنسيون والهنود والعرب وغيرهم، طالما أنّها تنعكس على واقعهم ويقرؤونها في مناهجهم، كما يقرؤون أفكار ابن خلدون وابن الهيثم وابن عربي وديكارت وإبراهيم لنكولن وغاندي والشيخ زايد وما نديلا وغيرهم من ذوي التجارب الإنسانية العظمى.

اقرأ أيضاً: الإمارات: نشر التسامح أساس دحر الإرهاب

ولا ريب أنّ قيم الإسلام الشائعة يمكن أن تضيف كثيراً للإنسانية لو جرى تفعيلها وتسويقها من جانب المفكرين والمنظمات ذات المصداقية العالية، ولا بد أنّ الأديان الأخرى أيضاً لها رصيد من القيم مماثل.

اقرأ أيضاً: العالم يحتفل بيوم التسامح العالمي

ونحن بذلك نختصر على الإنسانية كثيراً من الشقاق والاختلاف حول بعض الفلسفات  العالمية والنظم مثل "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، فالمجتمعات حين تأخذ بمواد تلك النظم على أنها من إرثها وقيمها وتاريخها تتلقاها بالقبول كبضاعتها ردت إليها، كما أنها عبر المبادئ نفسها والمثل يمكنها نزع فتيل العديد من الحرائق والمتفجرات، تحت ذرائع واهية أحياناً أو رغبات نكتشف بعد قتل الآلاف وتهجير الملايين أنها لن تتحقق كما في الحالة السورية، وتطهير فلسطين من العرب، فمرحبا بـ"حلف الفضول" روحاً ومؤسسة ونهجاً.

و"حلف الفضول" كما يعلم الكثيرون، هو في أصله معاهدة بين قبائل عربية شهدها نبي المسلمين، عليه الصلاة والسلام، مع أعمامه من بني هاشم قبل أن يبعث، قامت على نصرة المظلوم في مكة المكرمة وإعادة الحق إلى أهله.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية