هل نريد أن نصبح بشراً أقل عنفاً وتطرفاً وكراهية؟ .. علينا بالموسيقى

الموسيقى

هل نريد أن نصبح بشراً أقل عنفاً وتطرفاً وكراهية؟ .. علينا بالموسيقى


12/11/2018

بينما يحاصرنا الموت، من كلّ مكان، نبحثُ عن نوافذ نُطلّ منها على الحياة، ومن هذه النوافذ وأوسعها، نافذة الموسيقى؛ التي تنقلنا بين مقامات الحياة، لنتوحّد مع أنفسنا، فتضيء لنا قلوبنا وسط العتمة، ونصير بشراً أقل عنفاً وتطرفاً وكراهية.
الموسيقى علاج للتطرف
تشير الدراسات إلى أنّ الموسيقى تستخدم في العلاج الآن، في كثير من المستشفيات، وهذا ليس جديداً؛ حيث استخدمها القدماء أيضاً، وكان "أبولو" هو إله الموسيقى والطب عند الإغريق، كما تزخر المعابد المصرية بنقوش الآلات الموسيقية، التي تحدّثَ عنها أفلاطون، قائلاً: إنّ الموسيقى يمكن أنْ تؤثّر في العواطف، وتطهّر المشاعر.

الموسيقى تضيء لنا شمعة صغيرة في العتمة فنصير بشراً أقل عنفاً وتطرفاً وكراهية

إنّ قيام تنظيم داعش بحرق وتحطيم الآلات الموسيقية، في المناطق التي كان يسيطر عليها في ليبيا، وهدمه للمتاحف والآثار في العراق وسوريا، وقيام السلفية بتحريم العزف، يظهرُ بصورة جليّة إلى أي مدى هي مهمة، وكيف أنّ الفن يحرّرُ الفردَ من القيود التي تفرضها عليه مثل هذه التنظيمات الراديكالية، وكيف أن التيارات الدينية المتطرفة ربما تخاف من تأثير الموسيقى على تكوين الشّخصية السّوية التي تشكّل عقبةً أمام نموّ أيديولوجية القتل.

تحطيم الآلات الموسيقية

يرى الموسيقى العراقي، نصير شمّة، أنّ الموسيقى، كنوع من أنواع الفن، فيها مختلف الأشكال والتصورات، فهي لغة واحدة توحّد الشعوب، وتعكسُ ثقافاتٍ متعددةً تمّتْ صناعتُها عبر التاريخ، وليستْ ثقافةً أو مذهباً لفئة واحدة، لذا؛ فقد أشهرَ، شمّة، عوده الذي يعزف عليه في وجه الإرهاب في بلده العراق، قائلاً، في إحدى مقالاته الصحفية:"أنا عازمٌ على تهدئة النّفوس ومحاربةِ التّطرفِ في بلدي العراق، بالموسيقى التي تحمل السّلام والتوازن".

اقرأ أيضاً: هكذا استخدمت حكومة كيمنتس الألمانية الموسيقى لمواجهة التطرف
عالَمُ نصير شمّة ورفاقه هو ذاتُ عالم الموسيقار المصري، عمر خيرت؛ عالَمُ الطمأنينة والسعادة والمتعة، الذي يجذبك من كلّ حواسك لتؤمن أنّ الحياة جميلة، وأنّ الموسيقى سلاحٌ قويٌّ أمام الكراهية.

اقرأ أيضاً: ميتسوكو يوشيدا: في البدء كانت الموسيقى

يقول الموسيقي الكبير عمر خيرت، في تصريح نشرته صحيفة "الأهرام" المصرية: للفنون قوة وتأثير في تقويم السلوك البشري، فلا يمكن أنْ نرى من يحمل آله موسيقية أو محبّاً للفنون يحمل سلاحاً، ويمكن للفنّ أنْ يواجهَ هذا التطرف من خلال بناء الإنسان والتواصل المباشر مع المواطنين وتحقيق العدالة الثقافية والفنية في ربوع الوطن، وأرى أنّه يجب أنْ نضع الطّفل نصبَ أعيننا، باعتباره جمهور المستقبل.

الموسيقى رحلة في ملكوت الله
إنّ عزفَ الأوتار الذي يدغدغ المشاعر، ويسمو بالروح ويوسّعُ الأفقَ ليقبل الآخر ولا يفكر في إيذائه، هو رحلة الروح في ملكوت الله في عالم الصوفي.

اقرأ أيضاً: الموسيقى الإسلامية الحديثة: فن أم تنافس لاستقطاب المتابعين؟
يعتبر أتباع "المولوية" أنّ النّغَمَ الحزين يعبّر عن صرخات الغصن اليتيم الذي فُصِلَ عن أمّه الشجرة، وأنّ صوتَ النّاي شبيهٌ بما تجيش به الصدور، فيجبرون أنفسهم على الصمت من أجل بلوغ أقصى حالات الوجد مع المحبوب؛ أي الخالق.

اقرأ أيضاً: شيطنة الموسيقى في إيران
كما يعتبرُ الصّوفية الموسيقى فنّاً إلهياً وتجربة دينية عميقة؛ حيث يخوضها المتصوّف ليعبّر بها عن ذاته، ذاته التي يجب أن تجمع لا تفرق، وتقبل ولا ترفض، وتبني ولا تهدم.

الموسيقى ارتقاءٌ روحاني، لها أثر ضخم في تهذيب النفس

يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، هيثم أبو زيد، في تصرح خاصّ لـ"حفريات": الموسيقى ارتقاءٌ روحاني، لها أثر ضخم في تهذيب النفس، وترقيق القلب، والسّمو بالإنسان إلى درجات عليا من الكمال، وكلّما كانت الموسيقى راقيةً عميقةً كانت أقرب في أثرها إلى ما يُحدِثهُ التّصوف في نفوس أصحابه؛ فالصّوفي في سيره إلى الله تعالى يرتقي في درجات وأحوال ومقامات، والموسيقى الرّاقية في تصاعدها ترتفع بدرجات وإيقاعات ومقامات..".

اقرأ أيضاً: السعودية تستضيف أضخم مهرجان عالمي لموسيقى الجاز

ويتابع "إنّ الموسيقى الراقية لا تنتج إلا من خلال نِسَبٍ رياضية متسقة، وإلا كانت نشازاً، وحالةُ الاتّساق هذه تنعكس على المستمع، اتزاناً في النفس، واعتدالاً في المزاج، ورقّة في الشعور، لذا نجدُ أنّ بعض كبار موسيقيينا يقدّمون أعمالاً كثيرة تغلّفها روح التصوف، بل إنّ موسيقياً كرياض السنباطي مثلاً، تتّسم كل ألحانه بتلك الحالة الصّوفية الوجدانية، حتى في ألحانه العاطفية، وبالطبع فإنّ هذه الآثار العميقة للموسيقى، تنتج إحساساً قوياً بالجمال، ورفضاً ونفوراً من كل قبيح. فمن الصّعوبة بمكان أنْ يقبل متذوّق الموسيقى أو عازفُها بأفكار التّطرف، التي تؤدي حتماً إلى رفض الموسيقى وتحريمها، وبالتالي فلا يمكن لمن كان هذا شأنه أن يقبل بإراقة الدماء".

 

 

أنغام في مواجهة التطرف
هناك من يرى أنّ الموسيقى تتمتع بقدرة على جمع الناس ومواجهة التطرف والإرهاب، ومن أبرز هؤلاء، أصحاب مشروع (تونس 88)، لإيقاظ حبّ الموسيقى لدى الأطفال، وتحذيرهم بها من الوقوع في براثن الإرهاب، وكذلك مشروع فرقة (شويّة فن) المصرية، والتي أسسّها الفنان جو.
أصحاب المشروع التونسي قالوا، في تصريحات صحفية: إنّ الرقم 88 يعبّر عن عدد مفاتيح البيانو، وعدد الحفلات الموسيقيّة التي ينوون تنظيمها في مختلف مناطق تونس حتى منتصف العام 2019.

جو: جميلٌ أنْ يصنع الإنسان فناً ولكنّ الأجملَ أنْ يصنعَ الفنُّ إنساناً

الفعالياتُ الموسيقيّة تُقام في بيوت خاصّة، وفي مبانٍ عامّة ومسارح، وغالبية العروض سوف تقام في المدارس؛ حيث إنّ أصحاب المبادرة الذين يقاومون التّطرف يريدون، من خلال هذا المشروع، الوصولَ إلى جيل الشباب، وتشجيعهم على حبّ الموسيقى والمشاركة فيها بكل بساطة.
وعن تجربته، قال الفنّان جو، صاحب فرقة "شوية فن" التي تقدّم موسيقاها في الشوارع والمسارح والمدارس: جميلٌ أنْ يصنع الإنسان فناً ولكنّ الأجملَ أنْ يصنعَ الفنُّ إنساناً، ولو أنا قُمتُ بعمل مسرحية، أو قدّمت حفلةً موسيقيّة لتواجه الإرهاب والتطرف، ولم ترَني أو تسمعني، فسأكون قد قدّمتُ فناً، وعندها أعتبر أنني قد حققتُ هدفي.

الموسيقى تتمتع بقدرة على جمع الناس ومواجهة التطرف والإرهاب

وأضاف جو، في تصريح خاص بـ"حفريات": "لو ذهبتُ إلى حفلةٍ ووجدتُ اثنين من الحضور فقط فأنا سأكمل تجربتي، في مجتمع يبحث عن تحقيق الحلم، فنحنُ علينا أنْ نعمل، والله تعالى يعطي كل شخص منطقةً يعمل فيها ليؤدّي رسالته في الدنيا، لذا أنا راضٍ عن دوري، وسأكمل مهمتي التي بدأتها عام 2010".

الموسيقى هي الحل
تحت عنوان: "العلاج بالموسيقى في السّجن"؛ نظّم المعهد الوطني للموسيقى بلبنان، محاضرة تحدّثَ فيها قائد قوى الأمن الداخلي اللبناني، الدكتور إيليا فرنسيس الصافي، قائلاً: "إنّ العلاج بالموسيقى أصبح ضرورياً للقضاء على الكثير من الأمراض النفسية والعصبية ومشاكل التّوتر التي يعاني منها المسجونون، ولتحصين الشّباب الذين لديهم دوافع للانضمام إلى الجماعات المسلحة"، بحسب ما أوردت صحيفة "الرأي" الأردنية.

الريّس: الموسيقى تهذّب النفس إنْ كان الدارس لها حسنَ النشأة والبيئة، أما إنْ كان العكس، فلن تصلح معه

وأوضح "الصافي" أنّه تمّ إجراء تجربة مع ثلاث فئات، الأولى: فئة المرضى النفسيّين، والثانية: فئة المصابين بأمراض عقلية، والثالثة: فئة المحكوم عليهم بالمؤبد والإعدام؛ حيثُ تمّ تطبيق هذا النّمط من العلاج على 5000 سجين، تتنوع مستوياتهم لدينية، كما تبيّنَ أنّ العلاج بالموسيقى يساعدُ على الاسترخاء والانصراف عن العدوانية التي تؤدي للقيام بأعمال إرهابية؛ كما تساعد الإنسان في أنْ يتصالح مع ذاته والآخرين.
وأشار قائد قوى الأمن الداخلي اللبناني، إلى أنّه تواصل مع جمعيّات أوروبية تهتمُّ بالموسيقى، لتزويده بالمراجع والكتب الموسيقية، حتّى يحمى من لديه الدوافع للانحراف، وكذلك من يعاني من الاكتئاب المزمن، وبالتالي حماية هؤلاء من الانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية.

اقرأ أيضاً: لماذا يعادي الإسلامويون الموسيقى؟

من جهته، قال الفنّان أشرف الريس، في لـ "حفريات": "الموسيقى تهذيب للذوق والنفس، وداعمٌ لرقّيها وسموها وصفائها، وتتعارض كُل تلك الصفات مع العدوانية والإجرام والخروج عمّا هو مألوف وطبيعي، هذا إنْ كان الدارس للموسيقى أو هاويها شخصاً حسنَ النشأة والبيئة والتربية..".
من هنا، فإنّ الفنَّ قادرٌ على مناهضة الإرهاب، إذا تمَّ توفيرُ المؤسسات الثقافية الكفيلة باحتضانه وتشجيعه، وتحقيق المصالحة بينه وبين شباب العالم العربي، لكنّ قد تكمن المشكلة، التي تحتاج لتقرير آخر لمعالجتها، في عدم تخصيص معظم الحكومات في الكثير من دول العالم، ميزانيّة كبيرة للإنفاق على الفنّ، ليقوم بالدور المنوط به، والمأمول منه.

اقرأ أيضاً: الموسيقى.. فلسفة تتجاوز التاريخ



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية