هل يكشف المستقبل وجهاً جديداً لتركيا؟

هل يكشف المستقبل وجهاً جديداً لتركيا؟


28/11/2018

تكشّفت تطورات في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، خلال الشهور القليلة الماضية، لتلوح "انفراجة" بين البلدين، يمكن البناء عليها، بعد أعوام من التوتر، تفاقمت بعد الاتهامات التركية للولايات المتحدة بالمسؤولية عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، في أواخر العام 2016.

اقرأ أيضاً: تركيا والقس برانسون: بعد لغة التهديد.. لماذا غيّر أردوغان موقفه؟

وقد بدأت هذه الانفراجة بالتحولات المرتبطة بالحيلولة دون وقوع معركة إدلب التي جرى التحضير لها، وكان وقوعها "قاب قوسين أو أدنى"، وظهرت خلالها تركيا بموقف منسجم إلى حدّ كبير مع المواقف الأمريكية والأوروبية، عبرت عنه في قمّتين: عقدت الأولى في طهران، بمشاركة روسيا وإيران، والثانية في سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين.

الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أصبح ملفاً مغلقاً لدى الأوروبيين إلا في إطار "مساومات تكتيكية" مع تركيا

ثمّ جاء الإفراج عن القسّ الأمريكي، ليعزز الإشارات الخاصة بمغادرة مربع التوتر، بعد أن شكّلت قضيته محطة بارزة في العلاقات التركية الأمريكية، ولاحقاً التعامل التركي مع قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وما تخللها من ازدياد مساحة القواسم المشتركة بين الجانبين، التي تكللت بزيارات لمسؤولين أمريكيين، على مستوى وزير الخارجية ومديرة المخابرات الأمريكية، في إطار استثمار سياسي واضح ضمن حسابات الطرفين، إضافة إلى استثناء تركيا من عقوبات النفط الأمريكية على إيران.

الأكراد.. الخلاف التركي الأمريكي الأكبر

ورغم أنّ التطورات السابقة ترسل إشارات بإمكانية تغييرات في العلاقة التركية الأمريكية، باتجاهات تؤسس لاستئناف ما يوصف بالعلاقات الإستراتيجية بين الجانبين، إلا أنّه من المبكّر القول إنّ العلاقات ستعود قريباً إلى ما كانت عليه قبل أعوام؛ إذ إنّ هناك جملة من القضايا التي ما تزال تشكّل عوائق لعودة العلاقات التحالفية بين تركيا وأمريكا، وتحتاج إلى جهود "كبيرة"، ومواقف تركية جديدة، من غير الواضح إن كان بإمكان الرئيس أردوغان الإقدام على اتخاذها، رغم نتائجها التي ستغير ما يمكن وصفه بالثوابت بالنسبة إلى السياسة التركية.

اقرأ أيضاً: كيف تدير واشنطن حساباتها في شرقي الفرات بين النظام السوري وتركيا والأكراد؟

ومن بين أبرز تلك الخلافات: الفجوة العميقة بين تركيا والإدارة الأمريكية تجاه الأكراد؛ حيث تنظر تركيا إلى أيّ دعم للأكراد، خاصة أكراد سوريا، على أنّه يهدّد الأمن القومي التركي، درجة أنّ مفهوم الإرهاب تم اختزاله لدى القيادة التركية بالأحزاب الكردية، فيما تتمسك الإدارة الأمريكية بالتحالف مع الأكراد، لأسباب عديدة، من بينها: دورهم في مواجهة إرهاب داعش والقاعدة.

الفجوة العميقة بين تركيا والإدارة الأمريكية تجاه الأكراد ستبقى أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين

ومن الواضح؛ أنّ هذه القضية ستبقى أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين، وربما أقصى ما يمكن أن تفعله الإدارة الأمريكية؛ الحيلولة دون انفصال الأكراد بدولة مستقلة، وهو ما تتعامل معه تركيا بشكوك عميقة، كما أنّ مستقبل سوريا، شكلاً ومضموناً، سيبقى أحد الملفات الخلافية، وتحديداً وحدة سوريا، بما في ذلك الدستور الجديد، واحتمالات سوريا فيدرالية، وبقاء الأسد.

وعلى صعيد متصل؛ فإنّ ملفات علاقة تركيا بالتنظيمات الإرهابية، خاصة داعش والقاعدة، وما شابههما من فصائل تشكّلت خلال الأزمة السورية، وتقديم الدعم والتسهيلات لها من قبل تركبا، خاصة خلال معارك إدلب، والدور التركي في ذلك؛ جميعها ستبقى أحد أبرز الملفات المؤجلة، وإحدى الأوراق التي ستستخدمها أمريكا وأوروبا في أيّة مفاوضات مع تركيا، رغم ما اتخذته تركيا من قرارات ضدّ بعض تلك التنظيمات.

هل تتغيّر تركيا؟

فيما يتعلّق بالعلاقة مع أوروبا؛ فيبدو أنّ تركيا أدركت أنّها لن تكون عضواً مقبولاً في الاتحاد الأوروبي، وأنّ أقصى ما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين الجانبين، كما قال الرئيس الفرنسي، ماكرون: أنّ "تكون تركيا شريكاً مفضلاً لأوروبا"، كما أنّ النشاط والتحركات التركية في دول البلقان، بما فيها النشاطات الاستخبارية، التي أفضت إلى اعتقال أتراك مقيمين في بعض دول البلقان، بحجة تعاونهم مع رجل الدين التركي، فتح الله غولن، المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، ستبقى موضع اهتمام أوروبي، إضافة إلى العلاقة مع روسيا، والتوسّع في تلك العلاقات، بمشروعات اقتصادية وعسكرية ضخمة جداً "صفقة لشراء منظومات صواريخ "إس 400"، ومشروع إمدادات غاز روسي لتركيا".

اقرأ أيضاً: تركيا تضغط على أمريكا وحلفائها في ريف دير الزور

والمرجح أنّ هناك كثيراً من الملفات التركية التي تشكل قضايا جوهرية خلافية مع أمريكا وأوروبا، بما فيها السياسات الداخلية للقيادة التركية المرتبطة بحقوق الإنسان، خاصة الحريات واعتقال الصحفيين، والتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ما أصبح يعرف بتوجهات أردوغان نحو إعادة إنتاج الخلافة العثمانية، بصورة جديدة، وهو ما ترفضه أمريكا وأوروبا.

الإفراج عن القسّ الأمريكي عزز الإشارات الخاصة بمغادرة مربع التوتر، بعد أن شكّلت قضيته محطة بارزة في العلاقات التركية الأمريكية

مشروعات تركيا الكبرى أصبحت اليوم موضع تساؤلات، وعلى نطاق واسع؛ فالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أصبح ملفاً مغلقاً لدى الأوروبيين، إلا في إطار "مساومات تكتيكية" مع تركيا، كما أنّ سعي تركيا قيادة العالم الإسلامي بالتحالف مع جماعات إسلامية، ينظر إليها في الغرب باعتبارها إرهابية "القاعدة وداعش"، أو مشكوكاً بمشروعاتها، مثل "الإخوان المسلمين"، في ظلّ تراجع الإسلام السياسي، وانحسار أفقه المستقبلية، سيدفع تركيا لإعادة التموضع، وربما ستكون مضطرة لخيارات إستراتيجية مستقبلية بما فيها الذهاب لمزيد من التحالف مع أمريكا، على حساب أوروبا وقيادة العالم الإسلامي، وهو ما يعني تقديم تنازلات، والشروع بتغييرات جوهرية قد تطرأ على وجه تركيا المعروف، بما في ذلك موقفها من صفقة القرن، التي تدور "شبهات" حول الموقف التركي منها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية