مسرحيات "الساحرة والحكيم" تواجه التطرف بالاعتدال، والجهل بالعلم

مسرحيات "الساحرة والحكيم" تواجه التطرف بالاعتدال، والجهل بالعلم


25/11/2018

سلامة تعلب

مجموعة "الساحرة والحكيم" خمس مسرحيات للكاتب صلاح شعير صادرة عن دار يسطرون للنشر والتوزيع بالقاهرة، ويمكن القول إن هذه  النصوص الخمسة هي بمثابة عودة حميدة لزمن الفن الجميل، من بوابة مسرح الفصحى، وبما يتفق مع تأكيد فكرة الهوية؛ لأن صياغة المشروعات الأدبية بلغتنا الأم؛ يساعد على دمج آمال الحاضر الفتية، بمفرادات ماضينا المشرق، وهذا يحفز على إعادة إنتاج الأمجاد العربية عبر العدل، والعمل، والعلم، فرغم  تصدع الحركة المسرحية في الوقت الحالي؛ يقدم لنا الكاتب وجبة مسرحية شديدة الثراء، طاف بنا من خلالها بين المسرح الرومانسي، والعلمي، والكوميدي، ومسرح المونودراما، والمسرح الإذاعي،  وسوف نتناول هذه النصوص الخمسة بإيجاز:
1-  العسل والصبار:
تم بناء المسرحية بشكل غير تقليدي، عبر اللوحات المتتابعة، كديكور متغير، حيث تتكون المسرحية من إحدى عشرة لوحة، كل لوحة لها ديكور خاص، وتم توظيف الموسيقى وبعض الأصوات كالشهيق والزفير، ودقات القلب، وصوت القطار، وغيرها  كمؤثرات صوتية،  تتفاعل مع الحوار من آن لآخر.
ويذكر أن صياغة هذا النص تحاكي أحدث ما وصل إليه المسرح العالمي من حيث التكنولوجيا المستخدمة في تنفيذ النصوص المسرحية، أو من حيث البناء الفني للمسرح.
قدم المؤلف شخصيات متنوعة منها نماذج لأهل الشر، مثل: سعيد أنور، وزغلول الطائر، وكوكب، في مقابل أهل الخير، مثل: حبيبة طاهر، وفضيلة زوجة سعيد أنور، وأحمد السائق، وحنان الخادمة.

وعن المضمون:
* تنطلق هذه المسرحية من عدة زوايا، منها الإطار العام: العلاقة بين الرجل والمرأة، وإطار خاص يعرض  فيه الكاتب فكرة الرومانسية بين طرفي نقيض، حيث الفاسدة التي تحولت إلى فاضلة تحب الفاضل الذي يتحول إلى فاسد؛ فلا يلتقيان، وفي المقابل نموذج الحب الحقيقي الذي يجمع بين القلوب الخضراء، وبين هذين النمطين تسير الأحداث في جو متباين  ومتقلب حيث  الفساد الأخلاقي، والانتهازية  في مواجهة الشرف والأمانة.
* يسلط الكاتب الضوء على عدة قضايا خطيرة، منها: خيانة بعض الأفراد المفوضين بإدارة المال ببعض الشركات الكبرى لمهام وظائفهم، وذلك بتفشي أمراض السلب والنهب، والتهرب الضريبي، وهذا الأمر يهدد الاقتصاد حال استمراره، مما يهدد استقرار الأوطان.
* تطرح المسرحية ظاهرة شديدة الخطورة، تتمثل في سيطرة الإعلان على الصحافة، كذلك قيام البعض بتدمير منظومة القيم بالمجتمعات عبر الصحافة الصفراء التي تضلل الجميع، عبر الكذب والتلاعب بالعبارات لدعم  بعض الأفاقين.
2-  القلب الجريح:
تم صياغة هذا النص في فصلين، وكل فصل مكون من مشهدين، وتدور فكرة النص حول العلاقة بين العلم الرصين والدين، لتؤكد لنا أن الفهم الصحيح للدين هو أهم لبنات البناء؛ لأنه ينزع التطرف من عقول الأفراد.
ويطرح الكاتب تساؤلا على لسان  شخصيات المسرحية: هل الإنسان يفكر بقلبه، أم بعقله؟ وتأتي الإجابة عبر ما توصلت إليه الأبحاث العلمية، والتي أكدت أن مصدر التفكير هو القلب؛ لأنه يحتوي على 40 ألف خلية للتفكير، وهذا الكشف العلمي يتفق مع ما ذكره القرآن الكريم، وهنا نجد أن الكاتب يخاطب الجميع  بضرورة طرق أبواب العلم، وكأن لسان حاله يقول إن أرباب النقل لن يفهموا الإسلام إلا بإعمال العقل، ويمكن القول بأن المؤلف كاتب عبقري يحارب التطرف بالاعتدال، والجهل بالعلم.
وأيضًا يناقش النص عدة قضايا أخرى موازية، منها البطالة، وحقوق العمال، والتحول في السلوك البشري، وخفوت المشاعر، ويظل النص مليئا بالرموز، والأحدث حتى ينتهي بأحداث ممتعة ومنطقية.
3- بأمر نفسه:
ينطلق هذا النص عبر الخيال التاريخي، المطعم بالكوميديا، وخفة الظل، من التراث العربي الأصيل؛ حيث تم توظيف شخصية جحا كرمز للحكمة وخفة الظل، وعلاء الدين، وست الكل كرمز للحب النبيل، والحاكم بأمر نفسه، كشخصية متقلبة، وغيرهم من شخصيات تناسب زمن العرض الافتراضي للنص -عام 1120 - حيث الجو الفاطمي، وما تحمله القاهرة من عبق تاريخي.
أهم ما جاء به النص هو الانتصار لفكرة المواطنة، بين الشيخ المسلم، والقسيس المسيحي، والحاخام اليهودي، وتعاون كل هؤلاء في نصرة الحق، وما أحوجنا الآن لمثل هذا التوافق الحضاري بين كافة أتباع الأديان حتى يعم السلام فوق الأرض، حيث تمثل رسالة التعايش داخل هذا النص أهم قيمة إنسانية مواجهة لكل الشعوب فوق ظهر الأرض.
يوجه الكاتب رسالة تحذير بسبب نمو الصراع الطائفي في العالم الإسلامي بين السنة والشيعة، وهذا يدعونا لحمل مشاعل النور لإصلاح ذات البين، وحل الخلافات التاريخية عبر الحوار العلمي الرصين.

كما يؤكد النص أن العدل هو أساس الملك، وفي منعطف آخر يعلي المؤلف من فكرة الرحمة والرفق بالحيوان.
4- ليلة عاصفة:
يتنقل بنا المؤلف في النص الرابع نحو مسرح المنودراما في نصه الفريد "ليلة عاصفة" مسرحية من فصل واحد، بطلتها الجدة آمال، والتي تستعرض أزمتها النفسية المتأججة بسبب مآسي الحروب؛ فقد فقدت أباها قبل ولادتها بتسعة أشهر عام 1945 عندما سقط بقاذفات الألمان للإسكندرية، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية ببضعة أشهر، فعاشت مرارة اليتم، وعندما تزوجت فقدت زوجها في حرب 1973 فذاقت مرارة الترمل، وفقدان الزوج والحبيب، الذي ترك لها طفلاً تربي مثل أمه،  وكان من الأم الثكلي أن عاشت تدعو للسلام، وتخاطب سفارات الدول، وكبار المسؤولين، تدعوهم لنبذ الحروب، حتى رموها بكل التهم وخاصة الجنون.
وما يكدر صفوها أن ولدها اليتيم الذي رزق أخيرًا بطفل بعد طول انتظار ذهب لتغطية الحرب السورية، وتأخر عن الحضور في موعد سبوع ولده، ولذا قضت ليلتها مع الذكريات الأليمة خشية أن يواجه حفيدها نفس المصير، ومع شدة الظلام قبيل الفجر، عاد ولدها مع أول شعاع للنهار.
تحمل المسرحية رسالة سلام إلى كل البشر، تدعوهم لنبذ الحروب، والتعايش السلمي بين بعضهم البعض، وقد نجح الكاتب في مزج الموسيقى والمؤثرات الصوتية، وشاشة العرض، ليخلق جوا يحاكي الواقع المؤلم ليصور أصعب الفترات التي عصفت بالإنسانية خلال الصراعات الدموية، ولعل هذا النص يحمل السمات العالمية من حيث التكنيك المسرحي، ومن حيث المضمون، فهو دعوة مفتوحة لكل بني آدم فوق كوكبنا من أجل السلام.
5- الساحرة والحكيم:
هذا النص يتجول بنا في عبق مصر الفرعونية، حيث وظف الكاتب الأسطورة، والخيال، والتاريخ في صياغة المسرحية الإذاعية، وقد عرف هذا اللون لاحقًا باسم  "السهرة الإذاعية".
وتسير الأحداث بشكل متدفق، وعبر الفنتازيا والخيال، وعوالم السحر والغرائبية يشتبك النص مع الواقع في جديلة محكمة التضافر، حيث رسمت الشخصيات عبر الحوار بدقة، وهي تتحرك بين الآثار المصرية الفرعونية الخالدة.
تحمل المسرحية عدة مضامين شديدة الأهمية منها: حب الأوطان والدفاع عنها بكل قوة، وضرورة تسليح الجيش لأن الضعف يغري المعتدي، وتمجيد العلم مقابل دحض اللجوء إلى السحر والخرافات، والتشجيع على القراءة، ورفض فكرة العبودية بأي شكل من الأشكال، كذلك الانتصار لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة.
القاسم المشترك للنصوص:
بشكل عام يمكن القول بأن الرابط بين هذه المجموعة المسرحية المتنوعة؛ يتجلى في كل من: اللغة البسيطة، التي تناسب الشخصيات، والأسلوب المُشوق، والإرشادات المسرحية التي تقرب الصورة إلى ذهن القارئ، والتدفق التلقائي والمتدرج للأحداث بما يجعل النص مشتعلا بالصراع حتى إسدال الستارة، والانتصار لفكرة الهوية العربية، والاستدعاء المشرف للحضارة الفرعونية.
  لقد نجح الكاتب في إقناع القارئ بكل ما تحتويه المسرحيات من مضامين، وتم تمرير رسائله الفكرية بنعومة وحرفية عالية.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية