إيران في فم العاصفة سواء توجهت إلى الشرق أو إلى الغرب

إيران

إيران في فم العاصفة سواء توجهت إلى الشرق أو إلى الغرب


08/11/2018

يدرك المراقبون في العالم، وهو ما لا تدركه القيادة الإيرانية، أنّ طهران أضحت في فم العاصفة، فقد تحدث صحيفة "وول ستريت جورنال" عن "عقوبات جديدة ناعمة على إيران تفرضها إدارة ترامب، وهي عقوبات سبق أن رفعتها إدارة أوباما".

اقرأ أيضاً: العقوبات على إيران: 5 أشياء يجب أن تعرفها

ولكن يبدو أنّ الخزانة والإدارة في الولايات المتحدة تسعيان إلى فرض عقوبات فرضاً ديبلوماسياً حذقاً يضغط على النظام، بحسب افتتاحية الصحيفة، وثمة من يشكو من إعفاء الإدارة الأمريكية ثمانية بلدان من العقوبات على صادرات إيران النفطية. ولم تجهر الولايات المتحدة بالبلدان التي يشملها الإعفاء، ولكن المصادر قالت إنها تشمل اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند. والإعفاء هذا يمهل حلفاء مثل كوريا الجنوبية واليابان، الوقت. فالحليفان هذان يسعيان إلى تقليص الاعتماد على النفط الإيراني شيئاً فشيئاً، ولا شك في أن إعفاء الهند والصين مخيب.

اقرأ أيضاً: 4 سيناريوهات ما بعد فرض العقوبات على إيران

الإعفاء يرمي إلى الإبقاء على بعض النفط الإيراني في السوق الإيرانية لتجنب ارتفاع أسعار النفط، وفي وسع الولايات المتحدة الضغط تدريجياً أكثر مع تواصل الإنتاج الأمريكي النفطي وبلوغه مبلغاً يتربع فيه محل ما خسرته الأسواق من النفط الإيراني. وهذا ما يقول وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أنّ بلاده فاعلة.

منوشين: "سويفت" ملزم بفصل المؤسسات المالية الإيرانية التي تحددها واشنطن عن نظامه

سحب أكثر من مليون برميل نفط إيراني

وعلى رغم الإعفاءات، وحتى قبل إقرار العقوبات، أدت التوقعات بوشك فرضها إلى سحب أكثر من مليون برميل نفط إيراني يومياً من السوق، كما قالت "وول ستريت جورنال"  في افتتاحيتها التي ترجمتها صحيفة "الحياة". ويترتب على السحب هذا خسائر ضخمة في الاقتصاد الإيراني. ولم تنأَ الإدارة الأمريكية بالعقوبات عن الاتحاد الأوروبي، إثر رفضه التعاون مع واشنطن للتفاوض من جديد على اتفاق أوباما النووي مع طهران، وهو اتفاق مليء بالشوائب. ومأخذ اليمين الثاني على الخزانة الأمريكية هي عدم حظرها المعاملات المالية الإيرانية كلها عبر نظام "سويفت"، والنظام هذا يحمي المعاملات المالية العابرة للحدود. فالإدارة الأمريكية ستسمح للـ "سويفت" بإنجاز معاملات مع إيران لأغراض إنسانية، مثل التجارة في المجالين الطبي والغذائي. ولكن وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، يقول إنّ "سويفت" ملزم بفصل المؤسسات المالية الإيرانية التي تحددها واشنطن عن نظامه ما إن يسعه ذلك تقنياً لتفادي العقوبات التي تستهدف النظام، وليس الإيرانيين. وهذه الاستثناءات الطبية والغذائية قد تثني الأوروبيين عن السعي إلى نظام بديل عن "سويفت". وواشنطن مضطرة إلى مراقبة شبكات أو قنوات "سويفت" الإنسانية للحؤول دون استغلال طهران القنوات هذه لغايات أخرى.

اقرأ أيضاً: هل كانت واشنطن ذكية بإعفاء ثماني دول من العقوبات النفطية الإيرانية؟

وتملك واشنطن مرونة في شد طوق العقوبات أكثر في الأشهر المقبلة. غير أنّ العقوبات الأخيرة، كما توقعت "وول ستريت جورنال" ستحرم حكام طهران من مزيد من الأموال ينفقونها على مغامراتهم الخارجية. وحريّ بالولايات المتحدة توقع بعض الرد [الانتقامي] على العقوبات هذه، وقد ينفذ وكلاء إيران الإرهابيون عمليات الرد هذه. وأما الاتحاد الأوروبي، فحريّ بقادته، كما تنصح الصحيفة، العودة عن مقاومة المساعي الأمريكية، والعمل مع واشنطن لحمل إيران على المفاوضة من جديد على اتفاق يحول فعلياً دون سلاح نووي إيراني.

أماط روحاني اللثام عن سياسة "النظر أو التوجه إلى الشرق"

خيبة استدارة طهران نحو بكين

وفي سياق متصل، وتحت عنوان خيبة استدارة طهران نحو بكين، كتب إيغور برانكراتنكو، أستاذ العلوم السياسية، ومدير عام مركز التقديرات الإستراتيجية، مقالاً نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، ذكّر فيه بأنه "قبل عام، لم يكن أحد ليصدق أنّ أوروبا ستنضم إلى إيران في مواجهة أمريكا... وروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأفريقية والأمريكية اللاتينية هم أصدقاؤنا... سيف أمريكا من ورق حين تلوح به ضد طهران"، ناقلاً ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام مجلس الشورى الإيراني.

باحث روسي: أبرز ما يترتب على انهيار إستراتيجية الرئيس الإيراني "التوجه إلى الشرق" هو إخفاق سياسة الاعتداد بالصين

ولكن حماسة روحاني الخطابية هذه رمت، بحسب المحلل الروسي، إلى التأثير في النواب وصرفهم النظر في طرحهم أسئلة محرجة. ولكن جواب النواب الإيرانيين وقع عليه وقع الصدمة، وسئل: "ماذا عن الاستدارة أو النظر إلى الشرق يا شيخ الديبلوماسية النبيل، وماذا عن بكين؟ هل هي كذلك صديقتنا؟". فعشية قمة شنغهاي، أماط روحاني اللثام عن سياسة "النظر أو التوجه إلى الشرق"، وقدمها على أنها "تطور بارز" في استراتيجية طهران في المواجهة مع الولايات المتحدة. ولكن ما رأي بكين بـ "التطور" هذا أو المنعطف، يتساءل الكاتب؟

اقرأ أيضاً: هل تستمر إيران في تمويل الإرهاب؟

ويردف: لا يخفي أحد أنّ نجاح العقوبات الأمريكية هو رهن بكين، فهي الفيصل. والصين هي أضخم مستوردي النفط الإيراني، وهي القيّمة على وديعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مصارفها. وأواخر الشهر الماضي، قبل يوم من أداء روحاني المنفرد أمام المجلس التشريعي الإيراني، أعلنت أضخم شركتين صينيتين، "شاينا ناشنل بيتروليوم" و"سينوبيك"، وهما على رأس الاقتصاد الصيني، وقطاعاته النفطية والمصرفية.. إلخ، تجميد استيراد النفط من إيران والعمليات التجارية كلها في البلد هذا، بدءاً من الشهر الجاري وإلى أجل غير مسمى. وإلى التجميد النفطي هذا، تتوجه الأنظار إلى قمة تجمع دونالد ترامب والرفيق شي جينبينغ على هامش قمة مجموعة الدول العشرين. وعلى خلاف ما درجت عليه، يكثر كلام المصادر الصينية، شرط عدم الإفصاح عن هويتها، على محور القمة "الحاسمة" هذه وعلى من يقف وراء التجميد هذا، وكأن ثمة ما يُخفى بأنّ اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي هي من تمسك بمقاليد الشركات العامة الصينية، "وأخطار استيراد النفط من إيران تفوق المنفعة المرجوة منه"، يقول ممثلو الشركتين الآنفتي الذكر.

تنبؤات بإخفاق سياسة الاعتداد بالصين والاعتماد عليها

بكين لا ترغب في مواجهة واشنطن دفاعاً عن طهران

ويبدو أنّ بكين، كما يقول برانكراتنكو، تنكر على طهران مكانة "الشريك الاستثنائي" ولا ترغب في مواجهة واشنطن دفاعاً عن الشراكة هذه. وصارت إيران بيدقاً أو ورقة في لعبة "غو" الصينية الكبرى مع الرئيس الأمريكي، وفي وسع الزعيم شي التضحية بها أو استخدامها حين تدعو الحاجة.

اقرأ أيضاً: هل تقصم العقوبات الأمريكية ظهر النظام الإيراني المنهك؟

وبإلقاء نظرة على جدول المستوردات الصينية من إيران في حزيران (يونيو) 2018، يقع على الناظر وقع المفاجأة ارتفاع معدلات الاستيراد الصيني النفطي من إيران حين تحتدم الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين، وميلها إلى الانخفاض حين انحسار حدة الحرب هذه. واليوم ترفع الصين النبرة وتقدم على خطوات "تصعيد" وتلوّح بالتقرب أكثر من إيران لثني أمريكا عن النفخ في الحرب التجارية.

اقرأ أيضاً: عقوبات إيران ومستقبل السعودية

ويلاحظ الباحث الروسي أنّ أبرز ما يترتب على انهيار إستراتيجية روحاني الموسومة بـ "النظر إلى الشرق" أو "التوجه إلى الشرق"، هو إخفاق سياسة الاعتداد بالصين والاعتماد عليها. فهو لم يفلح في حمل بكين على التزام مساندة بلاده في أصعب الظروف. ولم يقدم روحاني ومحيطه على خطوات يعتد بها لاستمالة الصين، وحسبوا حسباناً متعجرفاً بأنهم حليف لا غنى للصين عنه. وتبين أنّ "النظر إلى الشرق" سياسة قصيرة النظر تشوبها شوائب كثيرة، على رغم إشادة روحاني وإدارته بمحاسن هذه "النظرة" أو "الاستدارة".

بكين تؤلب واشنطن على طهران وتجني الأرباح

وفي هذا السياق، يذكر المعلق الأمريكي جوش روجن أنّ بكين تؤلب واشنطن على طهران وتجني أطنان الأرباح من التأليب هذا.

العقوبات الأخيرة كما تتوقع "وول ستريت جورنال" ستحرم حكام طهران من مزيد من الأموال ينفقونها على مغامراتهم الخارجية

ويصف الكاتب، في مقال الذي حمل عنوان "الصين تحصد ثمار إستراتيجيا ترامب الإيرانية" ونشرته "الواشنطن بوست" تفاصيل الالتزامات الصينية مع الولايات المتحدة في مسألة العقوبات، بأنها "سرية"، ولكن ما هو ثابت أنّ بكين تماشي واشنطن من جهة، وتفعل ما تشاء، من جهة أخرى. فالشركات الصينية العامة قلصت استيراد النفط الإيراني من 800 ألف برميل يومياً في آب (أغسطس) المنصرم، إلى 500 ألف برميل يومياً في أيلول (سبتمبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: أيّة مسارات تشكّل سياسة واشنطن حيال النفط الإيراني؟

وأعلن مسؤولون صينيون، بحسب الكاتب، أنهم لن ينزلوا على طلبات واشنطن التوقف كلياً عن استيراد النفط الإيراني. واتخذت الشركات الصينية إجراءات تضمن تدفق النفط الإيراني، إثر العقوبات الأمريكية. فعلى سبيل المثل، لجأت الشركات الصينية إلى ناقلات إيرانية في نقل النفط، عوض استخدام الناقلات الخاصة بها لتقليص الأخطار. وحازت الشركات هذه حسومات كبيرة على سعر النفط الإيراني، في وقت طهران في موقف حرج وعسير: فهي لا ترغب في خسارة التجارة مع الصين أمام السعودية التي تطرق بابها (الصين) وتعرض عليها أسعاراً نفطية مخفضة. وتجني بكين أرباحاً من طريق سبل أخرى. وفي وقت توقف بنك كولون الصيني عن التعامل مع إيران لتفادي العقوبات الأمريكية، تحتفظ بكين بأموال إيران في حساب صيني غير جارٍ، هو في مثابة حساب مؤونة محبوسة.

يتعاظم اعتماد طهران أكثر فأكثر على السوق الصينية

إيران تحت رحمة الصين

ويقتصر استخدام هذه الأموال، استناداً إلى القانون الأمريكي، على شراء سلع لا تشملها العقوبات من الصين، وهذا مورد ربح مالي إضافي للشركات الصينية؛ فـ "إيران تحت رحمة الصين... فإثر العقوبات، يسع بكين حمل طهران على خفض سعر النفط مقابل سلع صينية مضخمة الأسعار"، يقول مارك دوبوفيتز، النائب التنفيذي في "فوندايشن فور ديفنس أوف ديموقراسيز". ولا حاجة لإيران بمعظم السلع الصينية هذه، يقول دوبوفيتز. وعلى خلاف الشركات الصينية، تقطع الشركات الأوروبية علاقات الأعمال في مجال النفط مع إيران.

اقرأ أيضاً: هل تستمر ناقلات النفط الإيرانية بعملها رغم العقوبات؟

وفي ضوء ذلك، يتعاظم اعتماد طهران أكثر فأكثر على السوق الصينية، ويتفاقم ضعفها أمام التكتيكات الصينية. ويرى دوبوفيتز أنّ العقوبات هذه، على خلاف المرتجى، تعزز قبضة التجار الصينيين وتطلق أيديهم في ما يجيدونه على أمثل وجه: الضغط أو سحق من هو في الموقع الأضعف في التفاوض. وتستغل الصين الإستراتيجية الأمريكية إزاء إيران لجني الأموال، وتقوض إستراتيجية ترامب. فهي تعزز وزنها في وقت تجبه حرباً تجارية شنتها إدارة دونالد ترامب عليها. والعقوبات هذه تقدم ذريعة جديدة إلى شي جينبينغ للزعم أنّ بلاده قوة اقتصادية دولية معولمة ومسؤولة، على خلاف واشنطن، القوة الأحادية والمخربة، وفق "الواشنطن بوست" التي ترى بأنه لا سبيل إلى بلوغ إستراتيجية ترامب مبتغاها،  إلا "بالضغط إلى أقصى حد" على إيران، من دون تعاون الصين.

الصفحة الرئيسية